ريبة في الجزائر مع التساقط المتواتر للقيادات الأمنية

المعارضة ترى أن الرأي العام لا يرى في هذا المسلسل الجديد سوى تصفية حسابات في هرم السلطة.
إقالات عديدة في قطاعات مهمة في الدرك والمؤسسة العسكرية
معركة نفوذ داخل النظام للتخلص من الأمنيين المسيسين

الجزائر ـ خلال الأيام القليلة الماضية، عاشت الجزائر على وقع قرارات إقالة بحق مسؤولين أمنيين وعسكريين رفيعي المستوى.

وتتضارب معلومات بشأن خلفيات هذه القرارات وعلاقتها بقضية ضبط كمية ضخمة من مخدر الكوكايين في أحد موانئ غربي البلاد، وكذا اقتراب الانتخابات الرئاسية، العام المقبل.

وصدرت بيانات رسمية بشأن إقالة الرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة، قيادات أمنية وعسكرية، بينما تسربت معلومات، عبر الإعلام، بشأن إقالة آخرين، وفي الحالتين بقيت الأسباب مجهولة. وأنهى بوتفليقة، في نهاية يونيو/ حزيران الماضي، مهام المدير العام للأمن الوطني، اللواء عبدالغني هامل.

وجاء القرار مفاجئا بعد ثماني سنوات قضاها هامل في منصبه، يقود قوة أمنية من 200 ألف عنصر، وكان يوصف بأنه أحد من يثق بهم الرئيس. وأعلنت وزارة الدفاع، الأربعاء الماضي، أن بوتفليقة أقال قائد الدرك الوطني، اللواء مناد نوبة.

وأنهى بوتفليقة بذلك مسيرة ثلاث سنوات عاشها "نوبة" على رأس هذه القوة الرديفة للجيش، والتي تعوض الشرطة في تأمين المناطق البعيدة عن المدن. فيما ذكرت صحيفة "النهار"، القريبة من الرئاسة، الخميس الماضي، أن قرارات الإقالة شملت أيضا مدير الموظفين بوزارة الدفاع، اللواء مقداد بن زيان.

وشملت الإقالات كذلك مدير المالية في الوزارة الدفاع، بوجمعة بودواور، ومدير الأمن (الشرطة) بالعاصمة الجزائر، نور الدين برّاشدي، وفق الصحيفة.

ملفات فساد

لم تقدم الجهات الرسمية أسبابا لهذه الإقالات المتتالية. لكن تزامنها مع ضبط كمية ضخمة من الكوكايين، جعل تأويلات وشائعات تجتاح الشارع ووسائل الإعلام حول العلاقة بين الحدثين.

وأعلنت وزارة الدفاع، في 30 مايو/ أيار الماضي، ضبط 701 كيلوغرام من الكوكايين، على متن باخرة قادمة من أميركا اللاتينية. وقالت وسائل إعلام محلية إن مصدر الشحنة هي البرازيل.

وضبطت السلطات الجزائرية صاحب الشحنة، وهو تاجر لحوم من العاصمة الجزائر، يدعى كمال شيخي، كما ضبطت آخرين، بينهم شقيقه وطاقم الباخرة.

وقال وزير العدل الجزائري، الطيب لوح، إن التحقيقات قادت إلى "ملفات فساد أخرى لمسؤولين تلقوا مزايا من المتهم شيخي من خلال نشاطه في العقارات". وتعج شبكات التواصل الاجتماعي في الجزائر بشائعات وتسريبات غير مؤكدة حول توقيف والتحقيق مع مسؤولين رفيعي المستوى في القضية.

ومن بين من تشملهم هذه الأنباء عبدالقادر زوخ، محافظ ولاية الجزائر العاصمة، التي تقع بها أهم نشاطات المتهم الرئيس في قضية الكوكايين. ونفى زوخ، قبل أسبوع، أن يكون قد خضع للتحقيق في هذه القضية. وعلق في تقارير إعلامية حول التحقيق معه قائلا: "حسبي الله ونعم الوكيل".  

واعتبر حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" (معارض)، في بيان، أن "الرأي العام لا يرى في هذا المسلسل الجديد سوى تصفية حسابات في هرم السلطة".

ورأى أن الهدف هو "تسليم البلد إلى هذه الجماعة أو تلك، عشية أهم موعد انتخابي دستوري ستشهده البلاد"، في إشارة إلى انتخابات الرئاسة، المرجحة في أبريل/ نيسان أو مايو/ أيار 2019.

ودخلت ولاية بوتفليقة (81 عاما) الرابعة عامها الأخير، إذ وصل الحكم عام 1999، وفاز قبلها بثلاث ولايات متتالية. وتتوالى، منذ أشهر، دعوات من أحزاب الموالاة لبوتفليقة من أجل الترشح رئاسية لولاية خامسة، لكنه يلتزم الصمت إزاءها. وبالمقابل يدعو معارضون بوتفليقة إلى عدم الترشح بسبب وضعه الصحي الصعب.

وترى حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي في الجزائر) أن حملات الإقالة تعكس "التنافس السياسي على السلطة خارح الأطر الديموقراطية بشكل ولد صراعات عقيمة ومدمرة للبلد ومقدراته وسيادته ويجعل مؤسسات الدولة رهينة في يد العصب المتصارعة".

وفق أكرم خريف، الصحفي الخبير في الشؤون العسكرية بالجزائر، فإن الإقالات بحق قيادات أمنية وعسكرية يمكن تفسيرها من ثلاثة جوانب.

وأضاف خريف، أن "الجانب الأول هو عزل المتورطين، لا أقول في قضية الكوكايين، بل في شبكة أعمال كمال شيخي". وتابع أن الجانب الثاني هو "عادي، حيث تقع تغييرات في الجيش والأمن، بمناسبة ذكرى الاستقلال في الخامس من يوليو/ تموز، كما جرت التقاليد".

أما التفسير الثالث، وفق خريف، فهو "سياسي". وأوضح أنها "ربما تكون معركة نفوذ داخل النظام، مع التخلص من الأمنيين المسيسين الذين يمكن أن يكون لهم دور في مرحلة ما بعد بوتفليقة إن غادر السلطة".

وختم بقوله إنها "أيضا فرصة لرئيس الأركان، الفريق قايد صالح، لفك الخناق داخل المؤسسة العسكرية، والإبقاء فقط على المؤيدين لخطه وتعزيز مكانه داخل السلطة الحاكمة".