رسالة رئيسة المؤسسات تهز الرئاسة في الجزائر

لجوء رئيسة الكنفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية لنشر الرسالة على حساباتها الاجتماعية أربك السلطات وتسبب بحالة تشنج رسمي لانتشار ملف اقتصادي حساس.
وكالة الأنباء الجزائرية تستعمل ألفاظا أقرب للشتائم منها إلى النقد
ترحيب واسع من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي بجرأة نغزة

الجزائر - هاجمت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية في تقرير يمثل ردا بالنيابة عن رئاسة الجمهورية، بشدة سعيدة نغزة رئيسة الكنفدرالية العامة للمؤسسات لنشرها رسالة وجهتها للرئيس عبدالمجيد تبون انتقدت فيها الأوضاع الاقتصادية وعرت فيها ملفات مسكوت عنها تشمل الفساد والبيروقراطية في مؤسسات الدولة وملف التوريد وغيرها من الملفات التي تحاول سلطة القرار التكتم عليها رغم حملة معلنة على الفساد هي أقرب للدعاية السياسية منها للفعل.

ويشير تقرير الوكالة الجزائرية إلى حالة تشنج سياسي في الرد على نغزة رغم أنها خاطبت رئيس الدولة الذي يسوق لفكرة مكافحة الفساد في خضم محاكمات مستمرة لرموز النظام السابق الذي كان هو جزء منه.

ويبدو أن نغزة تخطت الخطوط الحمراء منذ فترة بمواقف معلنة على حساباتها بمنصات التواصل الاجتماعي أو من خلال تصريحات مباشرة في وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية، وهو ما يشير أيضا إلى أنها باتت مصدر إزعاج للنظام الذي يبحث تعزيز نواته الصلبة وتثبيت أقدامه في السلطة بينما يستعد حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم (الأفلان) لعقد أول مؤتمر عام له منذ العام 2015، وسط حسابات سياسية تروم الخروج من دائرة السلطة.

نغزة التي لم تبح بكل أسرار الفساد، لم تقدم سوى جزء يسير من حقائق ترغب السلطة في بقاءها طي السرية والكتمان وهو ما يفسر إلى حد كبير حالة التشنج السياسي والانزعاج الرسمي من مواقفها وهو أيضا ما يشير إلى أن دوائر الرئاسة التي يهيمن عليها الجيش، التفتت إلى تصفية الحسابات مع كل من يقترب من خطوط أُريد لها أن تكون حمراء لحماية النواة الصلبة للنظام الذي يُعتقد أنه واجهة سياسية لحكم العسكر.   

ودعت نغزة في رسالتها التي نشرتها على صفحتها على فيسبوك إلى فتح تحقيق في القيود والتراخيص المفروضة على الاستيراد، وبيروقراطية الإدارة الجزائرية.
وأوضحت إن مناخ الأعمال يتسم بحالة من انعدام الثقة وارتفاع الأسعار، لافتة أنها تتلقى شكاوى متكررة من رجال أعمال يشكون الاضطهاد والضغوطات من ممثلي الدولة.

ولقيت هذه الرسالة ترحيبا واسعا من قبل المواطنين والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها أثارت غضبا واسعا لدى السلطات التي ردت عبر وكالة الأنباء الجزائرية موجهة إلى نغزة سيلا من الاتهامات والأوصاف التي تعبر عن مدى انزعاج السلطة من كشف ما تريد إخفاءه من قضايا فساد وتغول شخصيات محسوبة على النظام الحاكم وسيطرتهم على الاقتصاد وإداراته وفق مصالحهم.
واعتبر مراقبون أن وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية تمثل رد السلطة على أعلى مستوى أي رئاسة الجمهورية، لأن رئيسة الكنفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية مست كبد الحقيقة الاقتصادية، ونشرتها على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأضافوا أن السلطات الجزائرية أحكمت هيمنتها على وسائل الإعلام الرسمية والخاصة وقيدتها بجملة من القيود القانونية واستخدام سلاح الإعلان للترغيب والترهيب وما كانت الرسالة "المزعجة" لتصل إلى عموم الجزائريين عبر هذه الوسائل، لكن لجوء نغزة لنشر الرسالة على حساباتها عبر المنصات الاجتماعية أربك السلطات وتسبب بحالة تشنج رسمي لانتشار ملف حساس بالنسبة لها ولرجال الأعمال المقربين منها.

وظهر الارتباك جليا في اللغة التي استخدمتها وكالة الأنباء ومن ورائها رئاسة الجمهورية، ابتداء من العنوان " رسالة سعيدة نغزة: عندما يجتاح الفلكلور ميدان الاقتصاد" الذي يشير إلى رد انتقامي يفتقد إلى أدنى معايير المهنية، ومحاولة تصفية حسابات شخصية عبر منبر رسمي يفترض أنه يمثل الدولة والشعب، وجاء فيه "خطت السيدة سعيدة نغزة نصا بائدا ومتنكرا لكل الإصلاحات التي بادرت بها البلاد منذ سنة 2020 من أجل تصويب مالية الدولة، تجنبا للوقوع بين أيدي صندوق النقد الدولي، والتي ساهمت في تعزيز الإنتاج الوطني لبلوغ قيمة 13 مليار دولار من الصادرات خارج المحروقات في آفاق 2024/2023".
وأضافت الوكالة في هجومها اللاذع "في مساهمة لها بأسلوب منمق، ومن باب المفارقة جعلت السيدة سعيدة نغزة من نفسها ناطقا رسميا باسم مصالح تزعم أنها هي من تحارب مصالح النظام القديم، أو بالأحرى مصالح "العصابة" التي تفننت في سرقة أموال الشعب، والمطالبة بالحق في الحصول على أملاك في الخارج بواسطة تحويلات غير قانونية نابعة من نفس الأموال المحصلة من تضخيم الفواتير".
وذهبت الوكالة  بعيدا في اتهاماتها لرئيسة الكنفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية، قائلة أنها تحن للنظام القديم، "تنبض هذه الرسالة التي تحن للنظام القديم بنوايا مؤلفيها الحقيقيين، من خلال سعيهم للإبقاء على الركود، كما أنها توضح في ذات الوقت عدم دراية مؤلفيها التام بالتحولات العميقة التي تشهدها الجزائر".

وانتقد متابعون الطريقة اللامهنية في مقال وكالة الأنباء الجزائرية واستعمالها ألفاظا وتعبيرات أقرب للشتائم منها إلى الانتقاد الموضوعي الذي من المفترض أن تتسم به وكالة رسمية رصينة ناطقة باسم الحكومة، حيث قالت "المتمم لكل ما ذكر من هاته الرسالة الغريبة هو الاقتراح الذي تقدمت به السيدة نغزة, بندائها وبدون حياء إلى إعادة تفعيل الثلاثية. هاته الثلاثية الشهيرة التي دامت عقدين من الزمن والتي كانت مسرحا لتمزيق الاقتصاد الوطني والمؤسسات العمومية".
وتابعت "السيدة نغزة لا تقترح في هذيانها اللامتناهي للدولة إلا اللعب مجددا "بالمونوبولي" بمال الشعب لصالح أوليغارشيين آخرين".

من جهتها، ردّت سعيدة نغزة، على مقال وكالة الأنباء الجزائرية ووصفت ما ورد فيه بـ"القراءة الضيقة والساذجة والسطحية".

واعتبرت نغزة في تدوينة نشرتها على موقع فيسبوك أن ما جاء في مقال وكالة الأنباء الجزائرية، انتهج "أسلوب الكذب، والشعبوية وتزوير الحقائق والأحداث التاريخية".

وفي سياق ردها على كاتب المقال، تساءلت "عندما كنت الوحيدة في مواجهة منظومة الفساد وعصابة الحكم خارج الأطر القانونية ويشهد الله والشعب والتاريخ والأرشيف، أين كان كاتب المقال ومن أمره وحرضه وأين كان سيده؟".

ونوهت في انتقادها للمقال "رسالتي هذه المرة أوجهها لكاتب المقال وناشره عبر وكالة الأنباء الجزائرية التي هي ملك للشعب والدولة وليس ملك لكمشة من المتنفذين الذين يستعملون ويستغلون هذه المؤسسة العريقة في تصفية حساباتهم الضيقة واتهام خصومهم الوطنيين الشرفاء".

وأضافت "كم كنت أتمنى لو تم مناقشة رسالتي المباشرة إلى رئيس الجمهورية مناقشة شفافة صريحة واضحة وموضوعية، و ليس الهروب نحو المجهول من خلال ردٍ تافه لا يليق بمقام مؤسسة عريقة تمثل الدولة الجزائرية" .

السلطات أحكمت هيمنتها على وسائل الإعلام الرسمية والخاصة وما كانت الرسالة "المزعجة" لتصل إلى عموم الجزائريين عبر هذه الوسائل.

 

وقال متابعون أن نغزة كشفت الحقائق وأظهرت ملفات فساد وتقصير حكومي لا يمكن السكوت عنه إذ تسبب بمعاناة المواطنين والمستثمرين في البلاد على حد سواء.

وأكدت نغزة، أن كثيرين عبّروا عن على ندمهم لقضاء حياتهم في بناء المصانع، والاستثمار في مشاريع جديرة بالاهتمام توظف مئات العمال، "لينتهي بهم الأمر تحت رحمة أصغر بيروقراطي، في الوقت الذي يواصل فيه العاملون في القطاع غير الرسمي أنشطتهم خارج كل هذه الضغوط في رأسمال قدرتموه بــ 19 مليار دولار".

وكشفت أن ارتفاع الأسعار وندرة المنتجات بسبب قيود ALGEX، وغيرها من التراخيص المطلوبة مثل التراخيص التقنية الصادرة عن وزارة الزراعة والشهادات التنظيمية الصادرة عن وزارة الصناعة والصناعة الدوائية، و"التي لا نعرف كيف تسير وماهي المعايير التي يتم إصدارها".

ودعت إلى إيفاد لجنة تحقيق لتحديد كيفية إصدار التراخيص وحصص الاستيراد التي تسلم للبعض ولا تسلم لآخرين، موضّحة أنها راسلت وزارة التجارة ولم تسجّل معالجة حقيقية وواضحة لمشكلة الواردات والكوطة.

واعتبرت أنه كان للقيود المفروضة على الاستيراد تأثيرٌ سلبيٌّ على عمل المصانع والشركات المختلفة، بسبب ندرة المواد الأولية وقطع الغيار، وبالتالي كان هناك تأثير سلبي على القدرات الإنتاجية.

واختتمت باقتراح حلول "أعتقد أننا بحاجة إلى الخروج من مقترحات المستشارين البيروقراطية الذين يريدون إدارة الاقتصاد الوطني من مكاتبهم وبقرارات من الأعلى، دون مراعاة المشاكل الحقيقية التي يفرضها الواقع على الأرض".