شعار ما ننطيها الذي عاد بقوة

نوري المالكي صفحة سياسية سيئة من تاريخ العراق لا تريد أن تطوى.

قالوا عنه رجل الدولة العميقة الذي لا يعترف بهزائمه وإنكسارته أمين عام حزب الدعوة، رئيس وزراء العراق الأسبق تولى إدارة الحكومتين العراقية المتعاقبتين من بعد حكومة إبراهيم الجعفري (2005-2006) لغاية حكومة حيدر العبادي، القيادي في الحزب الذي إنشق عنه.

نوري المالكي رجل الإسلام السياسي تولى رئاسة الوزراء لولايتين متتاليتين من عام 2006 لغاية 2014. في سنوات حكومته مرت على العراقيين أسوأ حقبة زمنية في تاريخ العراق. صفحات من الألم والموت والطائفية وسقوط أجزاء من الوطن بيد داعش، هروب أعتى المجرمين والإرهابيين من سجونهم المحصّنة التي يحيط بها الحراس، قتل مجاني في الشوارع، تفجير وزارات ومؤسسات حكومية، سيارات مفخخة، جثث متفحمة في الطرقات، حتى أصبح الشعب يطلق على أيامه ويصفها بالأحد الدامي وكذلك الإثنين الدامي وكل أيام الأسبوع الدامي.

اكتسب عداوة الجميع وصداقتهم. حاول تدويل الإرهاب الذي يضرب بمطرقته البلد إلى مجلس الأمن الدولي عندما اتهم بشار الأسد ونظامه بالضلوع في ذلك الإرهاب الجنوني لولا التدخل الإيراني الحليف للأسد الذي طالبه بالتريث والتعقل.

توترت في عهده العلاقة مع الجوار الخليجي حتى تعالت أصوات مجموعات تهدد بالقصف الصاروخي لعواصمهم، ومآسي ومصائب ربما لن يستوعبها دفتر الذكريات لكي يحفظها في سجلاته الممتلئة. ورغم كل الذي حدث في المشهد العراقي وقبل أن تنتهي ولايته الثانية بتدخل خارجي وإرادة داخلية اتفقت على رحيله، كان المالكي أمام الفضائيات يتباهى ويصيح "هو أكو واحد يكدر ياخذها حتى ننطيها.. بعد ما ننطيها".

انتهت حقبة المالكي حتى ظن الجميع أنها منسية حال الذكريات المؤلمة التي مرت بصفحات متنوعة على العراقيين في تجارب مآسيهم وأحزانهم.

رغم إن حقبة المالكي كانت من الخطأ وصفها بالسيئة، بل الأسوأ، إلا أن الذاكرة حاولت أن تنساها وتسمح لها بالمرور والرحيل بهدوء عن المخيلة التي أتعبتها الأحداث وأرهقتها قصص العراق التي لا تنتهي. غادر المالكي كرسي السلطة وانزوى متنقلاً ما بين البعد والقرب من صانعي القرار والسياسة.

إعتقد الشعب أن الرجل قد ترك عالم السياسة إلى غير رجعة، لكنه كان واهماً ومتوهماً حين عاد "أبو إسراء" بقوة وإصرار أكبر مما كان عليه ليتسيّد المشهد السياسي. لم تؤثر فيه أو تهزه تلك التسريبات التي إتهم بها الجميع حتى مقربيه. إعتقد البعض أن مشواره السياسي سينتهي أمام محاكم القضاء.

لم تكن تلك التسريبات سوى زوبعة في فنجان. دخل بقوة إلى حلبة الصراع السياسي مع غريمه مقتدى الصدر وبالنهاية انتصر.

أعترف أن نوري المالكي ليس بالسهل، ربما لأنه يمثل الدولة العميقة والسلاح الذي يخيف الدولة المؤسساتية ويجعلها عاجزة عن مواجهته والتصدي له، وربما لأنه يجد من يؤازره أو يدعمه من الجارة الشرقية، وبالتأكيد المال السياسي الذي يوزع. أو من الممكن أن تكون كل هذه الأمور وغيرها مجتمعة تجعله لا يغيب عن مشهد السياسة في العراق.

نقرأ كثيراً ونبحث أكثر في عالم السياسة عن أجوبة تشفي الغليل لأسئلة محيرة غامضة تختزلها عقولنا الساذجة، هي من أين يستمد هؤلاء كل ذلك الجبروت والطغيان؟ ألا يستسلمون ولو قليلا أو يتعبون؟ هل العلة في أبصارنا التي تراهم بأحجام أكبر من حجمهم الطبيعي؟ صور لخداع البصر كأن يكونوا نموراً من ورق مثلاً؟ حكايات الكاميرا الخفية التي يصبح ويمسي عليها العراقيون؟ وقد يكون عالم السلطة الذي يستبيح لهم ويمنحهم كل هذا الإنتشار.

نقف عاجزين عن تفسير يقنعنا كيف لا يسقطون في قعور الانزواء والانهزام؟ لماذا لا يعتكفون على الأقل لكي ننساهم بعض الوقت؟ أسئلة كثيرة تضج بها عقولنا الساذجة.

أصبحنا وأصبح الملك لله على حكومة السوداني حين وجدنا أن نوري المالكي يتقدم الركب وكأنه الأب الروحي لهذه الحكومة، عندما قالوا أن الضربة التي لا تكسر ظهرك فإنها تقويك، لم نكن ندرك أن تلك الضربات ستجعلهم بهذه الأحجام من الطغيان والجبروت.