رؤية جديدة للفكاهة والضحك

شاكر عبدالحميد يرى أن الفكاهة والتفكه من الجوانب المميزة للسلوك الإنساني، أما الضحك فهو التعبير الجسمي أو الفسيولوجي عن هذا الجانب.
الفكاهة رسالة اجتماعية
الضحك خاصية مميزة للإنسان

القاهرة ـ من حازم خالد

يعتبر د. شاكر عبدالحميد أن الفكاهة والتفكه من الجوانب المميزة للسلوك الإنساني، أما الضحك فهو التعبير الجسمي أو الفسيولوجي عن هذا الجانب، ويشير المؤلف إلى ما قاله الكاتب الفرنسي رابليه في هذا الصدد من أن الضحك هو الخاصية المميزة للإنسان، وأن الفكاهة هي رسالة اجتماعية مقصود منها إنتاج الضحك أو الابتسام، فالضحك مثله مثل أي رسالة اجتماعية أخرى، حيث تحقق الفكاهة بعض الأهداف والوظائف وتستخدم بعض الأساليب المميزة لها في تحقيق رسالتها، ويكون لها بنيتها الخاصة ومحتواها المميز، كما أن الفكاهة تستخدم في مواقف معينة لها طبيعة خاصة.
ويشير د. عبدالحميد في كتابه "الفكاهة والضحك .. رؤية جديدة" إلى أن للضحك وللفكاهة تاريخا طويلا في الثقافة الإنسانية، وحيث اهتم بها فلاسفة بارزون أمثال أفلاطون وأرسطو وكانط وشوبنهور وهوبز وبرجسون، واهتم بها أدباء معروفون أمثال الجاحظ وبودلير وجورج إليوت وإمبرتو أيكو. 
كما حاول بعض علماء النفس من المشاهير ومن غير المشاهير إلقاء الضوء على الأبعاد السيكولوجية للفكاهة والضحك، وكذلك فعل بعض نقاد الأدب، فالفكاهة موجودة في مظاهر حياتنا كافة، سواء لدى الأطفال أو لدى الكبار، وحيث يظهر الضحك بشكل واضح في حالات الفرح والترويح، وحتى في حالات المشقة والأزمات النفسية، فإن الضحك يصبح له وظيفة أساسية في التخفيف من حالات الحزن التي يمر بها أي إنسان. 
ويتمثل الرأي الغالب في علم النفس الآن في النظر إلى الفكاهة، ومن ثم إلى الضحك على أنها أحد أهم أساليب المواجهة التي يستعين بها الإنسان في التغلب على بعض آلامه النفسية الخاصة، كما أنها أحد الأساليب التي تستعين بها المجتمعات في مواجهة بعض مشكلاتها السياسية والاقتصادية.
وللتدليل على الاهتمام الواسع الذي اجتاح العالم بما يتعلق بالضحك استشهد المؤلف بتأسيس العديد من أندية الضحك في العالم، حيث أصبحت بعض شركات الطيران توظف بعض المهرجين للترويح عن الركاب وإضحاكهم ومساعدتهم على التغلب على مخاوفهم في أثناء رحلات الطيران الطويلة أو القصيرة.
طريق الضحك
وظهرت في الفترة الأخيرة ظاهرة التسويق بالضحك، لكن أهم ما ظهر في هذا الصدد ما يتعلق بأدوات العلاج النفسي عن طريق الضحك، ومن بين ذلك العلاج الجماعي عن طريق الضحك وهدف ذلك مساعدة الأشخاص الذين يمرون بمحنة شخصية أو يعانون من متاعب نفسية للتغلب على هذه المتاعب عن طريق الضحك، وهي الفكرة التي تلقفتها بعض القنوات الفضائية المتخصصة في الضحك والتي تقوم برامجها على الضحك بشكل كامل، كما ظهرت في نفس الوقت مواقع على الإنترنت متخصصة في الضحك بشكل كامل، بالإضافة للمواقع المتخصصة في الكاريكاتير، وفقرة "ضحكة اليوم" الشهيرة التي لا تكاد تخلو منها صحيفة حول العالم.
ووفقا للكتاب ، فإن أطباء عديدين يؤكدون أن الضحك لا يفيد في مواجه الضغط النفسي فحسب، بل يعمل أيضا على تنشيط الجهاز المناعي للإنسان، والحد من آثار الشيخوخة والتقليل من احتمالات الإصابة بالأزمات القلبية وتحسين الوضع النفسي والجسمي للإنسان بشكل عام، مما يجعله أكثر تفاؤلا وأكثر إقبالا على العمل وعلى الحياة بشكل عام.
وفي ضوء ما سبق يؤكد المؤلف على ضرورة الاهتمام بالجوانب الخاصة بالسلوك الإنساني المرتبطة بالتفاؤل والأمل والشعور بحسن الحال، ومنها الفكاهة والضحك، وعدم الاقتصار على دراسة الجوانب المرضية والسلبية فقط كالأمراض العقلية والجريمة والانحراف، وحيث يؤكد المؤلف على ضرورة الاهتمام بالجوانب الإيجابية من السلوك الإنساني، ليس فقط لأنها جوانب ترويحية تتعلق بتفريغ الطاقة وإخلاء البال من الهموم، ولكن بوصفها طرق لمواجهة الغضب والعدوان واليأس والشعور بالنقص والقلق وكل الانفعالات السلبية التي قد تسيطر على الإنسان وتوقع به في براثن الاكتئاب واليأس والمرض والإهمال واللامبالاة والابتعاد عن الكفاح الإيجابي والبناء في الحياة.
كما يؤكد في نفس الوقت على ضرورة المعرفة العلمية الأكثر عمقا بموضوع الفكاهة والضحك وتجاوز مرحلة الطرائف والنوادر والحكايات المسلية التي ترد في كثير من الكتابات العربية التي تصدت لهذا الموضوع، ومن ثم الدخول على نحو أكثر علمية وعمقا في ساحات هذا العالم الزاخر بالدلالات والرموز والتي قد تتفاوت من فرد إلى آخر، ومن ثقافة إلى أخرى، وحيث يعتبر المؤلف أن هذا لن يكون ممكنا إلا بدراسة النظريات السيكولوجية والأدبية التي تناولت موضوع الضحك، ومحاولة التعرف على الفروق بين الجماعات والثقافات المختلفة في هذا الموضوع الاجتماعي والثقافي والنفسي المهم، فالفكاهة لا يمكن وصفها بأنها ظاهرة محلية عند شعب من الشعوب، بل هي ظاهرة عالمية أيضا، فلا توجد شعوب منفردة تتميز بأنها تحتكر الفكاهة دون غيرها من الشعوب الأخرى، وفي نفس الوقت لا توجد شعوب معروف عنها أنها غارقة في الاكتئاب أو الحزن طوال الوقت.
كما أن تيار العولمة قد جعل من الكوميديا الراقية مشتركا عالميا بين الشعوب، مهما اختلفت اللغات فيما بينها، وفي نفس الوقت فإنه قد ظهر أن للضحك والفكاهة فوائد كبيرة في تربية الأطفال وتعليمهم، كما ظهر للضحك والفكاهة تأثير إيجابي بالغ على الإبداع والتذوق الفني، وحتى على السلوك السياسي للشعوب وللأفراد.
ولاشك أن موضوع الفكاهة والضحك هو موضوع علمي جاد، على خلاف ما قد يظهر لغير المتعمقين في هذا الموضوع، وأن الضحك لا يمكن دراسته علميا إلا بتضافر جهود عدد من المتخصصين في عدد من العلوم منها على سبيل المثال لا الحصر علم وظائف الأعضاء وعلم النفس وعلم الفلسفة وعلم الاجتماع والتاريخ والنقد الأدبي والفنون التشكيلية، بالإضافة إلى الخبراء في مجالات السينما والمسرح والتليفزيون.
ويؤكد الكتاب على أهمية البعد الاجتماعي للفكاهة والضحك، معتبرا أن الضحك لا يزدهر إلا في أوقات الاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي للشعوب، والمؤلف بذلك يرفض الفكرة التي سادت من قبل عن أن الشعوب تلجأ للضحك في وقت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وحيث يؤكد المؤلف أن الشعوب في أوقات الأزمات تصاب بالاكتئاب ولا تندفع للضحك كما يظن البعض.
يذكر أن كتاب "الفكاهة والضحك .. رؤية جديدة" للدكتور شاكر عبدالحميد، صدر في طبعة جديدة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ويقع في نحو 500 صفحة من القطع الكبير .(خدمة وكالة الصحافة العربية)