سياسات التقشف في تونس تصل الى الانجاب
تونس – فيما تجبر الصين مواطنيها على الاكتفاء بطفل واحد لكل اسرة، يتبنى التونسيون طوعا هذه السياسة تحت ضغط ارتفاع تكاليف الحياة وأزمة اجتماعية خانقة تحاصرهم منذ نحو عشر سنوات عجاف، فضلا عن تطور الوعي.
ووتبنى تونس منذ أكثر من 60 عاما سياسة "تحديد النسل"، التي تشجع على الاكتفاء بثلاثة اطفال كحد اقصى وتوفر للنساء تسهيلات في الوصول لوسائل منع الحمل.
لكن يبدو ان الظروف المعيشية اقنعت الأزواج الشبان بأكثر من ذلك، اذ يكتفي هؤولاء بشكل متزايد بإنجاب طفل واحد، أو طفلين على الأكثر، رغبة في توفير ظروف حياة أفضل لأطفالهم.
وفق بيانات معهد الإحصاء الحكومي، فأن "نسبة الخصوبة" انخفضت بشكل متكرر خلال السنوات الأخيرة، وصولاً إلى 1.8 طفل في سنة 2021، مقارنة بـ2.4 طفل في عام 2013، وتعد المباعدة بين الولادات، وتأخر سن الزواج من بين أبرز المؤشرات في هذا السياق.
ونسبة الخصوبة تعني عدد الولادات الجديدة لكلّ ألف امرأة في سنّ الإنجاب في الفئة العمرية من 15 إلى 49 سنة أيا كانت حالتهن المدنية، سواء كن عازبات أو متزوجات أو أرامل أو مطلقات.
وقدر عدد سكان تونس في عام 2020، بنحو 11.819 مليون نسمة، موزعة بنسبة 49.60 في المئة من الذكور، و50.40 في المئة من الإناث، بينما بلغ متوسط معدل النمو السنوي للسكان 1.12 في المائة في الفترة بين عامي 2015 و2020.
وحسب بيانات الأمم المتحدة، فإن معدل النمو السكاني في تونس من بين أقل المعدلات العالمية حالياً نتيجة انخفاض معدلات الخصوبة، وعلى الرغم من ذلك، فإن المجتمع التونسي مازال من بين المجتمعات الفتية، فأكثر من ربع عدد السكان دون سن الخامسة عشرة وفق تقديرات رسمية لعام 2020.
لكن، اقرت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن آمال بلحاج موسى مؤخرا، بأن التقديرات السكانية تبين أن المجتمع التونسي في طريقه إلى التهرم.
وقالت الوزيرة، إن نسبة كبار السن الذين تتجاوز أعمارهم 60 سنة تمثل حوالي 13 بالمئة من المجتمع وهذه الفئة مرشحة للازدياد حسب الإسقاطات السكانية لتصل في سنة 2029 الى حدود 17 بالمئة.
المجتمع التونسي في طريقه إلى التهرم
وأضافت وزيرة المرأة في تصريح لإذاعة موزاييك المحلية، أن الميزانية المرصودة لكبار السن في الوزراة تقدر بحوالي 18 مليون دينار يتم تخصيص 14 مليون دينار منهم لخدمات الإعاشة وتكاليف رعاية المسنين في 12 مركز لرعاية المسنين تابعين للوزارة.
وفضلا عن هو التطوّر التاريخي لسياسة تحديد النسل التي عرفتها تونس قبل أكثر من ستة عقود وتحولها لقرار فردي، يرجع الخبراء سبب تغير التركيبة السكانية الى تأثير الوضع الاقتصادي والاجتماعي على نسبة الخصوبة، خصوصاً في ظل تأخر سن الزواج، وارتفاع معدلات العزوف عن الزواج لدى الجنسين.
وبلغت العنوسة حوالي 81.1 بالمئة لتصبح في مرتبة متقدمة، وفق تقرير صدر عن الديوان الوطني للأسرة، والعمران البشري وذلك لعدم إقبال الشباب على الزواج والهجرة للخارج، بالإضافة طبعا لتكاليف الزواج المرهقة بسبب العادات والتقاليد، ليصل إجمالي”العانسات” إلى أكثر من مليوني وربع مليون امرأة من مجموع نحو أربعة ملايين و900 ألف أنثى في البلاد.
وضغوط المعيشية المتزايدة، ومتطلبات المجتمع الجديدة تؤثر بدورها على قرار الإنجاب لدى الأسر، فاللجوء إلى تقليص الإنجاب، أو التباعد بين الولادات، ظواهر تعيشها كل المجتمعات التي تمر بصعوبات معيشية، لاسيما إذا اقترن ذلك بمستويات جيدة من الوعي والتعليم.
وكشفت دراسة تونسية أعدها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، اتساع نسبة الفقر في تونس، وتآكل الطبقة المتوسطة في البلاد بعد تداعيات تفشي وباء كورونا.
واتسعت قاعدة الفقر في تونس اتسعت لتشمل 4 ملايين تونسي، اي نحو ثلث عدد السكان.
كما ان تكاليف رعاية الأطفال شهدت في السنوات الاخيرة ارتفاعا كبيرا مع توجه عدد متزايد من العائلات الى التعليم الخاص نتيجة تآكل الثقة في المدرسة العمومية.
وبحسب بعض المراقبين، فإن شيخوخة الشعب المرتقبة ستضغط على خدمات الصحة العامة والمؤسسات التي ترعى المسنين، وستؤدي إلى تغييرات كبيرة في نظام التعليم بسبب الانخفاض المتوقع في عدد الطلاب.
ويرجع الخبراء بالفعل ولو جزئيا لبشائر التهرم السكاني عجز الصناديق الاجتماعية الذي وصل إلى نحو 400 مليون دولار.
وتوقعت دراسة أنجزها خبراء لفائدة المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية ارتفاع عدد المتقاعدين إلى أكثر من مليونين و200 ألف متقاعد سنة 2024.