روسيا تقوي نفوذها في منطقة الساحل بالاستعانة بالفيلق الافريقي
باريس - يعكس تنامي دور "فيلق إفريقيا"، المجموعة العسكرية الروسية التي شُكلت لتحل محل قوة "فاغنر" بعد مغادرتها مالي، تزايد نفوذ موسكو في منطقة الساحل الأفريقي، بالتوازي مع مساعيها لتوسيع حضورها الاقتصادي، مدفوعة برغبتها في استغلال الثروات الطبيعية.
وفي أوائل يونيو/حزيران، أعلنت مجموعة فاغنر التي شكلها يفغيني بريغوزين انسحابها من مالي وتعويضها بـ"فيلق إفريقيا".
ويعمل "فيلق افريقيا" على تأمين المصالح الروسية ومواجهة النفوذ الغربي وتأمين الموارد الاستراتيجية في أفريقيا، بينما يتم تجنيد عناصره بشكل أساسي من مقاتلي فاغنر السابقين، بالإضافة إلى جنسيات أفريقية وسورية
وبعد سنوات من الصمت والتكتيك الهادئ، انتقلت موسكو إلى التصريح بطموحاتها. وقال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف "نعتزم تعزيز تعاوننا مع الدول الإفريقية في كل المجالات"، مشيرا تحديدا إلى "المجالات الحساسة المتعلقة بالدفاع والأمن".
وتعلن وسائل الإعلام الروسية عن تواجدها في بوركينا فاسو وليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى والنيجر. وأدرجت مؤسسة "راند"، وهي معهد أمني أميركي، السودان في القائمة.
وكانت موزمبيق أيضا على القائمة في السابق، لكن "فاغنر" التي استُدعيت لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" فيها فشلت فشلا ذريعا وتكبّدت خسائر فادحة.
ويكمن الفرق بين منظمتي المرتزقة في مسألة الولاء. فقد انفصل يفغيني بريغوزين، رجل الأعمال المثير للجدل والعنيف، تدريجيا عن الكرملين حتى تحدى الرئيس فلاديمير بوتين علنا، قبل أن يلقى حتفه في حادث تحطم طائرة أثار تساؤلات في أغسطس/آب 2023. وخضعت مجموعته بعد ذلك لعملية تفكيك وإعادة تنظيم دقيقة، أما "فيلق إفريقيا"، فيخضع لإشراف وزارة الدفاع الروسية.
ويشير الباحث المستقل نيكولاس شكايدزي المقيم في تبليسي إلى أن "الكرملين بذل جهودا كبيرة لتفكيك قيادة فاغنر، وتأكيد سيطرته العمودية عليها، واستيعاب هياكلها".
ويضيف "إن استخدام سياسة الإنكار القابل للتصديق" التي اتبعتها موسكو للتنصل من انتهاكات المرتزقة "تغيّرت وصارت موسكو تتبنّى وتعترف علنا بحضورها ودورها".
من جانبه، يرى كريستوفر فوكنر من الكلية العسكرية البحرية الأميركية أن هذا التحول "خطوة رمزية وعملية في آن واحد. هذا يُبعد شركة فاغنر عن مالي لتركيز وجودها في جمهورية إفريقيا الوسطى"، حيث تتمتع روسيا بحضور قوي.
ويضيف أن "هذا يُعزز سيطرة موسكو على فيلق إفريقيا"، مع أن روسيا كما يقول "تبقي بعض الغموض حتى مع فرض رقابة صارمة على مرتزقتها".
موسكو تخلت عن الإنكار وصارت تعترف علنا بحضورها ودورها
وقرر المجلس العسكري في مالي بعد انقلابي 2020 و2021 إنهاء تحالفه مع القوة الاستعمارية الفرنسية السابقة والتوجه إلى روسيا، مستعينا بمرتزقة فاغنر الذين قال إنهم يعملون كمدربين لقواته.
وفي الواقع، كان يُفترض أن يساعد هؤلاء الجيش في محاربة الجماعات الجهادية التابعة لتنظيمي القاعدة وداعش اللذين خلفت هجماتهما المستمرة آلاف القتلى في المنطقة منذ أكثر من عشر سنوات.
لكن باستثناء السيطرة على مدينة كيدال في الشمال وانتزاعها من فصائل انفصالية مسلحة، لم ينجح الروس في تحسين الوضع، بل نهبوا الموارد المعدنية المحلية.
ويرى الماليون أن التمييز بين الشركتين العسكريتين الروسيتين مصطنع. ويقول بكري سامبي، مدير معهد تمبكتو للأبحاث في داكار، "يرى الرأي العام في ذلك مجرد تغيير في الاسم دون أي تطور إيجابي... فانسحاب فاغنر، في ظل وضع أمني كارثي، دليل على عدم فعالية استعانة أنظمة المنطقة بمصادر خارجية لإحلال الأمن".
وعلاوة على ذلك، تُدين منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية والأمم المتحدة أساليب فاغنر الوحشية في تقاريرها، فقد كشف تحقيق أجرته مجموعة "القصص المحظورة" نُشر قبل أسبوع عن خطف وحجز وتعذيب "مئات المدنيين في القواعد السابقة للأمم المتحدة وفي معسكرات مشتركة مع الجيش المالي".
ومن هذا المنظور، لا يتوقع أحد أي تغيير حقيقي، إذ يصف نيكولاس شكايز أساليب مكافحة التمرد الوحشية، مثل المجازر والعقاب الجماعي، بأنها "ممنهجة".
وتنوه مؤسسة راند بأن غالبية عناصر "فيلق إفريقيا" كانوا يعملون في صفوف فاغنر، بعضهم عادوا من الجبهة الأوكرانية ونسبة كبيرة منهم من المجرمين الذين جُندوا في السجون الروسية.
وتقول بيفرلي أوتشينغ، المحللة المقيمة في داكار من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومقره واشنطن، إنه لم يصدر أي بيان رسمي يوضح إذا كانت "الحكومة المالية ستدفع ثمن هذه الخدمات أم أنها جزء من اتفاقية أمنية ثنائية".
لكنها تؤكد أنه "إذا كانت هناك مدفوعات تعاقدية، فستذهب مباشرة إلى وزارة الدفاع الروسية". وتخلص الخبيرة إلى أن روسيا "ستستمر في إرسال شحنات من المعدات والأسلحة، وهي تنظر إلى منطقة الساحل على أنها استراتيجية لبسط نفوذها في مواجهة النفوذ الغربي".