علّة الليرة التركية في سياسات اردوغان

جذور أزمة الليرة التركية تعود لما هو أبعد من التوتر بين واشنطن وأنقرة وترجع أساسا إلى أسباب سياسية وإلى انعدام التوازن الاقتصادي وإلى تدخل الرئيس التركي في السياسة النقدية ومساعيه لتركيز جميع السلطات بين يديه.

سياسات اردوغان تغرق تركيا في أزمة اقتصادية
تدخلات اردوغان في السياسة النقدية تغذي مخاوف المستثمرين
بوادر أزمة الليرة كانت قائمة حتى قبل الخلاف الأخير مع الأميركيين
السياح يستفيدون من التهاوي القياسي للعملة التركية

اسطنبول - تواجه تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب اردوغان أخطر تحدياتها الاقتصادية منذ الأزمة المالية في 2001 في أعقاب تسجيل عملتها تدهورا حادا مقابل الدولار.

ومما فاقم من تدهور الليرة التركية يوم "الجمعة الأسود" في 10 اغسطس/اب حيث فقدت الليرة 16 بالمئة من قيمتها، تغريدة للرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن فيها مضاعفة الرسوم الجمركية على الالمنيوم والصلب المستورد من تركيا.

لكن المحللين يقولون إن جذور الأزمة في تركيا التي تمتلك اقتصادا واعدا كان مرشحا لتسجيل نسبة نمو مرتفعة، تعود لما هو أبعد من ذلك وأساسا إلى أسباب سياسية وإلى انعدام التوازن الاقتصادي.

وظهرت أولى بوادر الأزمة عندما قال ترامب في 26 يوليو/تموز، إن تركيا ستواجه عقوبات لسجنها لنحو عامين القس الأميركي اندرو برانسون بتهمة "الإرهاب".

وبعد أيام فرضت الولايات المتحدة عقوبات على وزيري العدل والداخلية التركيين عبر تطبيق قوانين وضعت لمعاقبة مسؤولين أجانب في أعقاب وفاة محام في سجن روسي. وردت تركيا بتدابير مشابهة بحق الولايات المتحدة.

وأثار هذا التوتر خوف المستثمرين القلقين أساسا إزاء انعكاسات خلاف بين تركيا ودولة عضو في حلف شمال الأطلسي، فتهاوت الليرة بشكل حاد الأسبوع الماضي.

ثم صب ترامب الزيت على النار بتغريدته المتعلقة بمضاعفة الرسوم مما تسبب بالتدهور يوم الجمعة.

وقال خبراء الاقتصاد في كابيتال ايكونوميكس إن فرض الولايات المتحدة عقوبات "يتسبب بتوقف تدفق الرساميل".

ويؤكد خبراء الاقتصاد أن بوادر الأزمة كانت قائمة حتى قبل الخلاف الأخير مع الأميركيين وأن الحكومة قرّبت موعد الانتخابات من نوفمبر/تشرين الثاني 2019 إلى يونيو/حزيران هذا العام لاستباق أي تفاقم للازمة ما قد يؤثر على نتائج الانتخابات.

وفاز اردوغان بولاية جديدة في الانتخابات وبات يتمتع بصلاحيات أوسع.

انهيار الليرة يربك الاقتصاد التركي
القلق يخيم على تركيا مع أسوأ موجة انهيار تشهدها الليرة

وقال بول تي. لفين، مدير معهد الدراسات التركية في جامعة ستوكهولم إن "الخلاف الدبلوماسي غير الضروري بين تركيا والولايات المتحدة بسبب القس المسجون قد فاقم" أزمة اقتصادية كانت موجودة أصلا.

وتتعلق المشكلات الهيكلية في الاقتصاد التركي الذي سجل نموا لافتا بنسبة 7.4 بالمئة في 2017، بالتضخم المرتفع الذي تقترب نسبته الآن من 16 بالمئة وبالعجز في الحساب الجاري وبنظام مصرفي مثقل بالديون بالعملة الأجنبية.

وقال حسين سيد كبير المخططين الاستراتيجيين في مجموعة "اف اكس تي ام"، إن تركيا لديها "خيارات محدودة" في هذا الوضع الذي يضاف إليه الخلاف مع الولايات المتحدة.

وشدد اردوغان الاثنين على أن "الدينامية الاقتصادية لتركيا متينة وقوية ومتأصلة وستستمر كذلك".

ومنذ توليه الحكم في 2003 قام اردوغان ببناء شعبيته على أساس النمو المرتفع وتنمية المناطق الريفية المحافظة.

ويقول خبراء الاقتصاد إنه يريد الحفاظ على وتيرة النمو، لذلك أوضح أن معدلات الفائدة تقف عائقا ووصفها بأنها "أصل كل الشرور".

كما عبر اردوغان تكرارا عن موقف غير تقليدي بقوله إن معدلات فائدة منخفضة يمكن أن تخفض نسبة التضخم.

وقال لفين إنه رغم التأكيد الرسمي للأزمة مع الولايات المتحدة "كان واضحا منذ بعض الوقت لأي شخص يتابع تركيا أن سوء الإدارة السياسية والاقتصادية للحكومة سيكون لها عواقب".

ويبدو أن البنك المركزي غير قادر أو غير راغب باتخاذ قرار مخالف لاردوغان بزيادة معدلات الفائدة، ما يثير مخاوف من أن يكون خاضعا لنفوذ اردوغان.

وساهم البنك في مايو/ايار في تعزيز الليرة برفع معدلات الفائدة الرئيسية بواقع 300 نقطة قبل وقت قصير من الانتخابات.

غير أنه بعد شهر على الانتخابات، خيّب البنك توقعات السوق بتركه معدلات الفائدة دون تغيير ورفض بشكل حازم الاستجابة للدعوات المطالبة برفع المعدلات بشكل طارئ.

وتعهد الاثنين بتأمين "كل السيولة" التي تحتاج إليها المصارف.

وقال كونستانتينوس انثيس، رئيس قسم الأبحاث في مجموعة "ايه دي اس اس" إن "الإجراءات لتحسين السيولة لا تعالج المسألة الرئيسية وهي تدهور الليرة. إن عدم رغبة اردوغان في رفع معدلات الفائدة تشير إلى أن الوضع قد لا تتم تسويته في وقت قريب".

وكانت الانتخابات في 24 يونيو/حزيران نقطة تحول في السياسة التركية. وتولى اردوغان مهامه في يوليو/تموز بموجب نظام جديد ألغى منصب رئاسة الوزراء.

وبرز غياب النائب السابق لرئيس الوزراء محمد شيمشك، الشخصية التي يطمئن إليها المستثمرون عن الحكومة الجديدة.

كما عين الرئيس صهره وزير الطاقة السابق براءة البيرق وزيرا للمالية على رأس وزارة موسعة، وهي خطوة لم تلق قبولا في الأسواق.

وقال لفين "يمكن القول إن عدم تحرك السلطات التركية بشكل فوري وحازم ومنطقي هو الذي أدى الآن إلى التدهور الحاد لليرة التركية".

سياح في طوابير أمام متجر تركي
مصائب الليرة التركية فوائد للسياح الأجانب

وأقبل السياح الأجانب في تركيا على متاجر المنتجات الفاخرة لاقتناص الفرص اليوم الاثنين، مستفيدين من زيادة قوتهم الشرائية جراء أزمة العملة في البلاد والتي دفعت الليرة التركية إلى مستوى قياسي منخفض عند أكثر من سبعة ليرات للدولار.

واصطف زوار معظمهم من العرب في صفوف لا تكاد تتحرك أمام متاجر شانيل ولوي فيتون في نيشانتاشي وهو أحد الأحياء الراقية في اسطنبول، لاستغلال هبوط الليرة التي فقدت 18 بالمئة من قيمتها يوم الجمعة الماضي فحسب.

وقالت فاطمة علي من الكويت والتي تزور المدينة مع ابنتيها "نشتري الملابس ومستحضرات التجميل، نشتري علامات شهيرة.. الأسعار رخيصة جدا".

وشأنها شأن كثير من المتسوقين الآخرين، جلبت فاطمة حقائبها معها لتملأها وانتظرت خارج متجر لمستحضرات التجميل ومعها ثلاث حقائب.

وفقدت الليرة أكثر من 40 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار منذ بداية العام، وسط مخاوف من نفوذ الرئيس التركي رجب طيب اردوغان على الاقتصاد ودعواته المتكررة لخفض أسعار الفائدة وتردي العلاقات مع الولايات المتحدة.

وحث اردوغان الأتراك أيضا على إبداء كرم الضيافة تجاه السياح الذين يجلبون الدولارات إلى البلاد في وقت عصيب.

وقال مخاطبا حشدا من أنصاره مطلع الأسبوع "أنتم بالفعل مضيافون جدا لكن واصلوا ذلك وزيدوه لأنه في وقت يسحب فيه بعض الناس الدولارات، فإنهم (السياح) يجلبونها إليكم".

وواصفا ضعف الليرة بالمخطط، دعا اردوغان الأتراك مرارا إلى بيع دولاراتهم لدعم العملة المحلية.

وقال موظف في متجر للملابس الفاخرة رفض نشر اسمه، إن عدد المتسوقين مرتفع بشكل غير عادي حتى في موسم الذروة وعزا ذلك إلى ضعف الليرة.

وقال متسوق مصري إنه وفر نحو ألف دولار بالمقارنة مع شراء الهدايا والملابس نفسها في بلده.

وقال خالد الفهد من الكويت "نأمل، من أجل تركيا، أن تتحسن العملة.وفي الوقت نفسه نأمل، من أجل الزبائن هنا، أن تبقى الليرة كما هي".