سوريا تلتزم الصمت إزاء خرق مجالها الجوي من إيران وإسرائيل

الحكومة السورية لم تصدر أي بيان إدانة أو حتى تنديد بخرق أجوائها المتكرر من ايران وإسرائيل.

دمشق - منذ اندلاع المواجهة بين إيران وإسرائيل، يشاهد السوريون صواريخ إيرانية تخترق أجواء بلادهم قبل أن تعترض أنظمة الدفاع الإسرائيلية عددا منها، في إطار حرب غير مسبوقة بين القوتين الإقليميتين، فيما تلتزم الحكومة السورية الصمت إزاءها وتريد أن تبقى بمنأى منها.

في مقهى بدمشق، يقول جراح الصدر محمّد خير الجيرودي "من شرفة منزلي، أشاهد ليلا الصواريخ المتجهة نحو إسرائيل والصواريخ المضادة وأعاين الانفجارات في السماء".

ويضيف بعدما كان يتصفّح الأخبار العاجلة الواردة عبر هاتفه الخلوي "ملّ الشعب كل ما يتعلق بالقتل والدمار.. اكتفينا. لذلك، نحن حاليا في موقع المتفرج على الطرفين ولن نشمت بأي منهما".

وبعد 14 عاما من نزاع مدمر، تدخلت فيه إيران مع مجموعات موالية لها دعما للحكم السابق، وشنّت خلاله إسرائيل مئات الضربات الجوية، يبدو سوريون كثر مع حكومتهم في موقع المتفرج.

ويوضح الطبيب الذي أقام لسنوات طويلة في الولايات المتحدة "صعب جدا أن نأخذ موقفا، نحن كشعب سوري ضد الحرب ولا نريد صواريخ نتفرج عليها، لا نرغب بالحرب ولن نفرح بحدوثها"، مشيرا على غرار سوريين كثر إلى أن الأولوية اليوم هي "لبناء وطننا" بعيدا من التصعيد الإقليمي.

ومنذ الجمعة، بدأت إسرائيل مواجهة عسكرية غير مسبوقة مع إيران، بهدف معلن هو منع طهران من الحصول على السلاح النووي. وتدافع طهران عن حقها في تطوير برنامج نووي مدني. ويتبادل الطرفان الهجمات وإطلاق الصواريخ والمسيرات وسط مخاوف من توسع نطاق المواجهة بينهما.

وفي العراق، كما في سوريا ولبنان، تخترق الصواريخ الإيرانية الأجواء في طريقها إلى إسرائيل التي تنجح أنظمتها للدفاع الجوي في اعتراض عدد منها بينما يبلغ بعضها الآخر وجهته.

من مطعم على سطح فندق في دمشق، عاين مراسلو فرانس برس ليل الثلاثاء وميضا في السماء تكرر لمرات عدة، جراء اعتراض إسرائيل لصواريخ إيرانية، بعد دقائق من إعلان طهران استهدافها للدولة العبرية.

ويقول الممثل أحمد ملص (42 عاما) بينما كان يجلس مع زوجته في مقهى الروضة الذائع الصيت في دمشق "لدي علاقة وجدانية مع الشعب الإيراني ولدي علاقة مع الشعب الفلسطيني لأنه يمثّل قضيتنا جميعا منذ زمن".

ويضيف "أتمنى أن نتخلص من النظامين الإيراني والإسرائيلي الديكتاتوريين، لأننا كشعب سوري دفعنا ثمن ما فعلوه".

أتمنى أن نتخلص من النظامين الإيراني والإسرائيلي الديكتاتوريين، لأننا كشعب سوري دفعنا ثمن ما فعلوه

ولعبت إيران دورا محوريا في دعم نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد إثر اندلاع احتجاجات سلمية عام 2011 قمعتها السلطة بالقوة. وساهم تدخلها العسكري مع مجموعات موالية لها بينها حزب الله اللبناني، ثم تدخل روسيا جوا، في تغيير موازين القوى في الميدان لصالح الأسد.

وقال ملص إن "محاولة قمع الثورة السورية ساهمت بكرهنا الشديد للنظام الإيراني". وبعيد وصول السلطة الجديدة إلى دمشق في نهاية العام الماضي، تعرّض مقر السفارة الإيرانية لأعمال نهب وتخريب. وغادر آلاف الإيرانيين البلاد.

على الجدار الذي يزنّر مقر السفارة الذي تحرسه قوات أمن سورية، كُتبت عبارات عدة برذاذ أزرق بينها "اللعنة على إيران" وأخرى بالإنكليزية تدعو إلى "تحرير إيران".

وانتقد الرئيس الانتقالي أحمد الشرع مرارا دور طهران في بلاده خلال سنوات النزاع، موضحا ان استئناف العلاقة معها ينبغي أن يستند إلى أساس احترام "السيادة" و"عدم التدخل في شؤون سوريا".

وقالت إيران من جهتها إنها ليست "في عجلة" من أمرها لإقامة علاقات مع السلطات الجديدة. ومنذ وصول الشرع إلى دمشق، استهدفت إسرائيل بمئات الغارات الترسانة العسكرية، مبررة ذلك بسعيها لمنع وصول الأسلحة إلى السلطات الجديدة التي تصفها بـ"الجهادية". كما توغلت قواتها في جنوب البلاد، ما أثار تنديد دمشق.

وأقرت سوريا بمفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل لاحتواء التصعيد، في وقت حضّتها واشنطن على الانضمام الى اتفاقات التطبيع مع الدولة العبرية.

ومنذ بدء الحرب الجمعة، ندّدت غالبية الدول العربية بالهجمات الإسرائيلية على إيران، الخصم الاقليمي البارز لدول الخليج. إلا أن الحكومة السورية اكتفت بالصمت، ولم يصدر عنها أي بيان إدانة أو حتى تنديد بخرق أجوائها المتكرر من ايران وإسرائيل.

وقُتلت مدنية وأصيب عدد من الجرحى بسقوط بقايا مسيرات أو صواريخ إيرانية اعترضتها اسرائيل، خصوصا في المناطق الجنوبية الحدودية. ويقول المحلل السياسي بسام السليمان، المقرب من السلطة، "تلتزم دمشق أن تنأى بنفسها بشكل كامل من الحرب وأي ذكر لها، لأنه لا مصلحة لسوريا بالدخول في أي من هذه التفاصيل".

ومع محاولة السلطات إطلاق عجلة التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار بعد الحرب، يقول السليمان إن "حربها الأساسية هي في الداخل من أجل بناء سوريا" في حين أن "كلا من اسرائيل وإيران يشكل مصدر خطر، ولا ناقة لنا في هذه الحرب"، التي يتعين علينا "تجنّبها".

ومن ملهى ليلي على سطح مبنى مشرف على أنحاء دمشق، وعلى إيقاع موسيقى صاخبة، عاينت سارة (27 عاما) ليل الثلاثاء وميض الصواريخ في سماء العاصمة.

وتقول الطبيبة، من دون ذكر شهرتها، "نحاول أن ننسى أجواء الحرب عبر قضاء الوقت هنا مع أصدقائي"، مضيفة "رغم ذلك، أخاف أن يطاولنا شيء من آثار هذه الحرب".