رواية رسمية مربكة للحظات الأخيرة لحياة رئيسي

الحكومة الإيرانية تجنبت في البداية الإعلان عن أية تفاصيل حول سيناريوهات الحادث تجنباً لفوضى لكن استمرار التضارب بالروايات أثبت وجود ارتباك وسعي كل طرف للعمل لمصالحه.

طهران – تستمر السلطات الإيرانية في سرد روايات متناقضة بشأن تحطم مروحية الرئيس إبراهيم رئيسي التي أودت بحياته مع مرافقيه، فبعد أن تحدث العديد من المسؤولين عن أن الطقس السيء هو السبب الرئيسي في سقوطها، قال رئيس مكتب الرئاسة الإيرانية غلام حسين إسماعيلي إن "الطقس" و"الظروف" كانت طبيعية للغاية خلال سير المروحيات الثلاث وبينها التي كانت تقل الرئيس الراحل.

وأضاف إسماعيلي في تصريحات للتلفزيون الرسمي الإيراني الثلاثاء، أنه كان في إحدى المروحيات الثلاث التي تقل المسؤولين الإيرانيين، وأن الرئيس والوفد المرافق له كانوا في مروحية أخرى. وأشار إلى إن الطقس كان صافيا عند انطلاق الرحلة، وتوجهوا مباشرة نحو مدينة تبريز من مكان السد الذي افتتحوه.

وتأخرت تصريحات إسماعيلي حول تفاصيل الحادثة رغم أنها ماتزال مرتبكة في محاولة لسرد رواية تبدو منطقية داخليا وخارجيا، بعد أن استمر انتشار المعلومات المتضاربة من المسؤولين ووسائل الإعلام الإيرانية حول حادثة الهبوط الصعب "لمروحية الرئيس".

 وأكد محللون متابعون للشأن الإيراني أن الحكومة الإيرانية تجنبت في البداية الإعلان عن أية تفاصيل حول سيناريوهات الحادث تجنباً لفوضى داخلية. وأضافوا أن المسؤولين في إيران بإمكانهم الوصول لتفاصيل مباشرة لكنهم انتظروا ترتيب المشهد داخلياً. لكن وجود تضارب بالروايات من قبل المسؤولين في إيران، أثبت وجود فوضى وسعي كل طرف للعمل لمصالحه.

رئيس مكتب الرئاسة الإيرانية يقول أنه أجرى اتصالا هاتفيا مع إمام جمعة مدينة تبريز فور سقوط الطائرة دون شرح كيف وصل هاتف الطيار إلى آل هاشم بعد تناثر محتويات الطائرة على مساحة واسعة.

وذكر إسماعيلي أنه بعد 45 دقيقة من التحرك في الوادي المجاور لمنطقة منجم سونغون للنحاس، شوهدت كتلة سحابية تنتشر كالطاولة في السماء، لم يكن هناك طقس ضبابي وإنما كانت هناك رقعة سحابية على هذا الوادي، وفي البداية كانت هذه الرقعة تحت مستوى سرب المروحیات.

وتابع قائلا "وعندما تم الدخول في هذه الكتلة السحابية، أعطى القائد الميداني لسرب المروحيات -وهو قائد المروحية التي كانت تقل رئيس الجمهورية- الأوامر بزيادة الارتفاع إلى ما فوق مستوى السحب، وبعد 30 ثانية من مواصلة المسار فوق السحب خرجت المروحيتان الأولى والثالثة من الكتلة السحابية، في حين لم تظهر المروحية الثانية التي كانت تتوسط السرب" والتي كانت تقل رئيسي ومرافقيه.

وأكد أن الظروف كانت طبيعية وعادية تماما ولم يكن هناك أي موقف صعب، ولم تواجه المروحية أي مطبات هوائية، و"حين لاحظ طيار المروحية التي تقلنا أن مروحية رئيس الجمهورية لم تخرج بعد من رقعة السحاب هذه، استدار على الفور وبدأ بحالة الدوران للنظر في داخل السحب.

وقال إنه في تلك الأثناء سأل الطيار عن سبب استدارته، ليجيبه الطيار أن المروحية الثانية لم تصعد إلى ما فوق السحب، وأنهم فقدوا الاتصال بها، حيث كان آخر اتصال لاسلكي لها قبل دقيقة و30 ثانية.

ويشير إلى أن مروحيتهم استدارت نحو 3 مرات وقامت ببضع جولات فوق المنطقة التي عادت إليها للبحث عن مروحية الرئيس، ولكنهم لم يتمكنوا من الرؤية في الجزء المذكور بسبب الغيوم، ولم يكن أيضا بالإمكان العودة إلى مستوى ما تحت السحب، وبناء عليه واصلنا المسير لنحو دقيقة إلى دقيقتين، ثم هبطنا في منجم سونغون للنحاس وبدأنا من هناك في متابعة الأمر.

ولفت إسماعيلي إلى أنه منذ لحظة الإعلان عن انقطاع الاتصال اللاسلكي بطائرة الرئيس، بدأت محاولات للاتصال بالحرس الشخصي للرئيس، ووزير الخارجية حسین أمير عبد اللهيان، وإمام جمعة تبريز ومحافظ تبریز، دون تلقي أي رد منهم.

وتابع إسماعيلي، أنهم تمكنوا من إجراء اتصال على الهاتف المحمول لطيار مروحية رئيسي، وبدلا من الطيار أجاب إمام جمعة مدينة تبريز علي آل هاشم قائلا "إنني لست بخير، سقطنا في الوادي". وأوضح أنه تحدث إلى آل هاشم وسأله أين هم؟ ليرد الأخير بالقول "لا أعرف.. أنا بین الأشجار"، ثم سأله عن حال الباقين وهل يرى أحدا منهم؟ فقال آل هاشم "لا أرى أحدا، أنا وحدي ولا أعلم ما حدث ولا يوجد أحد حولي".

وأردف إسماعيلي دون شرح كيف وصل هاتف الطيار إلى آل هاشم بعد سقوطهم وتناثر محتويات الطائرة على مساحة واسعة، عند ذلك "اتضح لنا على الفور أن مروحية السيد رئيسي تعرضت لحادث، وحددنا مهمتنا بشأن الوصول بسرعة إلى موقع الحادث، وبدء عمليات الإنقاذ والإغاثة".

وقال إنهم وعلى الفور أخذوا طاقما طبيا وذهبوا إلى المنطقة التي اعتقدوا أن الحادث وقع فيها، حيث كان يوجد في منجم النحاس سيارات مناسبة ومسعفون وسيارات إسعاف.

وبشأن استمرار التواصل مع آل هاشم خلال فترة البحث، قال إسماعيلي إنه تحدث معه نحو 4 مرات، وإن زملاء آخرين اتصلوا به أيضا وبشكل متكرر خلال الساعات الثلاث أو الأربع اللاحقة على الحادث، وخلال ذلك كان آل هاشم يرد على المكالمات، لكن إجاباته أظهرت أنه ليس على ما يرام، وأنه كان على قيد الحياة فقط.

اجزاء من حطام مروحية رئيسي
اجزاء من حطام مروحية رئيسي

ولفت إلى أن الشخص الوحيد الذي بقي على قيد الحياة لفترة محدودة بعد الحادث هو علي آل هاشم، بينما مات الآخرون مباشرة فور وقوع الحادث.

وعن التساؤلات التي أثيرت حول السماح للمروحيات التابعة لفريق رئيس الجمهورية بالتحليق رغم الظروف الجوية، أوضح إسماعيلي أنه ليس خبيرا في الأرصاد الجوية وظروف الطيران العامة ومعايير الطقس للطيران، لكنه قام بالعديد من الرحلات عبر المروحيات، ويرى أن ظروف الطيران كانت عادية، باستثناء جزء بسيط منها واجهوا فيه كتلة سحابية.

وتطرق إلى عمليات البحث والإنقاذ، قائلا أن كافة فرق الإنقاذ والأهالي قد عملوا حتى منتصف الليل بكل المعدات المتوفرة لديهم للعثور على مكان الحادث، مشيرا إلى أن عملية البحث قد استغرقت وقتا بسبب الظروف الجوية السيئة التي أعاقت وابطأت من هذه العملية.

واتفقت الآراء على أن صورة إيران قد تلقت ضربة قوية بسبب عدم قدرتها على حماية الرئيس من عارض جوي داخل حدود الدولة الواحدة. كما أن طلب إيران المساعدة الأوروبية من جهة والتركية من جهة أخرى يترك أمر وفاة الرئيس أمام سيناريوهات مختلفة.

وقبال خبراء في الطيران أن الضباب والغيوم والتضاريس لا تؤثر على مسار مروحية رئيسي لأنها مجهزة للهبوط حتى حال تعطل المحركات. وشككوا بوجود سيناريو مختلف تماماً عن موضوع الطقس والأحوال الجوية، إذ أن المروحية المنكوبة صنعت عام 1992 وهي أميركية تحمل في هيكلها محركين أساسيين بصناعة كندية، بحيث إذا تعطل واحد تعمل بالآخر، وفي حال تعطل الاثنين تعمل الطائرة بطريقة الدوران الذاتي وتستطيع عبره الهبوط بسلام.

وأشاروا إلى أن الضباب والغيوم والتضاريس لا تؤثر على الطائرة أبداً، مشيراً إلى أن الطيار عادة يتأكد قبل الإقلاع من حالة الجو. لكن إذا فقدت الطيارة شفرتيها فإنها بالتأكيد ستهوي بسرعة كبيرة جداً وبقوة ارتطام مأساوية بحيث لا يخرج منها أية ناجين، فإذا ما أكدت التحقيقات هذه الفرضية يكون السيناريو وارداً.

وكانت المروحية التي تقل إلى جانب الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي، الذي تولى سابقا قيادة السلطة القضائية في البلاد ووزير الخارجية عبداللهيان، محافظ أذربيجان الشرقية، مالك رحمتي، وإمام جمعة تبريز، محمد علي الهاشم، و7 مرافقين آخرين، تحطمت وسط غابات أرسباران في محيط قرية "أوزي"، بمحافظة أذربيجان الشرقية شمال غربي إيران، وسط ضباب كثيف صعّب إمكانية وصول فرق الإنقاذ إليها.

وأظهر بث حي أذاعته وسائل إعلام إيرانية مراسم دفن الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي في مدينة مشهد اليوم الخميس في ظل احتشاد الآلاف من المشيعين في الشوارع لحضور الجنازة، وذلك بعد أربعة أيام من مقتله في حادث تحطم طائرة هليكوبتر.

ونُثرت الأزهار على نعشه خلال مروره ببطء على متن شاحنة بين حشود من المشيعين ليُدفن في ضريح الإمام الرضا ذي القبة الذهبية، وهو مرقد الإمام علي الرضا المتوفى في القرن التاسع. وتنحدر أصول رئيسي من مشهد التي تبعد 900 كيلومتر إلى الشرق من طهران.