رئيس حزب يمول الإرهاب.. فى مصر

الجماعة الإسلامية خليط من أعضاء أصليين بها وأعضاء بتنظيم الجهاد خاضوا صراعات للسيطرة عليها بعد ضعف تنظيم الجهاد حتى نجح هذا الفصيل بقيادة عبود والزمر فى الوصول لمرادهما بمساندة إخوانية.

بقلم: هشام النجار

ورد اسم طارق الزمر رئيس حزب البناء والتنمية السابق التابع للجماعة الإسلامية فى تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا بشأن قضية تنظيم «ولاية سيناء» كواحد ممن تولوا توفير الدعم المالى لداعش.كان قد أعيد انتخاب الزمر وهو هارب قبل أن تُمارس ضغوط على الجماعة، فتم التراجع ومن ثم تصعيد شخص مكانه، لكن ظلت الأمور جامدة ولم يستجب الأعضاء وقدم أعضاء بالهيئة العليا للحزب استقالتهم رفضًا لدعوات مستترة للمشاركة فى الاستحقاق الرئاسى الأخير.

تلعب الجماعة بورقة ما عرف بمبادرة وقف العنف وفض التحالف مع الإخوان، متوهمين إمكانية ابتزاز الحكومة المصرية، بغرض التجاوز عن معاقبة القيادات، ولسان حالهم يقول «لن ننخرط فى المشهد السياسى ولن نعترف بشرعية النظام الحالى دون مقابل، والمطلوب الإفراج عن المسجونين وعدم ملاحقة الهاربين والسماح لهم بالعودة».

تحاول جماعة الإخوان فى نفس الاتجاه تحت عنوان المصالحة المخادع؛ فكل ما هنالك أن الجماعة بعدما دفعت بشبابها لساحات الصدام والقتل وبعدما تسببت فى سفك الدماء البريئة من قادة وأفراد الجيش والشرطة وبعدما انهزمت وفقدت كل أوراقها تسعى لإنقاذ قادتها. ينبغى التذكير أولًا بأن الجماعة مارست كل أشكال العنف وشاركت فى اغتيال رئيس الدولة الراحل أنور السادات رحمه الله وحاولت مرارًا اغتيال الرئيس مبارك واغتالت رئيس البرلمان وقتلت سياحًا وأقباطًا وسعت بالقوة لقلب نظام الحكم. إذن لتراجع المنظمات الحقوقية والدول التى تتحدث عن الحقوق والحريات فى مصر سجل قيادات هذه الجماعة، وهى شريحة من مجمل المشهد.

 فلولا أن هناك قانونًا يحترم وقضاءً توقر وتنفذ أحكامه، لكانت السيناريوهات مختلفة بشأنهم، ويتضح هذا المعنى بصورة أكبر بالمقارنة بكيفية التعامل مع من ارتكبوا ممارسات أقل خطورة من هذه فى دول غربية توصف بكونها عريقة فى الديمقراطية والحريات، بل إن الولايات المتحدة عندما تعرضت لخطر إرهابى بداخلها غزت دولتين ولم تنحصر الحرب على أرضها فقط.

الجماعة الإسلامية هى خليط من أعضاء أصليين بها، وأعضاء بتنظيم الجهاد خاضوا على مراحل صراعات للسيطرة عليها بعد ضعف تنظيم الجهاد وشح تمويلاته، حتى نجح أخيرًا هذا الفصيل بقيادة عبود وطارق الزمر فى الوصول لمرادهما بمساندة قيادات بالجماعة لها ميل جهادى وطموح للصدارة. المحصلة النهائية لتلك الصراعات دون الخوض فى كثير من التفاصيل هى سيطرة الجهاديين على الجماعة مع تمتعهم بغطاء ثلاثى الأبعاد على أهدافهم وبرامجهم وقناعاتهم الحقيقية التى ظهرت تدريجيًا مع الممارسة وأسلوب تعاطيهم مع الواقع السياسى وأحداثه المتسارعة محليًا وإقليميًا.

الغطاء الأول، الحزب الذى تأسس ضمن جملة أحزاب أنشأتها فصائل التيار الدينى من سلفيين وجهاديين وإخوان بعد يناير 2011م.

 الغطاء الثانى، تبنى قوى غربية وإقليمية ودعمها تلك التيارات والأحزاب كأداة لمشاريعها التوسعية فى العمق العربى والتى باشرت تنفيذها فعليًا على الأرض فور تدشين تلك الأحزاب.

الغطاء الثالث، ما عرف بمبادرة وقف العنف التى تحمل وجهتى نظر مختلفتين ومتناقضتين فى بعض الرؤي؛ إحداهما لدى من أطلقوها وتم إقصاؤهم من المشهد فلم يعد لهم سلطة اتخاذ قرار داخل الجماعة، والأخرى لدى من آلت إليهم السيطرة على الجماعة ممن استفادوا من المبادرة كحصان طروادة لاختراق الحالة السياسية، وهم فى ذات الوقت ضد الكثير من قناعات المبادرة ومقتضياتها وشروطها والتزاماتها الفكرية والمنهجية.

 لذا ينقسم المشهد لمستويين مختلفين عن التقسيم المعتاد بين حمائم وصقور داخل الجماعة أو بين الهاربين ومن هم داخل البلاد بحسب ما يتوهم الكثيرون، فبمراجعة المواقف يجمع المدقق فيها هؤلاء تحت عنوان الخيارات الصدامية والعدائية ضد الدولة المصرية، دعمًا للإخوان ومموليهم الإقليميين، والفارق فقط أن الهاربين يمتلكون حرية أكبر فى التعبير عن طبيعة مواقفهم وحقيقة المعسكر الذى ينتسبون إليه. تفسر هذه القراءة الكثير من وقائع الأعوام الماضية وما يجرى الآن على الأرض، بداية مما قيل على المنصات قبل وفى أثناء مظاهرات واعتصامات الإخوان وفى الفضائيات، مرورًا بالتحالف مع الإخوان وأحداث عنف الصعيد عقب عزلها، وليس انتهاءً بتمويل داعش، ما دامت تلك الجماعة قد انحازت لخيار مساندة المشروع الإقليمى التركى القطرى وهو ما يعنى مواجهة مباشرة ضد الدولة المصرية ومؤسساتها وضد التوجه العربى فى عمومه.

لم يرد اسم طارق الزمر فى التحقيقات كأحد ممولى داعش فى مصر إذن كاستثناء أو تصرف فردي، إنما هى قناعات وبرامج وأهداف خدعت الكثيرين بعناوين الممارسة السياسية والأحزاب ومبادرة وقف العنف الذى لم يقف، إنما مُورس محميًا بعناوين سياسية وفكرية خادعة، والدليل أربعة قتلى من قيادات الجماعة بسوريا آزروا هناك نشاط القاعدة، ثم طبيعة نشاطات وممارسات وخطاب وتحالفات الجماعة بمصر ومحيطها الجغرافي.