شعراء مصريون يختصرون صورة أميركا في رئيسها

مصطفي محمد أبوطاحون يستكشف موقف الشاعر المصري الحديث من الآخر متمثلا في أميركا برموزها كافة.
جويدة يستغيث ببوش ليحمي فتيات البوسنة
الشرقاوي يعرض على ترومان سجل الإجرام الأميركي
الغاياتي يواجه جفرسون بجرائم دولته

القاهرة ـ من أحمد رجب

"حكى الأصمعي عن ابن أبي طرفة: كفاك من الشعراء أربعة: زهير إذا رغب، والنابغة إذا رهب، والأعشى إذا طرب، وعنترة إذا كلب. وزاد قوم: وجرير إذا غضب"، ويلاحظ أن كل تلك الحالات مرتبطة بالآخر، سواء كان نظيرا أو نقيضا أو مختلفا، وبالرغم من هذا الحضور الكثيف للآخر في الشعر العربي إلا أنه لم يحظ بعناية الدارسين، ففيما نعلم لم يدرس هذا الموضوع إلا أن الأكاديمي فوزي عيسى في كتابه "صورة الآخر في الشعر العربي" في مفهومه للآخر كان شديد الاتساع فشمل الفرس والروم بالنسبة للشاعر القديم، والغرب في إجماله بالنسبة للشاعر الحديث. 
وها هو الدكتور مصطفي محمد أبوطاحون يعود لدراسة الموضوع مقتصرا على الآخر الأميركي في كتابه، وذلك في كتابه الصادر في القاهرة عن دار البشير في 204 صفحات، "الحضور الأمريكي في الشعر المصري الحديث" حيث يستكشف موقف الشاعر المصري الحديث من الآخر متمثلا في أميركا برموزها كافة، ابتداء من عملتها وثقافتها وحتى رئيسها، ويؤكد بداية وعيه بالفارق بين الوجه الحضاري لأميركا والوجه الإمبريالي، وقد وعي الشعراء أيضا ذلك الفارق بين الوجهين فمع سطوع الوجه الحضاري نجد الشاعر  معجبا منبهرا ، لكن إذا رأى من أميركا وجهها الاستعماري المعتدي فثمة رفض ومقاومة.
وهو ما يتبدي في الفارق بين رسالتي أحمد شوقي وعبدالرحمن الشرقاوي إلى رئيسين أميركيين، فأمير الشعراء دبج قصيدة "أنس الوجود"  للترحيب بتيودور روزفلت حينما زار مصر في طريق عودته من السودان في عام 1919، وفيها يزهو بآثار مصر التي يراها الضيف المنحاز للاستعمار البريطاني لمصر والسودان، بينما قصيدة عبدالرحمن الشرقاوي "من أب مصري إلى الرئيس ترومان".
صورة أميركا
الكتاب فصلان طويلان أولهما بعنوان "ماهية أمريكا.. صورة شعرية" ويجيب فيه عن سؤال "كيف رأى الشعراء المصريون الولايات المتحدة؟"، من خلال مناقشة ديوانين واثنتي عشرة قصيدة أغلبها موجه كرسائل للرئيس الأميركي، ويميز الدكتور أبوطاحون في دراسته بين تيارين أحدهما يسميه "تيار الهمس الرقيق"، والثاني "تيار المواجهة أو العتاب العنيف"  وتلك التسمية ليست وصفا قيميا بل توصيفا إبداعيا. 
وفي التيارين معا يبدو الرمزان الأميركي والصهيوني وجهان لعملة واحدة، وكما يبدو في قصيدة للشاعر وحيد الدهشان:
"شارون بوش بعين كل شعوبنا
وجهان فوقهما علامات الخطأ"
ويلحظ الباحث اهتماما كبيرا من الشعراء المصريين بأن تكون قصائدهم رسائل للرئيس الأميركي المعاصر للشاعر وقت القصيدة، يستوي في ذلك المشهور والمغمور، الهامس والغاضب المواجه. 
فها هو على الغاياتي يواجه جفرسون بجرائم دولته بشكل مجمل، بينما عبدالرحمن الشرقاوي عرض على ترومان تفصيليا سجل الإجرام الأميركي في كل القارات، لكن لم تكن كل القصائد بتلك الحدة، فها هو فاروق جويدة يستغيث ببوش ليحمي فتيات البوسنة من الاغتصاب "يا سيدي بوش العظيم/ أرجوك يا مولاي/ أن تحمي بكارة طفلة/ من جس أشباه الرجال". وبعد غزو العراق يعاتبه "ماذا تركت الآن في بغداد/ من ذكرى/ على وجه الجداول/ غير دمع كلما اختنقت يسيل".
وهكذا تبدو صورة أميركا وفقا للنماذج التي اختارها الكتاب هي صورة الدولة الأقوى في العالم، ولا يرى الشاعر إلا سطوتها لذا يتوجه بالخطاب مباشرة إلى رئيسها منددا بجرائم دولته، ومشيرا إلى التناقض بين ما تدعيه أميركا وما تمارسه، كما في تعريض أحمد تيمور بتمثال الحرية "خاصمت هذه المدينة/ التي تعتقل الإنسان/ في مكعب من القرميد/ فوق جانبي كل جزيرة / معراة/ مسماة بمانهاتن/ وتمنح الحرية التمثال/ مطلقا سنا شعلتها بكفه اليمين". فهي تعتقل الإنسان وتمنح الحرية للتمثال.
الرؤية والأداة
أما الفصل الثاني "التقنيات الشعرية في فن خطاب الآخر الأمريكي" فيشغل ثلثي صفحات الكتاب في محاولة لتلمس الكيفية التي عبر بهاء شعراء مصر عن أميركا. ويبين كيف تآزرت الرؤية الفكرية للشاعر مع الأداة أو تشكيله الجمالي، فمثلا اعتمد الشعراء الذين تناولتهم الدراسة على  كل من "المفارقة" و"المقابلة" كتقنية لغوية وبديعية تسهم في الكشف عن الهوة السحيقة بين ما يدعيه الآخر الأميركي من أقوال وما يأتيه من أفعال.  
وقد تكون المفارقة معجمية كقول الشرقاوي في رسالته إذ يخاطب ترومان قائلا: "فإن تملكوا الذرة المفنية/ فإنا لنمتلك التضحية/ ونمتلك الذرة البانية"، فالمقابلة هنا محصورة بين "المفنية والبانية"، وقد تكون المفارقة سياقية كما في قصيدة فاروق جويدة بين سلطان يتوجه الجلال/ وبين سفاح تطارده الفضائح”.                                                                                
ومن أكثر الدلالات شيوعا في النماذج التي اختارتها الدراسة دلالة المقابلة على التحول كما في قصيدة  أحمد تيمور "أميركا / رأيتها في ساعة المضاء/ شعبا من شعوب النار/ ينطفي دقيقة / لكي يعود يشتعل".
وقوله أيضا في قصيدة أخرى من نفس الديوان "محاكمة أمريكا": "أمريكا حلم وكابوس/ عيد أو وعيد/ جنة محفوفة أسوارها/ بنار".
وهو نفسه التناقض الذي أظهره سابقا الشاعر على الغاياتي في قوله:
"فهل أعداك طبع الوحش حتى                                                                    
عبست وأنت في دار ابتسام".
 نفي الآخر
كذلك كثر استخدام الشعراء لأسلوب النفي، فإذا كانت جملة التعامل اللغوي منشؤها الحركة النفسية من ناحية، والمدرك العقلي من ناحية أخرى، فإن طبيعة الرسالة وكونها بين طرفين متخالفين، أجاب أحدهما (الأنا) على مبادلة (الآخر) سوءا بسوء، فاتسقت بنية الرسالة مع بنية النفي، وقد كان النفي في القصائد التي تناولتها الدراسة تقنية فنية ومعادلا موضوعيا في نفس الوقت، لذا أشهر الشعراء "لا" النافية في وجه الآخر، رفضا له ومقاومة لعدوانه واعتراضا على تناقضاته ومخاتلاته. وربما احترازا من إمكانية فهمه خطأ. 
وقد بدا النفي أحيانا سبيلا إلى تحدي الآخر كقول الشرقاوي: "ولست أقدم طي الخطاب/ دماء ابنتي/ ولا زوجتي"، أو قول وحيد الدهشان: "يا بوش لا تفرح/ فأنت لست غير مسيلمة".
وهكذا اتسقت بنية النفي في القصائد مع طبيعة القصائد نفسها كخطاب نفي للآخر، إذ عمدت الذات إلى نفي الآخر أسلوبيا في مقابل نفي الآخر للذات واقعيا. (خدمة وكالة الصخافة العربية).