سؤال صعب من السيرة النبوية.. عن قوامة المرأة!

لماذا النبى الوحيد الذي عمل لدى امرأة؟ وصاحب العمل هو صاحب القوامة فهل كانت السيدة خديجة صاحبة القوامة على محمد بن عبد الله حين كان يعمل لديها قبل إبلاغه بالرسالة؟!

بقلم: نبيل عمـر

قبل عشر سنوات، ربما أزيد قليلا كنت فى عاصمة الضباب لندن، متورطا فى ندوة عن الشباب والبطالة فى الوطن العربي، حَاضَرَ فيها دعاة أكثر مما حاضر فيها علماء اجتماع ورجال سياسة، وهو «مناخ» لا أرتاح إليه ولا يناسب التفكير العلمى المنظم فى مشكلة عويصة هى بالفعل تضرب البلدان العربية من شرقها إلى غربها، ولم تجد حلا ناجعا حتى الآن. المهم أن الشقاوة تلبستنى فى حوار مع داعية مشهور جدا، وله مريدون كثرُ، وبرامج تليفزيونية، فسألته فجأة: يا مولانا عندى سؤال لا أجد له إجابة؟

بأدبه الجم المعهود وصوته الهادئ قال: اسال وقد يفتح الله علينا بالإجابة.

قلت: النبى محمد صلى الله عليه وسلم هو النبى الوحيد بين كل الأنبياء الذى اشتغل لدى سيدة هى خديحة بنت خويلد، وصاحب العمل هو صاحب القوامة على العاملين لديه، فما هو المغزى أن يعمل النبى لدى امرأة وكان يمكن أن يدبر الله له عملا مستقلا أو عند بعض أهله الأقربين؟

صمت الداعية وراح يفكر دقائق طالت ثم قال: فعلا سؤال لم يخطر على البال، دعنى أبحث وسوف أرد عليك فى رسالة إلكترونية فى أسبوعين أو ثلاثة. مرت أسابيع ثلاثة وسنوات ثلاث دون أن يصل الرد، وهاهى سنوات عشر مضت ولم يطرق بريدى الإلكترونى أى رسالة منه. وتساءلت: هل هو نسى أم لم يجد فى كتب التراث تفسيرا لها؟

عموما لم يكن سؤالى للداعية المشهور عفو الخاطر، فهو يشغل بالى منذ زمن طويل، وتستوقفنى دوما حكاية السيدة خديجة بنت خويلد رضوان الله عليها، لما أدته من دور عظيم مع النبى فى حياته ورسالته السماوية، وهى حكاية حاكمة شارحة لـوضع المرأة فى الإسلام، وفيها تفاصيل معروفة ذكرها كل كتاب السيرة النبوية، لكن كل المفسرين والشروح لم تتوقف عندها، ومر الجميع عليها مرور الكرام كما لو أنها أمر عادي، مع أن هذه التفاصيل تقلب النظرة الشائعة إلى المرأة رأسا على عقب، بل وتُنقى الإسلام مما أضافه البدو والأعراب والمجتمعات الشرقية عموما من عادات وتقاليد وأفكار عن النساء إلى الدين الحنيف، وألبسوها بالإكراه ثيابا فقهية حديدية، باعتبارها إجماع الأمة.

حين كنا صغارا نواظب على كُتاب قريتنا، لم يكن كلام شيخى عن المرآة يعجبني، فهن فى نظره ناقصات عقل ودين، وأقل وضعا من الرجل وقيمة، خلقهن الله لخدمة الرجال وصغارهن، وهن مجرد ماعون للإنجاب، وبالرغم من عقولنا الصغيرة والمظاهر والتصرفات التى أحاطت بنا وتؤكد هذه المعانى إلا أن بعضنا لم يستوعب هذا التوصيف، كيف نقبله ونساء قريتنا يعملن مع أزواجهن وأشقائهن يدا بيد فى الغيطان، وأحيانا كان عمل النساء هو مصدر النقود الوحيد فى العائلة، فهن يربين الحيوانات ويصنعن الجبن والسمن، ويذهبن إلى «سوق التلات» أى يوم الثلاثاء، يبعن ما فى جعبتهن ويعدن بالنقود الشحيحة إلى الدُّور المبنية بالطوب اللبن، فالمحصول المزروع مازال غضا وأمامه شهور قبل أن يُحصد.. فكيف تكون المرأة أقل مرتبة وقيمة؟ ولم تكن النساء وقتها قد عرفن النقاب ولا الحجاب وكن محتشمات بالفطرة، تسدلن «طُرَحْا» سوداء من الساتان على شعورهن.

حين بدأنا قراءة السيرة النبوية انتبهنا إلى عمل الرسول عند خديجة بنت خويلد، لم نستوعب وقتها المغزي، وإن ظلت الواقعة محفورة فى ذهنى بقوة وسطوع، خاصة وقد صادفت طوال حياتى نساء كانت كل واحدة منهن بمائة رجل فى دورها الاجتماعى وتحمل المسئولية فى عائلتها.

ومع السنوات رحت أقلب فى أمهات كتب السيرة وشروحها لعلى أعثر بين طياتها عن إجابة للسؤال الملح: لماذا اختار الله لنبيه العمل لدى امرأة؟ وما الرسالة التى يريد الله إبلاغنا بها؟

سبب السؤال أن النبى نبى منذ أن يولد، أى هو ليس كالعاديين من البشر، لا تدركه النبوة إلا حين يبلغه جِبْرِيل برسالة السماء، وإنما هو نبى يتصرف ويتحرك فى الحياة بهدى من الله يقيه من الوقوع فيما يقع فيه البشر العاديون ويعصمه الله ويجنبه المزالق والزلل، إعدادا للدور العظيم الواقع على كاهله ليؤديه دون أن يمسك عليه البشر ما يمسكونه فى تاريخ الآخرين من أفعال يُعايرون بها.

إذن: لماذا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم هو النبى الوحيد الذى عمل لدى امرأة؟، وصاحب العمل هو صاحب القوامة، هو الآمر الناهى فى أعمال من يعملون عنده، فهل كانت السيدة خديجة صاحبة القوامة على محمد بن عبد الله حين كان يعمل لديها قبل إبلاغه بالرسالة؟! وأذكر أننى سألت عددا غير قليل من مدرسى اللغة العربية والتربية الدينية خلال سنوات الدراسة الإعدادية والثانوية، بعضهم كان ينظر لى شذرا كما لو كنت شيطانا متخفيا جئت أشككه فى ثوابت إيمانه، وبعضهم يرد ردودا عجولة لا يفهم منها شيء، ولا تفيد فى شيء، وبعضهم كان صادقا صريحا يقول لى إنه سوف يبحث فى كتب السيرة عن إجابات، ثم يعود معتذرا عن عدم وجودها.

هل الاقتراب من مكانة المرأة فى الإسلام بتفكير مختلف عن السائد والشائع ممنوع؟

باختصار المعنى واضح وجلى ولا يلزمه فذلكة ولا عبقرية، وهو أول لبنة وضعها الإسلام فى مكانة المرأة، بأن رسول الإسلام نفسه يمكن أن يعمل لديها، وأن القوامة فى الاسلام لا تستند بأى حال من الأحوال إلى معيار «الذكورة والأنوثة» الشرقي، ولا إلى الوضع الاجتماعى والأصول العائلية، بل إلى «الوظيفة» التى يؤديها الإنسان ذكرا أو أنثى فى بيئة محددة وظرف معين، فـ» محمد بن عبد الله» صلى الله عليه وسلم نبى مرسل من السماء فى أشرف مهمة وأقدسها، لكن فى ذلك الظرف وتلك البيئة هو يشتغل فى تجارة السيدة خديجة وفى أموالها حسب مشيئتها.

أى أن القوامة للرجل مشروطة بالوظيفة والمهمة التى يؤديها، وليست قوامة مطلقة فى كل وقت، ويمكن أن تكون القوامة أيضا لرجل على رجل، وامرأة على امرأة، وامرأة على رجل.

عن الأهرام المصرية