سوريا تطوي صفحة بوليساريو في ترسيخ للعلاقات مع المغرب

بعثة تقنية من وزارة الخارجية المغربية في سوريا لاستكمال الإجراءات العملية المرتبطة بإعادة فتح سفارة المملكة بدمشق.

دمشق - أكدت السلطات السورية بحضور وفد مغربي رسمي، إغلاق المقرات التي كان يشغلها ممثلو جبهة بوليساريو في دمشق، في خطوة ذات دلالة واضحة بشأن موقف سوريا من الجبهة الانفصالية ورفضها الاعتراف بها، والالتزام بترسيخ العلاقات مع المغرب والتأكيد على سيادته على كامل أراضيه.

وانتقلت بعثة مشتركة تضم مسؤولين مغاربة ومسؤولين سوريين كبار، لمعاينة الإغلاق الفعلي لمكتب انفصاليي بوليساريو في العاصمة السورية.

وذكرت وكالة المغرب العربي للأنباء أن السلطات السورية "جددت من خلال هذه الخطوة، تأكيد التزامها باحترام السيادة الوطنية والوحدة الترابية للمملكة، رافضة أي شكل من أشكال الدعم للكيانات الانفصالية".
وأضافت "تعكس هذه الخطوة أيضا الإرادة الراسخة لدى سوريا لتقوية تعاونها الثنائي مع المغرب وتعزيز الاستقرار الإقليمي".

وكانت بعثة تقنية من وزارة الشؤون الخارجية المغربية توجهت إلى العاصمة السورية من أجل استكمال الإجراءات العملية المرتبطة بإعادة فتح سفارة المملكة المغربية بدمشق.

وباشر الوفد المغربي محادثات مع مسؤولين كبار بوزارة الخارجية والمغتربين السورية، تتعلق بالجوانب اللوجيستية والقانونية والدبلوماسية لهذه العملية.

وتأتي هذه الخطوة لتجسد إرادة واضحة من الطرفين في تعزيز التعاون الثنائي، وإرساء علاقات تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، بما يساهم في دعم الاستقرار الإقليمي.

وتندرج هذه المباحثات في إطار تفعيل التعليمات الملكية الرامية إلى إحياء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس قد أعلن في الخطاب الذي وجهه إلى القمة العربية الرابعة والثلاثين المنعقدة يوم 17 مايو/أيار الجاري ببغداد، عن قرار إعادة فتح سفارة المملكة المغربية بدمشق، المغلقة منذ 2012.

وأكد الملك محمد السادس أن هذا الإجراء "سيساهم في فتح آفاق أوسع للعلاقات الثنائية التاريخية بين بلدينا وشعبينا الشقيقين".

ويعد قرار الملك محمد السادس بإعادة فتح السفارة المغربية في دمشق مؤشراً بارزاً على انطلاقة مرحلة جديدة في العلاقات بين الرباط ودمشق، في حين يعتبر إغلاق مكتب بوليساريو على الأراضي السورية ينسجم مع هذا التوجه الثنائي نحو دعم الشرعية ووحدة الدول.

وينظر متابعون إلى هذه الخطوة باعتبارها تمهد لبناء علاقة صحية مع المملكة المغربية وتصحيح يجب أن يتبعها الاعتراف الرسمي والواضح والصريح بسيادة المملكة على صحرائها، لا سيما بوجود إجماع عربي على هذه القضية.

واعتبر الإعلامي والمعارض السياسي الجزائري وليد كبير أن القرار السوري هو "غير مسبوق ويحمل دلالات سياسية عميقة"، مؤكدا في تغريدة على حسابه في اكس أن القرار "تجسيد واضح لتحول نوعي في موقف دولة كانت لسنوات تُحسب على ما يُعرف بمحور الممانعة'".

وقال كبير إن إغلاق المكتب بحضور رسمي مغربي هو بمثابة "اعتراف عملي لا لبس فيه بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وتجسيد لاحترام وحدة أراضيه، ورفض صريح لأي كيان انفصالي لا يتمتع بشرعية قانونية أو اعتراف دولي واسع". وأضاف أن هذه الخطوة "تضع حدا لما كان يُروج له إعلاميا من دعم رمزي عربي لأطروحة الانفصال"، وأن "بوليساريو تخسر بذلك آخر موطئ قدم لها في الفضاء العربي بعد أن كانت تستخدم وجود مكتب في دمشق كورقة رمزية لإضفاء مصداقية على المشروع الانفصالي".
من جهته اعتبر الكاتب الجزائري أنور مالك أن الخطوة السورية هي صفعة مزدوجة: البوليساريو تلفظ أنفاسها الأخيرة ونظام العسكر الجزائري يجهز مراسم الدفن.

ويؤكد متابعون للملف أن مستقبل العلاقات بين البلدين يعتمد على تعاطي السلطات السورية مع قضية الصحراء المغربية التي تشكل "بوصلة السياسة الخارجية للمغرب والنظارة التي ينظر بها إلى العالم"، وهي منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي تعتبر عنواناً بارزاً لتوتر العلاقات بين الرباط ودمشق، إذ أن الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد تربطه علاقات مع الجزائر واصطف معها في بدايات إنشاء جبهة بوليساريو.

وكانت مجلة جون أفريك الفرنسية، ذكرت في تقرير لها إنه منذ سقوط نظام بشار الأسد في سوريا نهاية عام 2024، بدأت تُكشف الوثائق السرية وتُفك القيود عن الألسنة، ليتَبيَّن أن بعض الصحراويين المعتقلين في السجون السورية هم مقاتلون سابقون في جبهة بوليساريو، أُرسلوا لدعم الأسد.

واعتبرت الأسبوعية الفرنسية أنه على الرغم من نفي جبهة بوليساريو لهذه المعلومات، إلا أنها تسيء إلى صورتها وتدعم اتهامات المغرب.

وأشارت إلى ما كشفت عنه صحيفة واشنطن بوست في 12 أبريل/نيسان الماضي، متحدثة عن قضية حساسة: مقاتلون صحراويون تلقوا تدريبات على يد إيران، تم إرسالهم إلى سوريا لدعم نظام بشار الأسد عسكريا.

ووفقا للصحيفة الأميركية، فإن المئات منهم محتجزون اليوم لدى قوات الأمن السورية الجديدة. وأكد مصدران أوروبيان ورد ذكرهما في المقال، أن هؤلاء المقاتلين كانوا جزءا من شبكة منظمة أنشأتها إيران لتعزيز النظام السوري عسكريا عبر وكلاء، تماما مثل حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية العراقية.

وأضافت تحقيقات واشنطن بوست، أنه منذ سقوط نظام الأسد، بدأت السلطات السورية الجديدة بتفكيك الجهاز اللوجستي الذي أنشأته طهران، والذي شمل شبكات لتهريب الأسلحة، ومعسكرات تدريب، وتغلغلا مباشرا للنفوذ من خلال وكلاء، كان من ضمنهم المقاتلون الصحراويون.

لكنّ مصدرا مقربا من جبهة بوليساريو، نفى للصحيفة الأميركية أي تورط، ووصف الاتهامات بأنها "مهينة" لبوليساريو.

مع ذلك، قالت المجلة الفرنسية، أن هذه المعلومات تؤكد ما ورد في سلسلة من الوثائق السرية الصادرة عن الأجهزة السورية، والتي أصبحت اليوم بحوزة الحكومة الانتقالية. وتشير هذه الوثائق إلى تعاون منظم بين بوليساريو وحزب الله اللبناني والنظام السوري، بدعم خفي من الجزائر.