رهان قطري فاشل على جماعات الضغط لاستمالة واشنطن

تقرير يسلط الضوء على تفاصيل الإستراتيجية القطرية للخروج من الأزمة وهي إستراتيجية كلفتها عشرات ملايين الدولارات وتركزت على الوصول للمقربين من ترامب وعلى الضغط لاستمالة أعضاء الكونغرس لدعمها في فك عزلتها.

قطر أنفقت 24 مليون دولار للاستفادة من جماعات الضغط الأميركية
عقود قطرية سخية وشراء للذمم لكسر العزلة وتشويه صورة دول المقاطعة
الدوحة سعت للتواصل مع حلفاء ومسؤولين لاختراق الكونغرس الأميركي
أمير قطر اجتمع في الدوحة مع رئيس المنظمة الصهيونية في أميركا
القيادة القطرية استعانت ببعض المقربين من ترامب لفك عزلتها

واشنطن/نيويورك - في جو من الألفة الشديدة تجمع بضع عشرات من بينهم أعضاء في الكونغرس ومسؤولون في الإدارة الأميركية الأسبوع الماضي على عشاء في أحد الأحياء الراقية في واشنطن على شرف وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني.

وجلس وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين بجوار الوزير القطري وخاطبه بالقول "لقد كنت صديقا عظيما للولايات المتحدة".

كان هذا المشهد يختلف كل الاختلاف عما كان عليه الحال قبل عام، فقد قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر في يونيو/حزيران 2017 لتورطها في إذكاء نيران الاضطرابات الإقليمية ودعم الإرهاب والتقارب مع إيران.

وفي ذلك الوقت مر عشاء مع مسؤولين قطريين في مطعم بواشنطن لكسب تأييد أعضاء في الكونغرس في هدوء دون أن يشارك فيه أي فرد من أصحاب النفوذ في إدارة ترامب على حد قول واحد من المشاركين فيه.

وفي أعقاب المقاطعة نشر الرئيس دونالد ترامب تغريدات تشير إلى أن قطر تمول الإرهاب وذلك رغم أن مسؤولين أميركيين آخرين شددوا على كونها حليفا للولايات المتحدة.

وقال جوي ألاهام المستشار السابق لقطر الذي تقاضى 1.45 مليون دولار، بما فيها المصروفات نظير عمله في دعم الدوحة وتشويه صورة دول المقاطعة "عندما حدث الحصار لم تكن قطر موجودة في الكونغرس".

وتطلق قطر وحلفاءها على المقاطعة العربية والخليجية تسمية الحصار، في محاولة لاستقطاب الرأي العام العالمي لصفها واستعطاف القوى الغربية الكبرى.

ومر عام ولا تزال المقاطعة قائمة إذ فشل الطرفان في تسوية نزاعهما. غير أن مقابلات مع مستشارين من الجانبين كشفت أن قطر تمكنت من إقناع بعض أعضاء الكونغرس والأميركيين من أصحاب النفوذ أنها حليف للولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب وضحية لـ"مقاطعة ظالمة".

وتتستر الدوحة بالمظلومية في مواجهة أسوأ أزمة دبلوماسية واقتصادية مروجة لمغالطات تقفز على مسببات الأزمة التي أعلنتها دول المقاطعة صراحة وهي تورط قطر في دعم وتمويل الإرهاب والتآمر على الأمن القومي (الخليجي والعربي) من خلال التقارب مع إيران المتورطة في أنشطة إرهابية تستهدف زعزعة الاستقرار في المنطقة.

وقال عدد من أعضاء جماعات الضغط القطرية إن هذه الإستراتيجية التي كلفت قطر العضو الصغير في منظمة أوبك عشرات ملايين الدولارات تركزت على الوصول للمقربين من ترامب وعلى الضغط لاستمالة أعضاء الكونغرس.

كما أوضح مستشارون وبيانات نشرت على الملأ أن قطر استعانت ببعض الشخصيات المقربة من ترامب وتعهدت بضخ مليارات الدولارات في استثمارات أميركية وتكفلت بمصروفات زيارات للدوحة.

وهذه الإستراتيجية هي جزء من خطة أوسع تقوم على شراء الذمم والولاءات، حيث لجأت القيادة القطرية لتوقيع عقود تسليح سخية مع دول أوروبية تفوق حاجة قواتها المسلحة وعقدت شراكات مع عدد من الحلفاء لربط مصالحهم بمصلحها بما يجعل المقاطعة ترتد سلبا ليس على قطر لوحدها بل على شركائها.

وراهنت أن يدفع ذلك الشركاء الغربيين على كسر عزلة الدوحة بالضغط على دول المقاطعة المتمسكين بقائمة من المطالب تشمل وقف دعم وتمويل قطر للإرهاب وخفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران إلى أدنى مستوى والتوقف عن توفير منصات إعلامية لخطابات الكراهية والتطرف وأيضا إغلاق القاعدة العسكرية التركية.

وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني
منوتشين لوزير الخارجية القطري:لقد كنت صديقا عظيما للولايات المتحدة

توترات تحت السطح

وجاءت مقاطعة قطر في أعقاب توترات طويلة في منطقة الخليج إذ غضبت دول مثل السعودية والإمارات من لعب الدوحة دورا مزعزعا للاستقرار من خلال دعم جماعات متطرفة ومصنفة إرهابية مثل جماعة الإخوان المسلمين.

واستنفدت السعودية والإمارات ودول خليجية أخرى كل خيارات في كبح دور قطر التخريبي بعد أن نقضت الأخيرة كل تعهداتها في اتفاق الرياض 2013 والاتفاق التكميلي في 2014 ومن ضمن تلك التعهدات عدم إيواء أو دعم أي جهة أو شخصية تتآمر على أمن المنطقة وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى وعدم توفير حاضنة لجماعة الإخوان المسلمين.

ولم يأت قرار المقاطعة لتقويض سيادة قطر كما تزعم الدوحة، بل كان، كما تؤكد السعودية والإمارات والبحرين وأيضا مصر، قرارا سياديا لحماية الأمن القومي العربي بعد أن ثبت بالدليل القاطع تآمر قطر على أمن المنطقة.

كما أن قرار المقاطعة لم يأت فجأة بل جاء بعد أن استنفدت دول مجلس التعاون الخليجي (وقطر عضو فيه) كل الجهود لإثنائها عن دعم وتمويل الإرهاب.

ويعتقد أن قطر أرادت بتلك الممارسات التي أضرت بالأمن القومي العربي والخليجي، أن تلعب دورا أكبر من حجمها في الشؤون الإقليمية ومن دعمها لفئات بعينها في انتفاضات وحروب أهلية وكذلك انخراطها في الوساطة في اتفاقات سلام في منطقة الشرق الأوسط.

ووجدت الولايات المتحدة التي تربطها علاقات تحالف وثيقة بدول الجانبين نفسها بين شقي الرحى وحاولت الوساطة دون طائل.

وقال مسؤول في الإدارة الأميركية إن بلاده تخشى أن يسمح هذا الخلاف لإيران بتعزيز وضعها في منطقة الخليج إذا ما أيدت طهران القطريين. وبالفعل سارعت إيران لدعم قطر في مواجهة عزلتها الإقليمية وزادت القيادة القطرية من تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع الجانب الإيراني.

وقالت متحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية إن ترامب يريد "تهدئة الخلاف وتسويته في نهاية المطاف لأنه لا يفيد إلا إيران".

وفي واقع الأمر تحسنت العلاقات بين إيران وقطر منذ المقاطعة، ففتحت طهران مجالها الجوي أمام الخطوط الجوية القطرية عندما أغلقت السعودية والدول الأخرى مجالها أمام الطائرات القطرية وأعادت قطر العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع طهران.

وقال مسؤول إيراني كان يشغل في السابق منصب سفير بلاده لدى الإمارات إن هذه المقاطعة تنتهك "حق دولة مستقلة مثل قطر في اختيار حلفائها".

وقال يوسف العتيبة سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة "بدلا من الأمل في أن تفرض واشنطن حلا للأزمة يجب على قطر أن تقيم حوارا مباشرة مع الإمارات وجيرانها".

معركة جماعات الضغط

وتتمتع قطر بثروة هائلة بفضل احتياطياتها من الغاز الطبيعي وقد أنفقت ما لا يقل عن 24 مليون دولار على الاستفادة من جماعات الضغط في واشنطن منذ بداية العام 2017.

وتبين وثائق مقدمة لوزارة العدل أن ما أنفقته قطر على جماعات الضغط بلغ 8.5 ملايين دولار في عامي 2015 و2016.

وقد استعانت الدوحة ببعض المقربين من ترامب، فقد قال رئيس بلدية نيويورك السابق رودي جولياني إنه عمل لحساب القطريين في تحقيق وزار الدوحة قبل أسابيع من اختياره محاميا شخصيا لترامب في أبريل/نيسان.

وامتنع جولياني عن الخوض في التفاصيل وقال إنه لم يتحدث مع ترامب في أمر عمله لحساب قطر.

قطر أنفقت على جماعات الضغط 8.5 ملايين دولار في عامي 2015 و2017 و24 مليون دولار في 2017

وفي مايو/أيار من العام الماضي مول إليوت برويدي الجمهوري المتخصص في جمع التبرعات والمقرب من ترامب مؤتمرا عن قطر وجماعة الإخوان المسلمين التي اتهمتها مصر وغيرها من خصوم قطر بالإرهاب حسب ما قاله مارك دوبويتز رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي مؤسسة بحثية تولت تنظيم المؤتمر.

وفي ذلك المؤتمر كشف إد رويس رئيس لجنة الشؤون الخارجية صاحبة النفوذ الكبير عن مشروع قانون لاعتبار قطر من الدول الراعية للإرهاب.

وقدم رويس مشروع القانون إلى الكونغرس بعد المؤتمر بيومين.

وقال اثنان من العاملين بجماعات الضغط إن قطر "حشدت كل طاقاتها في الكونغرس" لمعارضة مشروع القانون ومنها أنها وجهت في هذا الإطار نداء إلى مكتب بول رايان رئيس مجلس النواب. وتعطل مشروع القانون في الكونغرس.

وأحال مكتب رايان الأسئلة عن مشروع القانون إلى كيفن مكارثي زعيم الأغلبية في مجلس النواب.

وقال برويدي الذي رفع دعوى على قطر يتهمها فيها باختراق رسائل بريده الإلكتروني "من المفهوم أن القطريين استدعوا كل العاملين لحسابهم في جماعات الضغط وأنصارهم لمحاولة تعطيل مشروع القانون لكن الفصل الأخير في هذه المسائل لم يكتب بعد".

وتنفي قطر اتهاماته لها باختراق بريده الإلكتروني.

تحالفات غير متوقعة

وسعت قطر للتواصل مع حلفاء مستبعدين، ففي يناير/كانون الثاني رتبت جماعات الضغط القطرية سفر مورتون كلاين رئيس المنظمة الصهيونية في أميركا في الدرجة الأولى على الخطوط الجوية القطرية وحجزت له الإقامة في منتجع فندق شيراتون غراند الدوحة لحضور لقاءات مع قادة البلاد.

ومن تلك اللقاءات اجتماع منفرد استمر ساعتين مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

وقال كلاين إن المسؤولين القطريين وعدوه بمنع عرض فيلم وثائقي لقناة الجزيرة ينتقد أنصار إسرائيل في الولايات المتحدة وباستبعاد الكتب المناهضة للسامية في معرض للكتاب بالدوحة والعمل من أجل إطلاق سراح إسرائيليين مخطوفين.

ولا يزال كلاين ينتقد قطر لكنه قال في مقابلة الأسبوع الماضي إنه تشجع ببعض الخطوات التي اتخذت لمعالجة مخاوفه.

وأضاف أن قناة الجزيرة لم تبث الفيلم الوثائقي وإنه يواصل العمل مع المسؤولين في المسائل الأخرى.

مورتن كلاين زعيم المنظمة الصهيونية في أميركا
أمير قطر اجتمع في الدوحة مع مورتن كلاين زعيم المنظمة الصهيونية في أميركا

وفي الخريف الماضي التقى ترامب بالشيخ تميم على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقال أحد أعضاء جماعات الضغط العاملين لحساب قطر إن رسالة الدوحة للولايات المتحدة تمثلت في أنها ستنفق المزيد من المال على القاعدة الأميركية في البلاد وتشتري المزيد من الطائرات من شركة بوينغ.

وفي غضون أسبوع من هذا اللقاء أعلنت شركة الخطوط الجوية القطرية أنها ستشتري ست طائرات من بوينغ قيمتها 2.16 مليار دولار.

كما التقى الشيخ تميم بترامب في البيت الأبيض في أبريل/نيسان.

وقال جاسم آل ثاني المتحدث باسم السفارة القطرية في واشنطن "إحلال الحقيقة محل أكاذيب دول الحصار استغرق وقتا وتطلب موارد بما في ذلك دعوة وفود لزيارة قطر والتحقيق في الحصار بنفسها".

لكن تصريحات الدبلوماسي القطري بما حملته من افتراءات اصطدمت بقناعة دولية بتورط الدوحة في دعم وتمويل الإرهاب رغم حملة من المغالطات والافتراءات سوقت لها جماعات الضغط القطرية في الخارج.

وإلى حد الآن فشلت كل رهانات قطر في فك عزلتها بما فيها الرهان على جماعات الضغط في واشنطن.

كما فشلت الدوحة في تسويق المغالطات المتعلقة بأسباب الأزمة. وفشل القطريون مرارا وشركات العلاقات العامة التي وظفوها مقابل مئات ملايين الدولارات في تشويه صورة وسمعة دول المقاطعة.