رأي سلفي في العلمانية.. يستحق التأمل

التناقض بعض الشباب المسلم بين ممارسة بعض السلوكيات في السر وتحريمها في العلن يعود إلى التربية التي تلقوها في الصغر وما درسوه على أيدي رجال الدين: لقد علمونا أن الفاسق أفضل من المبتدع بمعنى أن من يمارس الجنس ويشرب الخمر، بل وحتى يقتل الناس أفضل عندهم ممّن ينكر شيئا ممّا يرونه ديناً أو من انحرف عن منهج السلف.

بقلم: محمود سلطان

فى تقرير لها من الرباط "المغرب"، نقلت الـ CNN  عن ناشط سلفي، رأيًا يعتبر جديدًا، بشأن "العلمانية".. التقرير كان بعنوان: "شاب سلفى مغربى يدافع عن العَلمانية ويطالب المسلمين بالانفتاح على الآخرين". وباستثناء "الدفاع عن الآخرين" فإن العنوان، كان لافتًا، فى حين جاءت آراء الشاب السلفى عن العلمانية مدهشة وغير مسبوقة وتستحق التدقيق وإعادة النشر.

الشاب المغربى السلفى اسمه "المرتضى اعمراشا" قال لـ سى إن إن ـ بعد أن وصفته بـ مثال لتصالح فريد بين الحياة السلفية والمبادئ الحداثية ـ قال يوم 27/4/2015 : "كل ما كنت أحتاجه هو يقظة الضمير، والعودة إلى المنبع النبوى العذب الذى كدّره تحريف الغلاة على مر الزمن. كلّ طالب علم تنتابه فى البداية أسئلة محرجة قد يحاول تصريفها بالزعم أنها وسائس الشيطان، بينما ألّف فيها مشايخ الإسلام مجلّدات دون أن يتمكنوا من البث فيها".

ويضيف مرتضى: "لقد اخترت الحلّ الوسط بأن أجيب على هذه التساؤلات بما ينفع المجتمع وبناءه التنظيمى والمجتمعي، دون إضاعة القيم والمبادئ التى تتفق عليها البشرية. ففى كل خطوة أخطوها للتصالح مع ذاتى وتشجيع الحريات الفردية، كنت أجد أن القرآن الكريم يسندنى بآيات بيّنات.

يرى اعمراشا، أن تناقض بعض الشباب المسلم بين ممارسة بعض السلوكيات فى السر وتحريمها فى العلن يعود إلى التربية التى تلقوها فى الصغر، وما درسوه على أيدى رجال الدين: "لقد علمونا أن الفاسق أفضل من المبتدع، بمعنى أن من يمارس الجنس ويشرب الخمر، بل وحتى يقتل الناس، أفضل عندهم ممّن ينكر شيئا ممّا يرونه ديناً، أو من انحرف عن منهج السلف."

ويضيف اعمراشا، أن هذه التربية أنتجت أشخاصًا يقدسون الاستبداد، ويبتعدون عن جوهر الشرع، ولا يفهمون منه إلّا تطبيق الحدود، بينما "من شرّع الحدود كان يريدها لإقامة العدل بين الناس، لأن العدل هو الأساس، ولا نحتاج معه إلى تطبيق ما لم يعد العالم يراها عدلًا بمفاهيمه المعاصرة. كما أن الله حثنا على الرحمة الإنسانية والمساواة والصدق والتقسيم العادل للثروات".

وفى دفاعه عن العلمانية، يقول اعمراشا: "رغم كل المؤاخذات عليها، فهى النموذج المتطوّر عبر الزمن لتحقيق مفهوم العدالة الاجتماعية، ونحن نطلب من المسلمين الغيورين على دينهم أن يعطونا نموذجًا أكثر نضجًا منها، لا أن يعتقدوا أن الأمر حُسم منذ 14 قرنًا تغيرت فيها جلّ الأنساق الاجتماعية."

وأشار اعمراشا، إلى أن الحل هو أن نتصالح مع العالم ومع الآخر المخالف فى الدين، وأن يكون المسلمون صريحين بالإجابة عمّا استفادوا من تخوين الآخر ونبذه، وعمّا إذا كانت مفاهيم الإسلام السمحة تأمر المسلمين حقًا باضطهاد الآخرين.

يقول اعمراشا: "إن آيات القرآن التى تَذكر كراهية الآخرين للمسلمين، فى ذلك الزمن، تعنى بالضرورة عدم مقابلتهم بالمثل. على المسلمين أن يتقبلوا الآخر، وأن يُشيعوا مبدأ حسن الظن الذى يُرينا أن الآخر مهما كان مخالفًا لنا، لا يعنى أنه شرير، بل قد يكون أنبل واشرف وأصدق منا، فالعلاقة بيننا وبين الآخر كما يحددها القرآن هى التعارف وليس التقاتل"..انتهى

أعرف أن رأى اعمراشيا المغربي، قد يكون مستفزًا لأقرانهم من إسلاميي مصر، غير أن رأيه يكاد يتماس مع آراء "مقموعة" تتخذ مما يسمى "مقاصد الشريعة" مدخلاً للمصالحة مع الأفكار والنظريات الأخرى التى تتقاطع مع تلك المقاصد، بما فيها الأفكار العلمانية أو الليبرالية..

ويتخذون من حديث "حلف الفضول" الشهير، سندًا لهذه الرؤية، فهلا اتسع صدر الإسلاميين  للأخذ والرد فى هذه المسألة بلا تشنج أو تشدد أو استباحة لأعراض المخالفين؟!