دراسة ميدانية ترصد ارتفاع جرائم قتل النساء في تونس
تونس - أظهرت دراسة ميدانية أعدها الاتحاد الوطني للمرأة التونسية أن أشكال العنف المسلط على النساء شهد خلال الثلاث سنوات الأخيرة "منعطفا خطيرا ببروز جرائم التقتيل العمد حيث ارتفع عدد النساء ضحايا هذا الشكل الجديد من العنف إلى 25 حالة سنة 2023 مقابل 15 حالة سنة 2022".
وتم الاعتماد في هذه الدراسة التي وضعت تحت شعار "سكاتنا قاتل" على شهادات لـ179 امرأة ممن اتصلن بالاتحاد الوطني للمرأة التونسية وابلغن عن تعرضهن للتهديد بالعنف والقتل بين سنة 2023 وإلى غاية شهر أغسطس/آب 2024.
وكشفت نتائج الدراسة أن التهديد بالقتل يسلط في مرتبة أولى على الشريحة العمرية بين 51 و60 سنة بنسبة 36 في المئة، ثم تليها ما بين 41 و50 سنة بنسبة 22 في المئة، وتليها الفئة العمرية بين 31 و40 سنة بنسبة 16 في المئة.
وبينت الدراسة أيضا أن أغلب الضحايا إما في وضعية اقتصادية هشة (تبعية اقتصادية للزوج أو الأب أو الأسرة) أو تتقاضين أجرا زهيدا لا يفي بالحاجيات ولا يسمح بالاستقلالية الذاتية، فضلا عن أن معظم الضحايا يعتقدن أن التضحية من أجل الحفاظ على استقرار أسرهن وأبنائهن واجب مقدس رغم العنف المسلط عليهن، ويعود ذلك إلى التنشئة الاجتماعية والموروث الثقافي السائد.
وأشارت الدراسة التي قدمت نتائجها خلال لقاء احتضنه السبت فضاء "13 أوت" بالعاصمة التونسية، إلى أن النسبة الأكبر من النساء ضحايا العنف ذات مستوى تعليمي محدود، حيث بلغت نسبة النساء ضحايا العنف اللاتي لهن مستوى تعليم ثانوي 28 في المئة ومستوى تعليم ابتدائي نسبة 24 في المئة والأميات نسبة 17 في المئة.
وأبرزت الدراسة وفق ما نشرته وكالة تونس أفريقيا للأنباء، أن استفحال ظاهرة التهديد بالقتل يرتبط ارتباطا وثيقا بضعف المستوى التعليمي الذي يترتب عنه جهل الضحية بالحقوق التي يكفلها لها القانون. أما الضحايا ذات المستوي التعليمي الجامعي والبالغة نسبتهن 19 في المئة فهن أقل عرضة للعنف، حيث تبين أنه كلما ارتفع المستوى التعليمي كلما تيسر على المرأة الولوج إلى الهياكل المختصة أو الإجراءات القانونية الكفيلة بحمايتها.
وتعترض العديد من الصعوبات محاولات معالجة هذه الظاهرة ومن بينها تفعيل بعض القوانين ذات الصلة لعل من أبرزها القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، وصعوبة الحصول على إعانات عدلية لأن أغلب الضحايا من مستوى اقتصادي واجتماعي محدود ولا قدرة لهن على تعيين محامين، ورفض المصالح المعنية إصدار قرارات حماية لفائدة النساء المعرضات للتهديد بالقتل وهذا الرفض يضعف من عملية التعهد بالضحايا.
وتشمل هذه الصعوبات أيضا التراخي في تطبيق إجراءات الحماية، والتي تتضمن أساسا إبعاد القائم بالعنف عن محل الزوجية ومنعه من التعرض للضحية في مقر سكناها أو عملها، حيث يبقى هذا الإجراء غير كاف بالمرة، وما يحصل في الواقع، أنه في غالب الأحيان، يطلب من الزوج أن يوقع على تعهد في مركز الأمن بعدم التعرض لها وعمليا لا توجد أية آلية للتأكد من أنه التزم بذلك وهذا ما حصل في معظم حالات القتل، إذ يعود المعتدي إلى مقر سكن الضحية أو إلى محل الزوجية للانتقام منها وقتلها لأنها رفعت شكوى ضده بالعنف أو طالبت بالطلاق.
وأوصت الدراسة بأهمية مضاعفة جهود توعية وتحسيس الهياكل المعنية بأهمية تفعيل النصوص القانونية وتبسيط الإجراءات الإدارية لتيسير شروط التعهد بحالات العنف المسلط على النساء والتفكير سويا في الوسائل الفعلية الواجب اللجوء إليها للحد من انتشار هذه الظاهرة والعمل على تغيير العقلية الذكورية في المجتمع وضرورة القطع مع النظرة الدونية للمرأة والتي تطبع مع ثقافة العنف وتيسير إدماج المعتدين في محيط يحترم حقوق النساء والفتيات.
كما أوصت الدراسة بإقرار مجموعة من الإجراءات التي تسهل تطبيق القانون عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة خاصة إقرار وجوبية الإعانة العدلية وتفعيل الفصول القانونية الواردة في هذا القانون والمتعلقة بمطلب الحماية والتأكيد على ضرورة البت فيه بشكل أسرع.
وبحسب إحصائيات رسمية، فإن تونس سجّلت نحو 70 جريمة قتل للنساء داخل الفضاء العائلي خلال الخمس سنوات الأخيرة، بينها 25 نفذت خلال العام المنقضي، وسط دعوات منظمات نسوية إلى إنفاذ القوانين ضد الجناة وعدم تكريس سياسة الإفلات من العقاب.