ظلال نفسية: كيف يفكر الآخرون؟

فهم الأسباب النفسية الكامنة وراء رفض الأفكار الجديدة والمختلفة يفتح الباب أمام تقبلها والتكيّف معها.

لماذا تبدو مجتمعاتنا عصية على التغيير؟ لماذا يتم محاربة كل صاحب أطروحة تجديدية؟ لماذا لا يتم الاحتفاء بالمبدعين الا بعد وفاتهم؟ وايضا لماذا يتعامل الناس مع دعوات الاصلاح بعدوانية؟ ولماذا يقدسون اصحاب الدعوات الخرافية؟

بداية نتفق ان وتيرة النقاشات في القضايا السياسية والدينية والثقافية تزداد حدتها في مجتمعاتنا المعاصرة، وبشكل غير مسبوق بفعل انتشار وتعدد وسائل التواصل الاجتماعي، وعند وقوع الاختلاف بين الأشخاص تتباين ردود الفعل بشكل كبير.

واذا عمدنا الى استعارة التصنيف النفسي للشخصيات في التفاعل الثقافي والاجتماعي، لوجدنا ان ردة الفعل تجاه اختلاف وجهات النظر تنقسم طبقا لشخصية المتلقي الى عدة أنماط:

1- النرجسي: اذا كان متكبرا، فاعتبر أن علاقتك معه قد انتهت بالفعل. فالحوار معه بلا جدوى، ولن يُبصر الأشياء من وجهة نظرك ابدا. كل فكرة تطرحها معه تولد صراعًا، وكل صراع يفضي إلى انقسام، وكل انقسام ينهي العلاقة، ولذا لا مجال لتقبل الافكار المغايرة لاعتقاداته مهما بدت وجيهة.

2- الحدي: اذا كان غليظا فسوف يلجأ الى انهاء وجودك المعنوي، لا يناقش أفكارك، بل يهدم إنسانيتك، يفتش عن عثراتك ليُعرّيك، ويبحث عن أي هفوة ليُشهر بك، ينبش في جذور عائلتك ومكان إقامتك لينتقص منك، لا علاقة له بالحقائق، ولا يهمه الحوار البناء، بل يسعى لإسكات صوتك فقط.

3- المخادع: اذا كان انتهازيا، فهو يقيم الأفكار بناءً على فائدته الشخصية، اذ يحتفي الشخص النفعي بالأفكار التي يطرحها أصحاب المكانة المرموقة، سواء كانوا اثرياء او اصحاب نفوذ، ويتجاهل الأفكار التي يطرحها الأشخاص العاديون، لذا فهو يميل غالبا للافكار التقليدية، ويعادي الآفكار التجديدية.

4- الاجتماعي: اذا كان انسانيا، تحولت أفكاره إلى جسر يربطه بالآخرين، فكلما ازدادَ تنوع افكارهم، ازدادت متانة ذلك الجسر، مؤمناً بان التنوع رحلة نحو التكامل، وهو أهل لان يبحر في نهر الافكار المختلفة بلا خوف من الغرق، يساهم هذا النمط في الاثراء المعرفي وارتقاء الفكر.

5- المفكر: اذا كان مثقفا فسوف يعتبرك مكسبا مهما في حياته، ولن يفرط بعلاقته معك، لانه يؤمن بأن تآلف الفروقات هي خطوة لبناء فكر متكامل، وتلاقح العقول ينتهي دائما لتوليد أفكار أسمى، فكل اختلاف يمهد لرحلة انسانية نحو التكامل، وكل تنوع يعمق من قوة المعرفة.

6- المبدع: اذا كان فنانا فهو لن يُقيد نفسه بحدود الاتفاق أو الاختلاف، بل يُصب اهتمامه بتحويل الافكار إلى برامج تطبيقية، ايمانا منه بأن تيارات الفكر تصب في بحر الإبداع لاكتشاف الذات والآخر. ففي تناغم الفروقات تصنع سيمفونية فكرية تثري الانسانية وتلهم الأجيال.

ان فهم الأسباب النفسية الكامنة وراء رفض الأفكار الجديدة والمختلفة يفتح الباب أمام تقبلها والتكيّف معها، ويعد مدخلا مهما لفهم اسباب ردود الافعال وتباينها، بغرض تطوير مهارات التواصل بين أفراد من مختلف الثقافات.