عراقجي في الخليج لاحتواء التوتر مع واشنطن قبل زيارة ترامب

الزيارة تمثل رسالة دبلوماسية مزدوجة: أولاً لإظهار الاستعداد للحوار والانفتاح الإقليمي، وثانياً لمحاولة التأثير غير المباشر على مواقف دول خليجية قد تلعب دورًا في تخفيف حدة موقف واشنطن.
دول مثل السعودية لا تريد تأجيج التوتر في المنطقة وهو ما تعيه ايران جيدا

طهران/الرياض/الدوحة – تتحرك الدبلوماسية الإيرانية على نحو لافت في الأيام التي تسبق جولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الخليج، في محاولة واضحة لاستطلاع مواقف العواصم الخليجية من التطورات الإقليمية المتسارعة، على خلفية تهديدات أميركية باستخدام القوة العسكرية ضد طهران إذا ما فشلت المفاوضات النووية في التوصل إلى تسوية.
وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية الجمعة أن وزير الخارجية عباس عراقجي سيبدأ جولة خليجية السبت تشمل السعودية وقطر، حيث سيجري مباحثات مع مسؤولين كبار في الرياض، قبل أن يشارك في مؤتمر الحوار العربي-الإيراني في الدوحة، في خطوة تعكس سعي طهران لتفعيل القنوات السياسية واحتواء التصعيد، في وقت باتت فيه المنطقة على شفا مواجهة مفتوحة.
وتأتي زيارة عراقجي قبل أيام فقط من جولة ترامب التي من المقرر أن تبدأ في 13 مايو/أيار، وتشمل السعودية وقطر والإمارات، وتُعدّ أول زيارة خارجية له منذ عودته إلى البيت الأبيض. وبهذا التوقيت، تبدو الخطوة الإيرانية رسالة دبلوماسية مزدوجة: أولاً، لإظهار الاستعداد للحوار والانفتاح الإقليمي، وثانياً، لمحاولة التأثير غير المباشر على مواقف بعض الدول الخليجية التي قد تلعب دورًا في تخفيف حدة موقف واشنطن.
ورغم أن الخارجية الإيرانية قدمت الزيارة في إطار عادي يتصل بالعلاقات الثنائية ومشاركة عراقجي في مؤتمر حواري، فإن السياق الإقليمي الملتهب يجعل منها أكثر من زيارة بروتوكولية. فإيران، التي تخوض مفاوضات غير مباشرة مع واشنطن برعاية عمانية منذ أبريل/نيسان الماضي بشأن ملفها النووي، تدرك أن أي تصعيد عسكري قد تكون له تداعيات كارثية ليس فقط عليها، بل على دول الخليج كافة.
وفي ضوء التهديدات التي أطلقها مسؤولون أميركيون مؤخرًا، والتي تضمنت إمكانية اللجوء إلى "خيارات غير دبلوماسية" في حال فشلت المفاوضات النووية، تحاول طهران، عبر وزير الخارجية الايراني، دفع بعض العواصم الخليجية إلى القيام بدور موازٍ، عبر توجيه رسائل إلى واشنطن بضرورة التريث والالتزام بالمسار السلمي.
وفي مقدمة الدول التي تخشى تداعيات التصعيد تأتي السعودية، التي تسعى في هذه المرحلة إلى تثبيت الاستقرار الأمني في المنطقة كشرط أساس لإنجاح رؤيتها الطموحة "رؤية 2030"، والتي تشمل مشاريع ضخمة في مجالات الطاقة والسياحة والتقنية والبنية التحتية. وترى الرياض في أية مواجهة عسكرية محتملة تهديدًا مباشرًا لهذه الخطط، فضلًا عن انعكاسات كارثية على الأمن الإقليمي وسوق الطاقة العالمي.
ويأتي ذلك فيما تحاول المملكة أن توازن بين دعمها التاريخي للموقف الأميركي من إيران، وبين مصلحتها الحيوية في تجنب أي حرب جديدة في المنطقة. ومن هنا، قد تشكل زيارة عراقجي فرصة لإيران لتقديم تطمينات أو فتح قنوات تنسيق غير مباشرة تهدف إلى التهدئة، ولو مرحليًا.
وعلى الجانب الآخر، تواصل إيران والولايات المتحدة خوض مفاوضات شاقة حول برنامج طهران النووي، وسط أجواء من عدم الثقة وتراكم الشكوك. وكانت جولة جديدة من المحادثات غير المباشرة مقررة السبت الماضي قد تأجلت "لأسباب لوجستية"، وفق ما أعلنته سلطنة عمان، ما زاد من الشكوك حول فرص التقدم في هذا الملف.
ويُعد البرنامج النووي الإيراني محور التجاذب الرئيسي بين طهران وواشنطن، في ظل اتهامات أميركية لإيران بالسعي لتخصيب اليورانيوم لأغراض عسكرية، وهو ما تنفيه طهران. غير أن التلويح باستخدام القوة، كما أشار ترامب في تصريحاته الأخيرة، يدفع إيران إلى البحث عن دعم إقليمي يكبح جماح التصعيد ويعيد الملف إلى طاولة التفاوض.
وتزامنًا مع هذه التطورات، اندلع سجال جديد بين طهران وواشنطن حول التسمية الرسمية للخليج، بعد أن ألمح ترامب إلى احتمال إطلاق تسمية "الخليج العربي" بدل "الخليج الفارسي". وردّ عراقجي على ذلك بحدة، محذرًا من أن "أي محاولة لتغيير الاسم التاريخي لهذا المسطح المائي تعكس نية عدائية ضد إيران وشعبها".
ويُقرأ هذا الجدل في طهران على أنه مؤشر على تصعيد رمزي يعكس نية أميركية لتقويض الرموز السيادية الإيرانية، مما يزيد من أهمية التحرك الدبلوماسي الإيراني لإعادة التركيز على القضايا الجوهرية، وعلى رأسها الملف النووي والتوترات الإقليمية.
رغم أن زيارة عراقجي تحمل طابعًا استكشافيًا في ظاهرها، إلا أنها تعكس قلقًا حقيقيًا في طهران من إمكانية انزلاق المنطقة إلى صراع واسع النطاق، في ظل غياب قنوات اتصال فعالة مع واشنطن. وتحاول إيران من خلال هذه الجولة الخليجية أن ترسل إشارات تهدئة، وأن تدفع نحو حلول سياسية تحفظ ماء الوجه لجميع الأطراف.
لكن نجاح هذه المبادرة يعتمد إلى حد كبير على تجاوب الدول الخليجية، ومدى قدرتها ورغبتها في التأثير على مسار القرار الأميركي، وسط انقسام داخل الإدارة الأميركية نفسها حول كيفية التعامل مع الملف الإيراني.
وفي المحصلة، فإن التصعيد ليس في مصلحة أحد، لا إيران، ولا دول الخليج، ولا الولايات المتحدة. وربما تحمل الأيام المقبلة مؤشرات أوضح بشأن ما إذا كانت الدبلوماسية ستنتصر، أم أن المنطقة مقبلة على فصل جديد من المواجهة.