دام ظلهم: نحو شراكة بين الحكومات والحركات النضالية

لعل من أجرأ الحلول وأكثرها فعالية هو شراكة الحكومات العربية مع الحركات النضالية بشكل مؤسسي.

تحمل عبارة "دام ظله" في طياتها معاني الاستمرار والبقاء والتأثير المديد، وفي اللغة "دام ظله" تعني دام بقاءه. وقد تحدثت الآية القرآنية عن الظل بوصفه أحد المتع التي أعدها الله لأهل الجنة في قوله تعالى "وندخلهم ظلا ظليلا".

وتستخدم عبارة "دام ظله" او ما يقاربها في الثقافة العربية تعبيرًا عن التقدير والاحترام لشخصيات محددة، وقرنت في الآونة الاخيرة بشكل اخص بطبقة علماء الدين، بوصفها دعاء بأن يديم الله وجودهم وينفع بعلمهم، ويرجع ذلك إلى الاعتقاد بأن العلماء هم ورثة الأنبياء.

إذا اردنا ان نستعير هذا المفهوم في المجال السياسي، بوصفه استمرار وامتداد وتأثير، فيأتي السؤال: هل بقي للعرب ظلا يفخرون به امام غيرهم من الامم؟

لقد أثار السؤال عن "التأثير السياسي للعرب" جدلاً واسعًا خاصة خلال السنوات الأخيرة، في ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها الشرق الأوسط، والتي أضعفت من قدرة العديد من الدول العربية وقلصت من تأثيرها في صنع القرار.

لقد أدت الصراعات الداخلية والخارجية والفساد إلى تراجع حاد في النفوذ العربي على الساحة الدولية، مما شل قدرته على اتخاذ قرارات مستقلة وحماية مصالحه.

كما يشهد العالم صراعًا جيوسياسيًا حادًا، اذ لم تعد الولايات المتحدة هي القوة المهيمنة الوحيدة، حيث يشكل الصعود المتزامن للصين وروسيا تحولًا بارزًا في النظام الدولي الجديد، وتسعى الدولتان بنشاط إلى المساهمة في إعادة هيكلة النظام العالمي القائم.

 يتجلى هذا النشاط في شراكات اقتصادية متكاملة، تشمل مجالات حيوية مثل الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا المتقدمة، والبنية التحتية. وتهدف هذه الشراكات إلى بناء اقتصاد عالمي متعدد الأقطاب، تعكس حجم الرغبة في بناء نظام عالمي أكثر عدالة.

وتشهد المنطقة تحولات جذرية تؤثر بشكل كبير على ديناميكيات العلاقات الدولية. هذا التحول الجذري يجبر دول المنطقة على إعادة صياغة سياساتها الخارجية لمواجهة التحديات الجديدة وحماية مصالحها، فالبقاء على الحياد قد لا يكون خيارًا.

وعلى الرغم من التحولات العالمية المتسارعة، تعجز دول المنطقة عن الاستفادة من إمكاناتها وثرواتها لتحقيق طموحات شعوبها، وتتجنب اتخاذ مواقف قوية إزاء التحديات الدولية، مثل ما يحدث في غزة الان.

ومن أبرز الملفات الشائكة التي تتطلب حلولاً جريئة، هو إنهاء حالة الخصومة المستمرة بين الأنظمة الحاكمة والحركات النضالية. هذه الخصومة، التي نشأت على خلفية عوامل تاريخية وسياسية متراكمة، أضعفت من قدرة الأمة على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.

ولعل من أجرأ الحلول وأكثرها فعالية، والتي أدعو للتفكير فيها بجدية، هو شراكة الحكومات العربية مع الحركات النضالية بشكل مؤسسي، والاعتراف بدورها كإضافة مهمة الى المشروع العربي الكبير، إن هذه الشراكة تمثل استثماراً استراتيجياً.

ونجاح هذه الشراكة يتطلب تطوير نظريات سياسية جديدة تعكس تطلعات الحكومات العربية والحركات النضالية على حد سواء، بما يرسخ من مكانة العرب التفاوضية على الساحة الدولية، ويعزز السيادة العربية.

 إن الاعتراف بدور وتأثير هذه الحركات النضالية بدلا من التصادم معها، واعتبارها شريكا أساسيا في مشروع البناء ومواجهة الاخطار، يعد خطوة مهمة لإغلاق أحد أكثر الجروح نزفا في الجسد العربي. وهو الطريق الأمثل لاستعادة العرب ظلهم الوارف.