عبدالوهاب الروحاني يطلق 'حوارات بلا افق في الصراع اليمني'

وزير الثقافة اليمني السابق والأستاذ المحاضر في الاتصال السياسي والرأي العام: خمس قضايا يمثل التوافق عليها مدخلا عمليا للحوار بين اليمنيين.

أكد وزير الثقافة اليمني السابق والأستاذ المحاضر في الاتصال السياسي والرأي العام د.عبدالوهاب الروحاني أن محطات الضيق والانسداد التي مر بها اليمنيون منذ ما قبل انفجار الوضع فيما تسمى بثورة "الربيع اليمني"، كشفت عن عقم تجربة اليمنيين في العمل السياسي، وإعمال الحوار، فاليمنيون إذا ما اختلفوا تقاتلوا، وما أن يصابوا بالإنهاك حتى يعودوا إلى الحوار، ولكن الحوار الملغوم الذي يقود مجددا إلى الانفجار.

وأضاف في كتابه "البندقية والعقل.. حوارات بلا افق في الصراع اليمني" الصادر أخيرا عن مؤسسة أروقة "هكذا، ظل اليمنيون على تقاطع مع الكلمة والحوار، يقفون على فوهة بركان مصدره الجهالة، وغياب روح الانتماء والإحساس بالمسئولية والوطن.. وثقافة اليمنيين ليست غريبة عن ثقافة المنطقة المحيطة، بل هي امتداد لثقافة عربية إسلامية نشأت على الاستبداد، الذي توارثته المجتمعات والأجيال بمقابل مقاومة العصر واستيعاب معطياته.

ركز الروحاني في كتابه على قضية الحوار بين فرقاء العمل السياسي، ومستحضرا نماذج من الحوارات التي غالبا ما كانت تتحول إلى مناكفات وقطيعة ثم حرب.. ويقف أمام قضايا مفصلية، شكلت (ولا تزال) مصدر خلاف حاد بين القوى المتصارعة على السلطة، مؤكدا "مشكلتنا في  هذه القضايا هي "الحوار"، الذي ضاع بين مناجات حوار الكلمة وفعل حوار البندقية.. الخلاف على قضايا ربما هي مهمة لكنها صغيرة، قادت إلى القتل والتدمير وضياع الدولة والوطن.. والسبب أن كلا يريد أن يفرض رأيه ومنهجه وطريقته في الحوار.. وعلى طريقة "قلايتي وإلا الديك"..

وأوضح أن طريقة "قلايتي وإلا الديك" تنطلق من السيرة الشعبية اليمنية "يحكي اليمنيون في سيرهم الشعبية، أن ديكًا كان يتسلل يوميا إلى حوش أحد بيوت الجيران ويلتهم حاجته من حبات القلا (الفول) أحد أنواع البقوليات، وكان كلما رآه صاحب البيت ينفجر غضبا ويحاول اللحاق به لقتله، لكنه يفشل في الظفر به، فالديك سريع ومراوغ، وأخيرا قرر الذهاب إلى صاحب الديك وقص عليه بانفعال وغضب شديدين قصة الديك والقلا.. وطلب استرجاع ما التهمه عينا أو تسليم الديك.. استغرب الرجل من حمق جاره، وقال له هذا غير معقول!!، لكني سأعطيك مقابل كل ما أكله ديكي وأزيد بما تريد.. ركب العناد صاحب القلا، وأصر على طلبه، وقال "قلايتي وإلا الديك".. وهو مارفضه صاحب الديك، وكانت بداية شريعة ومحاكم وملاحقات، وعداوة لم تنته بين الجارين.. دفع كل منهما ثمنا باهظًا من وقته وماله وحياته لقاء حمقهما دون فائدة أو نتيجة ترتجى.. وصارت "قلايتي وإلا الديك" مثلا يدل على الحمق والغباء، وتمسك الخصوم بمواقف متشنجة لا تقدم ولا تؤخر، وهو نفس الحال الذي أوصلنا إليه حمق وغباء الفصائل والقوى السياسية اليمنية المتصارعة على السلطة منذ انبلاج الفجر حتى عودة الظلام".

وألقي الروحاني في الكتاب الضوء على فترة زمنية حرجة، فيها حوارات متشنجة وغير متكافئة، خلقت فجوة بين سلطة الرئيس صالح ومعارضة المشترك بزعامة الإصلاح (إخوان اليمن) ومشاركة الحزب الاشتراكي وما تبقى من الأحزاب القومية شبه المنقرضة (ناصرية، وبعثية)، ودينية ضعيفة متآكلة (اتحاد القوى الشعبية، وحزب الحق).

ولفت إلى أن الأوضاع توترت بنتيجة الانتخابات الرئاسية 2006م، التي ربح فيها الرئيس علي عبد الله صالح (مرشح المؤتمر وأحزاب التحالف الوطني – خليط من تفرعات اشتراكية، وناصرية، وبعثية، ودينية)، بعد تنافس اتسم بالحدية مع فيصل بن شملان (مرشح أحزاب اللقاء المشترك بزعامة الإصلاح)، وتفاقمت الأزمات اليمنية، ووصلت البلاد خلال الفترة ما بين 2006-2011 إلى لحظة الانفجار، وخرج الوضع عن السيطرة بتفجر أحداث ما سمي بثورة الربيع العربي (اليمن) في فبراير 2011، وخروج الرئيس صالح من السلطة ليخلفه نائبه الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي رتب لحوار وطني في الفترة مابين مارس 2013- يناير2014، انتهى بالإطاحة به من قبل شركائه في الحوار جماعة الحوثيين (أنصار الله)، بزعامة عبد الملك الحوثي. مذ ذاك، اختار الإخوة الأعداء البندقية طريقا لحل خلافاتهم.. لتمضي اليمن في طريق القتل وتدمير الوطن وتمزيق نسيجه ووحدته، لكن ذلك لن يستمر حتما.. فما يزال الحوار هو الطريق الأمثل للحل وتحقيق السلام.

كما استعرض الروحاني في الكتاب بعضا من سجالات تلك المرحلة، وناقش مواطن التقارب والافتراق، محاولا استنتاج الحلول.. فالطريق إلى السلام ليس سهلا وليس بعيدا، لكنه -بالتأكيد- ليس قريبا وليس سهلا كالطريق إلى الحرب والنار.

وخلص إلى خمس قضايا محورية يمثل التوافق عليها مدخلا عمليا للحوار بين اليمنيين، حيث تمهد الطريق لتحقيق السلام في بلد أثخنته الجراح، ودمرته الحرب، وأغرقت فيه البندقية واستوطنت فيه الفوضى واشتعال الحرائق:

أولا دستور: يضمن الحقوق والحريات ويحقق العدالة والمساواة ويحافظ على الوطن والوحدة وكرامة المواطن.

ثانيا وحدة: تنمو وتعزز قيام دولة يمنية قوية قادرة على البقاء.. ووطن محصن من الاختراق وتدخلات الغرباء الطامعين، يعيش في ظله اليمنيون أقوياء، معززين ومكرمين.. لا يقبلون بالوصاية ولا يميلون للارتهان كما هو حال الكثير منهم اليوم.

ثالثا المظلومية: مظلومية اليمنيين هي في النزعات العرقية والطائفية، وهي ميل النخب للغلبة والقوة، وهي في طبيعة الاستبداد الذي توارثوه من العشيرة إلى القبيلة ثم إلى السلطة، وهي أيضا في عدم احترام الدولة والنظام.

رابعا الفساد: آفة أمتنا، وداؤها الذي استوطن فيها، وأفسد الساسة والأحزاب، وعطل الأجهزة المعنية بمكافحة الفساد، وعرقل بالتالي السير باتجاه بناء الدولة.

خامسا حرية الرأي والتعبير: هي المكسب الأهم الذي تحقق بقيام دولة الوحدة في العام 1990م، وبالصحافة وحرية التعبير ستتعزز - بالتأكيد - خيارات القبول بالآخر، وسيتعزز أيضا مفهوم الرقابة والمحاسبة في المؤسسات العامة والخاصة.

وختم الروحاني أن معاناة اليمنيين لابد أن تنتهي، ولن تنتهي إلا بحوار يمني - يمني لا تنقصه الشفافية، ولا يتدخل فيه الجيران، سقفه هو الوطن وغايته هي بناء الدولة، وتحقيق حلم اليمنيين بإيقاف الحرب وإحلال التعايش والسلام بين الإخوة الأعداء.