طهران من حسابات النوعية الى الكمية

حتى حرب غزة وادعاء النظام الإيراني بالوقوف إلى جانب الفلسطينيين فيها لم تكن كافية لزيادة الاقبال على الانتخابات.

تميزت إنتخابات الاول من مارس في إيران عن غيرها من الانتخابات السابقة، إنها جرت ولأول مرة في ظل قلق واضح المعالم من جانب قادة النظام الايراني وفي مقدمتهم المرشد الاعلى علي خامنئي، وذلك من جراء عزوف الشعب الايراني عنها وعدم رغبته بالذهاب الى صناديق الاقتراع لعدم ثقته بوعود المرشحين ومن إنه يضيع وقته في أمر لايعود عليه بأية نتيجة إيجابية.

وإذا ماعطفنا هذه الانتخابات على إنتخابات 2019، فإن الملفت للنظر بينهما إن إنتخابات 2019 التي شهدت حضورا متدنيا واضحا. لكن إنتخابات الاول من مارس الجاري شهدت حضورا متدنيا غير مسبوق مما يمكن إعتباره بأن الشعبية التي طالما إدعاها النظام قد أكد الشعب عمليا على إنه يفتقدها والاهم من ذلك إن الشقة بينهما تتباعد بينه وبين النظام عاما بعد عام.

هذه الانتخابات التي جرت بعد أكبر إنتفاضة من نوعها بوجه النظام في عام 2022، أي إنتفاضة مهسا أميني، فإن الملاحظة المهمة جدا والتي يجب أخذها بنظر الاعتبار والاهمية البالغة هي إن النظام قد بذل كل ما في وسعه من أجل توظيف مسألتين من حيث حث الشعب الايراني وتحفيزه من أجل الحضور الى صناديق الاقتراع. المسألة الاولى؛ تأكيد النظام بأن حضور الشعب للإنتخابات ضروري جدا لأنه يتعلق بالامن القومي الايراني المهدد من قبل أعدائه الخارجيين أي أميركا وإسرائيل. والمسألة الثانية؛ الحرب الدامية في غزة من أجل إستدرار مشاعر الشعب وشدهم الى النظام لكونه، بحسب مزاعمه، الوحيد الذي يقف بقوة الى جانب الفلسطينيين في غزة. لكن الحضور المتدني على الرغم من مساعي النظام المبذولة منذ فترة طويلة نسبيا، أثبت بأن الشعب لم ينظر للأمر كما كان النظام يتمنى ويريد وإن الشعب قد فسر الامن القومي المزعوم بمصلحة النظام الخاصة!

وثمة ملاحظة أخرى يجب أيضا أخذها بنظر الاعتبار، وهي إن النظام قد سعى كثيرا والى أبعد حد من أجل دفع الشعب الايراني للحضور أمام صناديق الاقتراع حتى لو أعطى الورقة بيضاء كما أكد العديد من خطباء صلاة الجمعة في المدن الايراني، وحتى إن التسهيلات التي تم إتاحتها للشعب من أجل الذهاب الى صناديق الاقتراع كانت هي الاخرى غير مسبوقة بأن كان يمكنه أن يحضر أية وثيقة رسمية معه حتى ولو كانت شهادة سياقة أو بطاقة تموين وماشابه، وهو إن دل على شئ فإنه يدل على النظام لم يعد يهتم بنوعية الحضور بقدر إهتمامه بكمية الحضور وكثافته، وهذا مايثبت بأن النظام سعى في هذه الانتخابات من أجل إظهار إن الشعب الايراني لايزال يثق به والدليل هو حضوره الى الانتخابات، لكن الذي لفت النظر إن ذلك لم يحدث أيضا، ولذلك فإن الانتخابات وبحسابات الربح والخسارة، قد كانت خسارة واضحة المعالم لكن الاكثر إيلاما من الخسارة إن هذه الانتخابات قد أكدت بصورة وأخرى من إن آثار وتداعيات إنتفاضة مهسا أميني، لازالت باقية وعالقة في أذهان ووجدان الايرانيين.