صبري موسى كما يراه النقاد

الناقدة أنس الوجود رضوان تسعى إلى تقديم الكاتب الراحل صبري موسى من خلال ما كتبه نقاد جيله عنه.
فكرة "فساد الأمكنة" بدأت عام 1963 عندما قام الكاتب برحلته الأولى إلى جبل الدرهيب
ما يميز صبري موسى أنه يستغل ثقافته العريضة في أعماله من خلال حس واقعي عميق

القاهرة ـ من أحمد مروان

تسعى الناقدة أنس الوجود رضوان في مؤلفها النقدي "الكتابة على الحافة الحرجة.. صبري موسى كما يراه النقاد"، إلى تقديم الكاتب الكبير صبري موسى من خلال ما كتبه النقاد عنه، خاصة أن جيله كما ترى المؤلفة كان يتمتع بالريادة في النقد الأدبي.
وفي انطلاقها من مقولة "أن الكاتب ابن بيئته"، يكتشف القارئ أن صبري موسى عاش في بيئات مختلفة منها ما هو ساحلي وما هو صحراوي، وتنقل بين الأخضر واليابس والوادي والصحراء. ولا شك أن البيئة الساحلية قد أثرت كثيرًا  في أسلوبه عبر اللغة الأدبية العالية التي تميز بها في سرده القصصي، ومقالاته الصحفية المختلفة.
تُرجمت مجموعة من الإبداعات الخاصة بصبري موسى إلى العديد من اللغات المختلفة كالإنجليزية والألمانية والإيطالية والروسية والصينية، وغير ذلك من لغات. وفازت  روايته "فساد الأمكنة" بجائزة بيجاسوس الدولية، وتُرجمت إلى اللغة الإنجليزية، ونُشرت طبعتها الأولى عن دار هوتن مفلن الأميركية في بوسطن 1980، وفي عام 1990 صدرت الترجمة الألمانية لهذه الرواية في طبعة شعبية عن دار ريكلام الألمانية الشهيرة في لايبزج.
وما يميز أسلوب موسى جموحه ناحية التشويق بالنسبة للعنوان الإبداعي الذي يختاره لقصصه ورواياته ومقالاته الصحفية المختلفة، ومن أمثلة ذلك في مجال المجموعة القصصية القصيرة مجموعة "القميص"، و"وجهًا لظهر"، و"مشروع قتل جارة".
وفي مجال الرواية ظهر ذلك في رواية "حادث النصف متر"، و"السيد من حقل السبانخ"، ولقد طبَّق موسى القواعد المختلفة التي تعلَّمها في القص والصحافة من معين إبداعي عالٍ له مزية كبيرة في ظهور أسلوبه المتميز الذي أثر تأثيرًا كبيرًا في قُرائه المختلفين في زمنه وحتى العصر الحديث.
فساد الأمكنة

يكشف الكتاب أن فكرة رواية "فساد الأمكنة" بدأت عام 1963 عندما قام برحلته الأولى إلى جبل الدرهيب قُرب حدود السودان، وكانت فكرة الرواية قد تشكلت داخله أثناء هذه الرحلة، ثم عاد إلى الدرهيب مرة أخرى عام 1965 خلال زيارته لضريح المجاهد الصوفي أبي الحسن الشاذلي المدفون عند "عيذاب". وفي هذه المرة قد تبلورت الفكرة وقصد النية نحو الرحلة إلى كتابة الرواية.
هذه الفترة التي عايشها الكاتب من قبل عام 1952 مرورًا بالثورة ثم مرحلة النكسة وحتى الانتهاء منها 1969 شكَّلت جزءًا كبيرًا من موروث الكاتب الاجتماعي وما عايشه المجتمع المصري من أحداث الفساد والسيطرة على كنوز مصر من قبل الاحتلال وحتى من الملكية الفاسدة وانتهاء بوصوله إلى أقاصي القطر وما سجله في روايته ما هو إلا مزج بين كل هذا، فنجد سيطرة المستعمر في حرية التنقل في أجزاء الوطن شماله وجنوبه بحثًا عن الكنوز المدفونة فيه، وهذا ما وضح مِن قِبَل البطل ومهندس التعدين الذي أغواه بالمجئ إلى تلك البلاد.
يرى النقاد أن ما يميز صبري موسى أنه يستغل ثقافته العريضة في أعماله القصصية والروائية والصحفية من خلال حس واقعي عميق؛ حيث يقرأ الواقع المجتمعي من حوله، ويحاول من خلال ذلك أن يُلقي الضوء على هذا المجتمع بشكل، أو بآخر عبر أعماله المختلفة في الصحافة، أو في المنجز المعرفي القصصي لديه، وتعد أعماله المختلفة بمثابة ثورة على سلبيات المجتمع بموضوعية علمية في اقتفاء المنهج، وبتنوع إبداعي من نوع خاص.
احتفى النقاد بصبري موسى في النواحي القصصية والروائية والسينمائية، وقالوا عنه: من لم يقرأ صبري موسى ويستمتع بتلك الأنشودة العذبة من أناشيد الإبداع العربي، فقد فاته الكثير، وعليه أن يعوض هذا الذي غاب عنه بأن يطالع ما خطه قلم هذا الكاتب الرقيق والمثقف صاحب الرؤية العميقة دون صخب، والذي قدم للمكتبة العربية عددًا من الأعمال الأدبية ذات النفس المتفرد، تأتي في ذروتها واحدة من أجمل الروايات العربية وهي "فساد الأمكنة" التي اقتحمت مبكرًا مسارين جديدين على مستوى الشكل والمضمون، وكانت دون أدنى شك وبالإجماع بلورة فنية لا تزال تشع بهاءها على أفق يتجاوز الخريطة الإبداعية العربية.
على مستوى الشكل ارتادت "فساد الأمكنة" عالم الواقعية السحرية قبل أن تبلغنا إبداعات أدباء أميركا اللاتينية، ووضعت تحت أعين القارئ عالمًا غريبًا ومدهشًا، لم يتم البناء عليه واستثماره بأقلام أخرى إلا في النادر.

سي السيد الجديد
له مكانة مهمة بين الروائيين المعاصرين في العالم

وعن معظم النهايات المأساوية في روايته، كان موسى قد علق عليها بقوله: "إن المأساة في النهاية لم تكن مخططة أو مصممة منذ البداية، على أن تنتهي تلك النهاية المأساوية، الذي يحدث هو أنني أبدًا بالشخصيات وحدث يتحرك بهذه الشخصيات، ويواصل نموه وتطوره، وحين تجيء النهاية فإنها تكون نتاجًا طبيعيًا لحركة الشخصيات التي تقود الحدث والأحداث عندما يكتمل لها النضج وتصبح مستقلة بالفعل عن المخيلة القصصية، إنها هي تلك الشخصيات التي تقود الحوادث إلى نهايتها الحتمية، أرى أن الحكايات والأحداث ذات النهايات السعيدة غالبًا لا تثير انتباه الناس، وسرعان ما تغيب عن ذاكرتهم، أما النهايات الفاجعة فتدفعهم للتوقف والتفكير والتأمل بعد قراءة القصص، وهو ما يتيح الفرصة للأفكار المقصودة من العمل كي تصل إلى وعي القراء".
تقدم أنس الوجود رضوان أيضا في كتابها كلمة للناقد الراحل د. سمير سرحان، الذي يرى أن صبري موسى من ألمع كتّاب الرواية العربية من جيل ما بعد نجيب محفوظ. حفر لنفسه طريقًا متميزًا في الرواية، مستقلًا برؤيته الخاصة التي تعالج موضوعات وأحداثًا وشخصيات تقترب من الروح الملحمية. عندما يواجه إنسان العصر قدره، ليس فقط من خلال التصادم مع الموضوعات الاجتماعية السائدة، وإنما من خلال مواجهة حاسمة مع قوى كونية كبرى. وإذا كانت مسيرة صبري موسى في الرواية قد بدأت بالرواية الاجتماعية في "حادث النصف متر" مرورًا برواية الإنسان في مواجهة حاسمة مع قوى الكون والطبيعة في "فساد الأمكنة" فقد حطت به رحلته الروائية أخيرًا عند رواية المستقبل في "السيد من حقل السبانخ" التي انفرد بها وبرؤياه المستقبلية عن سائر الروائيين من جيله.
وبالرغم من قلة إنتاجه، فقد خرج موسى إلى مجال العالمية عندما ترجمت إلى الإنجليزية روايته العظيمة "فساد الأمكنة" التي تعتبر علامة كبرى في تاريخ الرواية، واحتفظت له بمكانة مهمة بين الروائيين المعاصرين في العالم.
ومن العناوين التي تضمنها فصول الكتاب: مقدمة للأعمال الكاملة بقلم سمير سرحان، مقتطف من مقال كلمات تحت الرماد بقلم د. محمد عناني – حياة صبري موسى الكتابة على الحافة الحرجة د. غالي شكري – مقتطف من دراسة حكايات صبري موسى، د. مجدي أحمد توفيق – مقتطف من دراسة عن مستقبل الأقصوصة المصرية  د. صبري حافظ – مقتطف من مقال الفرق بين الحكاية والقصة ، كمال النجمي – فساد الأمكنة، النص والنقد، فتحي إمبابي – سي السيد الجديد. السيد من حقل السبانخ أحمد هاشم الشريف- حكايات صبري موسى، كتابة ضد الكتابة، د. مجدي أحمد توفيق. مقاربة مع رواية حادث النصف متر، محمد أبو المجد.
يذكر أن كتاب "الكتابة على الحافة الحرجة" لمؤلفته أنس الوجود رضوان، صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2018. (خدمة وكالة الصحافة العربية)