شوقي لم يدع فضيلة إلا دعا إليها

الباحث الفلسطيني عزت فارس لا يرى في ديوان شوقي على طوله، وكثرة قصائده وتنوع موضوعاته، ما يخدش الفضيلة أو يسيء إلى الخلق الكريم، بل العكس تماما.

لا يرى الباحث الفلسطيني عزت فارس في ديوان شوقي، على طوله، وكثرة قصائده وتنوع موضوعاته، ما يخدش الفضيلة أو يسيء إلى الخلق الكريم، وليس هذا بالوصف الدقيق، إنما الوصف الدقيق أن شوقي لم يدع فضيلة إلا دعا إليها، ولا خلقًا كريمًا إلا حضَّ عليه، فلم يقنع بالرضى القلبي أو الصمت السلبي، بل قرن ذلك بالقول المودد والدعوة القوية الصريحة، نعم إني لا أعلم نصيب  العمل من قوله ومما يدعو إليه. ولكني أعلم أن شعره قد امتدح أمهات الفضائل وقبَّح مساويها، فنادى بطاعة الله، واحترام الدين، وحب الوالدين، والوطن، واتحاد أبنائه، واحترام العلماء:

قم للمعلم وَفِّه التبجيلا ** كاد المعلم أن يكون رسولا

هذا البيت الشعري الذي أصبح يتغنى به الطلبة تماما كما يتغنى به المعلمون.

وإكبار السلف، والعطف على الفقراء، ومساعدة المحتاجين، وتأييد الحق ونصر أهله، واجتناب الأذى باليد واللسان والأعضاء كلها، ومدح الأخيار والأبرار، وترك الخنا وقول الزور وأنواع الإساءة والأذى فوق ما نادى به من طلب العلوم قديمها وحديثها، والتسلح للحياة بسلاح العصر الحديث، والعناية بالمادة والروح معًا، واقتباس ما يلائمنا من الحضارات المختلفة، مع اعتزازه بدينه ومصريته وعروبته وشرقيته، مما يدل على أنه أدى رسالته الأدبية (الخاصة والعامة) بوصفه شاعرًا إنسانيًّا، وشاعرًا مصريًّا وعربيًّا على خير نهج لم يسبقه إليه شاعر عربي.

ويؤكد عزت فارس في كتابه "النزعة الإسلامية في شعر شوقي"، الذي صدر في عمّان 2010، أن أخلاقه تنبع من أخلاق المجتمع العربي المسلم، وقد وضع نفسه في بوتقة إسلامية، فكان حقيقًا يدور في هذا الفلك، ويبتعد عن قول الخنا ودعوة الرذيلة.

لقد أخذ نبع الشعر يتفجر تفجرا، وفاضت عينه العذبة نضاخة فملأت قلبه وساحت على جانبيه، استيقظت روح شوقي، وكانت شهرته قد طبقت الآفاق شرقه وغربه، فكان بيته مجتمعًا للأدباء والشعراء، وحتى الآن لا يزال اسمه يدوّي في آذان العرب كأنه تراتيل السحر.

ويشير فارس أن شوقي كان نفسا حيَّا نابضًا في قيثارة تترى بالأنغام الشجية، يعزف عليها ألوانًا عديدة من الأنغام الحالمة تعبر أصدق تعبير عن حياة الشعب كل الشعب، بعد أن حرّر نفسه من السير في قطب القصر ورحاه، وأصبحت قصائده أغاني شعبية يهيم بذكرها لسان كل عربي، بله ولسان كل مسلم، إذا عمدنا إلى قصائده الإسلامية.

ويضيف: لقد كان معجزة القرن وآية الزمان، ذو خيال متألق، وبديهة طيّعة تنثال عليه المعاني انثيالا، حاضر الذهن، يقظ الروح والقلب، تفيض العبارات على لسانه مكسوة بأبلغ البيان، وكان عندما يكتب لا  يشعر بنفسه نظرًا لتوارد المعاني والأفكار عليه وانثيالها عليه انثيالا، فقد كان في الشعر القدح المعلّى بين أبناء عصره.

ويوضح الباحث الفلسطيني أن شوقي استطاع أن يقول في مختلف فنون الشعر، وأن يبدع في الفن الشعري القصصي المستلهم من أمجاد التاريخ الإسلامي.

فـ "نهج البردة"، على سبيل المثال، القصيدة التي تناقلتها الألسنة، وحفظتها الأفئدة، هذه هي نغمة شوقي، تلك الأغنية العذبة في فم الزمان، التي حفظها الملايين في معظم الأقطار الإسلامية، واهتم بها شداة الأدب ورواد الثقافة، فنهلوا من معينها، وارتوَوْا من غديرها، وقالوا على شطآنها. وهي أثر جليل من آثار شوقي، حُق له أن يفخر بها، وأن يُسامي.

ولشوقي غير البردة في المدائح النبوية في مناسبات عديدة، منها ذكرى المولد النبوي، ثم الهمزية، وإلى عرفات.

أما قصيدته في "نكبة دمشق" فيرى فارس أنه تستحق وقفة تحمل كل معاني الإجلال والإكبار لهذا الشاعر الذي امتلك بين حناياه قلبًا خافقًا وثَّابًا، يشعر في كل ما يصيب أية دار من ديار الإسلام من أقصاها إلى أقصاها، منصِّبًا نفسه بصورة أبدية المحامي الأول عن أرض العروبة والإسلام، فتضمنت أبياته حكمًا خالدة كانت وما زالت وستبقى في فم الزمان تنعم بالخلود وتتردد على الأفواه، وتلهج بذكرها الألسن.