عاطف الغمري يكشف كواليس الصحافة والسياسة المصرية

كتاب "في كواليس الصحافة السياسية" يتناول كل ما يجري في عملية صناعة الصحيفة، وما يصل للقارئ.
دور الصحافة في مصر مسجل في وجدان شعبها
الصحافة حملت أفكار الإصلاح الدينى للإمام محمد عبده

القاهرة ـ من أحمد مروان

يؤدي الصحفيون دورًا قضيته الأساسية "القارئ" الذي يتلقى الصحيفة كل صباح، منتظرًا منها أن تفتح أمامه نافذة، يعرف منها ما يجري في بلده، سواء بما تنقله عن الدولة، أو بما تجتهد هي من ناحيتها لمعرفة هموم وأماني المواطن ووضعها تحت عين الدولة.
يأتي كتاب "في كواليس الصحافة السياسية" لمؤلفه عاطف الغمري ليتناول كل ما يجري في عملية صناعة الصحيفة، وما يصل للقارئ، فالمتاح له هو المنتج النهائي. أما الكواليس ففيها أحداث قد تحجب معلومات بشأنها عن القارئ، لأسباب مهنية، أو رقابية، أو لطبيعة صناعة الصحيفة. عندئذ قد يشعر القارئ بأن ما حملته إليه السطور على الورق، لا تشبعه ولا تقنعه. 
ويعتبر هذا الكتاب حصاد تجربة ذاتية للمؤلف في عالم الصحافة لسنوات تجاوزت الخمسين. وفي عهود خمسة رؤساء للدولة تباينت فيها ظروف العمل الصحفي، والحياة السياسية.
ومن وراء الكواليس ينقل الكاتب بعضًا مما كان يجري من خلال معايشته ومشاهدته من حكايات وأحداث. بعضها غاب عن علم القارئ. وبعضها نقل إليه في صورة ناقصة وغير مكتملة. أو ربما لأنها صدرت لنا من دول خارجية في صياغة مراوغة، أو مصنوعة، لهدف يخصها. 
كلما أمسك القارئ كل صباح بصحيفته يطالعها، فهو يجدها تصحبه إلى عالمين: الصحافة والسياسة، والاثنان تجمع بينهما روابط، ليست قابلة لأن تنقطع، فكلاهما يأخذ من الآخر ويعطيه، والصحافة عمومًا، لم تكن أبدًا أوراقًا ترص فوقها الكلمات رصًا، وإلا كانت على هذا الشكل مصدر ضرر، قبل أن تكون وسيلة للنفع العام.
تاريخ الصحافة وحريتها
إن دور الصحافة في مصر مسجل في وجدان شعبها، منذ ظهور أول صحيفة وهي "وادي النيل" في عهد الخديو إسماعيل، التي كان قصده من صدورها، أن يضفي على حكمه وجود بعض لمسات المؤسسات ذات الحكم الديموقراطي، بعد أن كانت الصحافة حتى وقت توليه الحكم عام 1863، ممثلة في الجريدة الرسمية التي تنطق بلسان الدولة.

كانت الفترة من 1923 – 1930، مرحلة تحررت فيها الصحافة من كثير من القيود، إلى أن جاءت حكومة إسماعيل صدقي، فألغت دستور 23، وأتت بدستور 30، المقيد للحريات وتعالى التقييد على يد حكومات الأقلية، التي لاحقت الصحافة بالرقابة، والتضييق، والمصادرة، واستمر الحال على هذا النحو حتى قيام الحرب العالمية الثانية.

وفي الفترات التي كسبت فيها الصحافة مساحة من الحرية، حملت أفكار الإصلاح الدينى للإمام محمد عبده، والإصلاح السياسي الذي عبر عنه زعماء وطنيون مثل مصطفى كامل ومحمد فريد، وسعد زغلول، وغيرهم من الكُتَّاب الذين طرحوا أفكارًا نهضت بالحياة الاجتماعية وطورتها.
يقول الكاتب: "وهنا قد أسأل نفسي: هل ما أرويه في سياق هذا الكتاب، هو نوع من تجربة ذاتية؟ وهل يتلامس بعضه مع أدب الرحلات… أم هو استقصاء ميداني لأحداث شدت في وقتها الاهتمام، ثم توارت في دروب الذكريات، أم أنها تجمع بين هذا كله؟ ولم يكن القصد هو أن أطوف بعمومية الذكريات، بل أن ننظر معًا في مرآة، نرى فيها ما يهمنا في حاضرنا، ولعل رواية ما كان وما جرى عبر رحلة تجاوزت الخمسين عامًا من العمل الصحفي، تحمل إجابة على السؤال".
ولو كان القارئ يمر بعينيه على رص الكلام، ما عرف التاريخ المصري هذه الأفكار التي غيرت أوضاع المجتمع، وجعلت القارئ يقرأ الصحيفة بوجدانه، فتحولت مادتها المكتوبة إلى موضوعات المناقشة اليومية في غالبية الجلسات السياسية، وفي لقاءات الأصدقاء، واللقاءات العائلية، ثم تحولت حصيلة ذلك كله، إلى تيار دافق من رأي عام متنور، واعٍ بأمور بلده، وبالتيارات السياسية إقليميًا ودوليًا، لهذا كانت الصحافة شريكًا رئيسيًا في إثراء الوجدان المصري، بالفهم المتعمق للأمور، والاكتراث، وعمق مشاعر الانتماء، إلى أن أطلق هذا الوجدان ثورة 19 بشكل فعال.
ويعتبر المؤلف أن صدور دستور 32 توج دور الصحافة بالنص فيه، وللمرة الأولى على حرية الصحافة، وعلى الرغم من تحفظاته على بعض ما جاء به من مواد، فكانت الفترة من 1923 – 1930، مرحلة تحررت فيها الصحافة من كثير من القيود، إلى أن جاءت حكومة إسماعيل صدقي، فألغت دستور 23، وأتت بدستور 30، المقيد للحريات وتعالى التقييد على يد حكومات الأقلية، التي لاحقت الصحافة بالرقابة، والتضييق، والمصادرة، واستمر الحال على هذا النحو حتى قيام الحرب العالمية الثانية. 

كانت الصحافة شريكًا رئيسيًا في إثراء الوجدان المصري
أطلق هذا الوجدان ثورة 19 بشكل فعال

ومع انتهاء الحرب، أخذت الصحافة تعيش منذ عام 1946 أزهى عصور حريتها، يشهد على ذلك ازدهار مصر بالكُتَّاب والمفكرين الذين أحدثوا صحوة فكرية؛ أيقظت حس الرأي العام تجاه الأوضاع التي لم تكن موضع قبول منه، فكانت أفكار ثورة 23 يوليو 1952، قد غرست مبكرًا في وجدان المصريين، حتى من قبل أن تقوم الثورة، فلم تكن الثورة فكرة راودت خاطر مجموعة الضباط الأحرار، ليقدموا بعمل يعبر عنهم، لكنهم تحركوا من قلب واقع اجتماعي وسياسي، جاهز ومهيأ سلفًا للتغيير، وهم جزء منه، أو كانوا هم طليعته ليلة 23 يوليو 52.
ينقسم الكتاب إلى ثلاثة فصول هي "كواليس الصحافة في عصر عبدالناصر"، الفصل الثاني عنوانه "عالم مختلف"، والفصل الثالث "نظرية مبارك: دعهم يكتبون ولنفعل نحن ما نريد"، وفي كل فصل ثمة عناوين فرعية للمقالات كاشفة عن أثر ودور لشخصيات مهمة : موسى صبري رئيسًا للتحرير ومحررًا في الوقت ذاته، إحسان عبدالقدوس في أخبار اليوم: حكايات مواقف في الكواليس، عبدالناصر وإحسان: صداقة بشروط، في أول لقاء مع عبدالناصر عقب النكسة شعرت أنني أرى شخصًا آخر، توفيق الحكيم بين رضا السادات وغضبه، لقاء سري مع جلال طلباني، لحظة غضب مبارك في جلسة حوار مع فريد زكريا، آراء عمرو موسى السياسية ليست على هوى مبارك، وغيرها من العناوين المثير لشهية القارئ.
يذكر أن كتاب "في كواليس الصحافة والسياسة" لمؤلفه عاطف الغمري، صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2018، ويقع في 173 صفحة من القطع الوسط. (خدمة وكالة الصحافة العربية)