'شظايا من المشهد' تحكي كرونولوجيا الذاكرة السينمائية المغربية

المخرج والمؤلف سعد الشرايبي يكشف في هذا الحوار ذكرياته المهنية من خلال رواية تجمع بين التاريخ والأدب والفن.

الرباط - تم استضافة المخرج والمؤلف المغربي سعد الشريبي على القناة الثانية في 22 آذر/ مارس 2024، مع الإعلامي وديع دادا بمناسبة إصدار روايته الجديدة "شظايا من المشهد" وهي عبارة عن ملاحظات مواطن مغربي يبرز رحلة عبر الذاكرة السينمائية المغربية، ويكتشف الجوانب الثقافية والاجتماعية والسياسية للبلاد على مدى ستين عامًا، كما أنها نظرة موضوعية وفعالة تواكب تطور المجتمع المغربي، خلال فترة السبعينات إلى يومنا هذا.

وفي هذا السياق كان ل"ميدل ايست اونلاين" حوار مع المخرج والمؤلف سعد الشريبي حول روايته "شظايا من المشهد"، وفي ما يلي نص الحوار:

ما الدافع الرئيسي وراء تأليفك رواية "شظايا من المشهد" التي تجمع بين السيرة الذاتية وذكرياتك السينمائية؟

أولا يبقى تخليد الذاكرة واجب الكتابة، فالعمل يهدف إلى نقل تجربة متعددة الأبعاد زمنيًا والتركيز على فترة تاريخية حاسمة في بلادنا، مع انعكاس جوانبها الاجتماعية والثقافية والسياسية المتنوعة على تجربتنا في الحياة.

كيف دمجت الجانب المرئي لخبرتك السينمائية في صيغة أدبية؟

عندما يكون لديك الفرصة لدمج وتكوين العديد من النصوص التي تتميز بطابعها البصري البارز، تسهل المهمة في صياغتها أدبيا، إذ أنني تذكرت نقاشات سابقة بين المخرجين وكتاب السيناريو حول هذا النوع من الكتابة، عندما كان المخرجون يلومون الكتاب على أساليب السرد التي كانت خالية من الكتابة الصورية وأقل إرشادية، وبالتأكيد لا يمكن لكاتب السيناريو أن يتبنى ما كان يثير الجدل حول أسلوب التأليف، وبالتالي يجب أن تكون كتابة هذا النوع من الرواية بالضرورة بأسلوب بصري.

لماذا اخترت سرد تاريخ المغرب من خلال عدسة السينما؟

إن تاريخ بلادنا غني للغاية بالأحداث والمواقف المميزة والتحولات المفاجئة، مما يجعله أرضاً خصبة للتأمل والبحث والاستكشاف من خلال مختلف أشكال التعبير، سواء كانت أدبية سردية  أو بصرية أو أي شكل من أشكال التعبير الاخرى، إذ أن تاريخ المغرب سواء قبل أو بعد الاستقلال، مر بمراحل مضطربة، أحيانًا إيجابية وأحيانًا سلبية ولكن تستحق أن تروى للأجيال القادمة بحلوها ومرها.

كيف تساهم "شظايا من المشهد" في فهم أفضل لتاريخ السينما المغربية؟

من خلال استعراض الممارسة السينمائية في بلادنا ومواكبتها من الداخل لأكثر من 50 عامًا، إذ يُدرك المرء بشكل موضوعي قواها وضعفها، وتلقي الرواية نظرة ثاقبة على مكوناتها المختلفة، سواء الهيكلية أو الإدارية أو الفنية، فالدروس التي يمكن استخلاصها من مواكبة الكرونولوجيا السينمائية تكون بالغة الإقناع، فعلى سبيل المثال، كيف تحولت السينما المغربية من مرحلة التجربة إلى مرحلة المهنية، سواء من الناحية التقنية أو الفنية، وكيف ناضل رواد السينما الاوائل من أجل تحسين جودتها، حيث أضحت اليوم معترف بها في جميع أنحاء العالم، من خلال مهرجانات رفيعة المستوى وحصولها على العديد من التكريمات الوطنية والدولية، إذ كانت كل هذه الجوانب بحاجة إلى أن يتم توثيقها، وهو ما تم التطرق إليه في الكتاب الأول "شذرات من الذاكرة السينمائية" واكتمل بشكل أوسع في هذا الكتاب "شظايا من المشهد".

ما مدى أهمية القضايا السياسية والاجتماعية في "شظايا من المشهد"؟

تخصص العديد من الفصول في الرواية للعملية السياسية في البلاد قبل الاستقلال، من خلال الحركة الوطنية والنقاشات التي أثارتها، أحيانًا بالتوافق وأحيانًا بالتباين، وأحيانًا حتى بالتعارض، إذ أن هذه النقاشات تتعلق برؤية الأفراد والجماعات لمستقبل البلاد وكيف ستصبح بعد الاستقلال، وفي فصول أخرى يتم تسليط الضوء على الصراعات الداخلية بين مختلف الأحزاب اليمينية واليسارية والنزاعات التي اندلعت للحصول على القيادة في إدارة الشؤون العامة للبلاد، ومن الناحية الاجتماعية اهتممت بالعلاقات بين الفئات على نحو فردي وجماعي، بهدف كشف الفجوة التي كانت موجودة والتي لا تزال موجودة بين الساحة السياسية والمجتمع، مما يشير إلى اختلاف ملحوظ في تطور هذين الجانبين.

ما هي الأفكار أو المواضيع الرئيسية التي ترغب في أن يتذكرها القراء بعد استكمال روايتك؟

معرفتهم للمراحل التي تتعلق بالمشاريع الاجتماعية التي سادت في البلاد وكيف تطورت العلاقات الاجتماعية بين الناس، فأنا ألاحظ أنه إذا كانت هذه العلاقات مبنية في السابق على قيم التضامن والتعايش والمساعدة المتبادلة، فإنه من الواضح اليوم أنها مليئة بالسلوكيات الفردية التي تفضل الفرد على حساب المجموعة، لذا يعتبر هذا الكتاب أيضًا دعوة للتفكير في تطور هذه العلاقات، وربما إعادة النظر في طريقتنا في التصرف مع الآخر من خلال استعادة هذه القيم التي عاشتها الأجيال السابقة.

كيف وظفت خبرتك كشاهد متفاعل للأحداث في المغرب منذ السبعينيات في رواية "شظايا من المشهد"؟

عبر الرواية  ومن خلال السرد الذي يتدحرج بين فرحة وألم، ولكنها دائمًا كانت مثيرة للاهتمام وملهمة، سواء كانت ثقافية أو اجتماعية أو سياسية، فإن هذه المواقف أنتجت ذاكرة غنية، تحولت مع مرور الوقت إلى رؤية تجعلك مواكب صافي الذهن، بعيدًا عن أي افتراض مسبق أو اتخاذ موقف جزئي، إنما يتعلق الأمر بتقديم أحداث حقيقية تدعو القارئ إلى التفكير، حتى يتمكن من بناء رؤيته الخاصة، ووجهة نظره المتفردة، وسلوكه الفردي في المستقبل، كما تدعو الرواية أيضًا إلى الالتزام وتحمل المسؤولية اتجاه الذات واتجاه المجتمع.

ما هو نهجك في سرد الصراعات البشرية في  روايتك، وما الاستنتاجات التي وصلت إليها حول الطبيعة البشرية؟

الطبيعة البشرية متغيرة بالضرورة، تحاول التكيف مع مختلف الحالات التي تواجهها، ولكن يمكن أن يتخذ هذا التكيف أشكالًا متعددة من السلوكيات، تتراوح بين الطمع والمرونة، وبين المعارضة للآخر والتفاهم معه، وبين رغبة في السيطرة عليه والاحترام الذي يجب أن نظهره له، هذه الرغبة في استغلال الإنسان من قبل الإنسان هو ما يخلق الصراعات، دون أن يكون الشخص على علم بالآثار الهدامة التي ستكون لهذه الصراعات كنتيجة سلبية على المدى المتوسط والبعيد، ليس فقط على الآخر، ولكن أيضًا على الذات، كما تُظهر تطورات العالم لنا للأسف أن الإنسان يعطي الأولوية للربح الشخصي على حساب المصلحة العامة.

هل يمكنك التحدث عن الغاية الإبداعية وراء دمج الأسئلة الشخصية التي تطرحها وتلك التي يجب على المجتمع مواجهتها في عملك؟

لا يمكن لأي شخص أن يكون كيانًا منفصلاً عن بيئته، فهو يشكل جزءًا من المجتمع، وبالتالي فإن أي سؤال يطرحه أو حالة يعيشها لها تفاعل دائم مع محيطه، سواء كان عائليًا أو صديقًا أو مهنيًا، وفي هذا النص يتم وصف هذا التفاعل بشكل مستمر في علاقته الناشئة مع الأسئلة الشخصية إلى الأسئلة الاجتماعية، هذا التحرك كموجة مستمرة يغذي كلاهما بشكل مستمر دون رد من المجتمع، لا يمكن للفرد سوى الغرق في نفق لا نهاية له، لذا فمن الضروري ربط أي سؤال شخصي بتطور البيئة التي يتم فيها تقديم هذا السؤال، سواء كانت ملموسة وموضوعية، أو وجودية وشخصية.

ما الذي تتمنى أن يشعر به أو يفكر فيه القراء بعد قراءة كتابك؟

البحث عن السلام، السلام مع الذات والسلام مع الآخر.