عندما تتناول المعارضة التركية الشاي مع بعضها ستهزم أردوغان

قراءة في وضع الأحزاب التركية المعارضة لأردوغان لا تبشر بتغيير في الانتخابات القادمة.

قالت زعيمة حزب "الخير" القومي التركي ميرال أكشنار، إنها "لن تجلس أبداً على طاولة واحدة" مع "حزب الشعوب الديمقراطي" اليساري الكردي، ما استدعى رداً من قياديٍ في الحزب على تصريحها، مؤكداً أن "الشعور متبادل" وأعضاء الحزب لن "يشربوا الشاي في المقهى ذاته" مع أكشنار.

مشكلة أغلب تيارات المعارضة في تركيا أنها لم تخرج من إطار" الطورانية" وعدائها للأكراد كشعب من جهة، وكحزب من جهة أخرى!

من يعرف خبايا المعارضة في تركيا يرى أنها منقسمة إلى ثلاثة تيارات. التيار الأول هو "التيار العلماني" الذي يقوده حزب الشعب الجمهوري، الذي شكل في شباط/فبراير الماضي "تحالف الأحزاب الستة" أو ما يُعرف بـ "الطاولة السداسية" حيث استقطب خمسة أحزاب إلى جانبه تختلف في التوجه والعقيدة وهي:

- حزب "الجيد" الذي ترأسه ميرال أكشنار، وحزب "الديمقراطية والتقدم" (DEVA) الذي أسسه علي بابا جان في آذار/مارس من العام 2020 وبابا جان هو أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية، استقال منه في تموز/يوليو 2019 بعد كان استلم مناصب عدة فيه، فكان نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للاقتصاد والخارجية في عهد حكومتي أردوغان وداود أوغلو.

- "الحزب الديمقراطي" يرأسه غولتكين أويسال وليس له أي ثقل يُذكر في الحياة السياسية التركية.

- يضم التحالف حزبين إسلاميين هما حزب السعادة الذي يرأسه تمل كرم الله أوغلو والذي يشهد انقساماً حاليا بين تيارين، تيار يقوده تمل نفسه، وتيار آخر يقوده رئيس المجلس الاستشاري الأعلى للحزب أوغوزخان أصيل تورك، ويؤيد التحالف مع أردوغان.

- "حزب المستقبل" ويرأسه رئيس حزب العدالة والتنمية ورئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق أحمد داوود أوغلو الذي كان يُعتبر منظراً لحزب العدالة والتنمية.

هذا الحزب يعتمد على شخص أوغلو نفسه، بعد أن كان "حزب العدالة والتنمية" أعلن طرده من الحزب في سبتمبر/أيلول 2019 وإحالته إلى لجنة الانضباط بأوامر من أردوغان، لكنه ترك "العدالة والتنمية" وأعلن تأسيس حزب خاص به وهو "حزب المستقبل". الشيء الوحيد الذي يجمعه مع الأحزاب الخمسة الأخرى هو العداء لأردوغان، وتبين أن داوود أوغلو لم يستطع أن يستقطب معه ولا عضو من حزب العدالة والتنمية، وأنه بدون أردوغان لن يكون له أي وزن، ما جعل حزب المسقبل من أضعف الأحزاب في هذا التحالف.

نقاط الضعف في هذا التحالف تتلخص في ثلاثة أمور.

الأول: أن هذه الأحزاب لم تتفق على مرشح واحد منافس لأردوغان حتى الآن وأغلبها لا يوافق على شخصية رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليشدار أوغلو رئيس أكبر حزب في هذا التحالف، حتى إن زعيمة "حزب الجيد" ميرال أكشنار ذكّرت في حوار مع قناة "خبر ترك" مؤخراً بتصريحات سابقة لكليتشدار أوغلو قال فيها إن "المرشح الرئاسي" سيُحدد من خلال "الطاولة السداسية"، مشيرة إلى أنه هو من كلف هذه المهمة للطاولة، وألزم نفسه بها، وأنها لن تكون "كاتب عدل" مهمته الموافقة. وتابعت أكشنار، بأن "كليتشدار أوغلو لديه الحق في الترشح، وزعماء الطاولة الآخرين لديهم الحق بذلك أيضاً، لكنها أردفت القول: "أنا الوحيدة التي قلت لن أترشح، لكن المطلوب هو مرشح قادر على الفوز".

الثاني: أن هذا التحالف يضم حزبين إسلاميين هما "حزب السعادة" الذي يعود الفضل في تأسيسه لنجم الدين أربكان أستاذ أردوغان، وهذا الحزب إضافة إلى الانقسام الحاصل بين رئيسه تمل كرم الله أوغلو، ورئيس المجلس الاستشاري الأعلى للحزب أوغوزخان أصيل تورك، فإن الحزب يناقض توجهات كل من حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد، ومن المحتمل أن ينضم لتحالف أردوغان وبهشلي ولاسيما أن أردوغان اجتمع مع تمل كرم الله أوغلو، بتاريخ 11‏/11‏/2021 وتبادلا وجهات النظر في العديد من القضايا، كما اجتمع مع رئيس مجلس الشورى في الحزب في بداية العام نفسه.

الأمر الثالث: أن هذا التحالف مختلف فيما بينه بشأن اللاجئين السوريين في تركيا. فبينما يُطالب كل من حزبي الشعب والجيد بترحيلهم تعارض الأحزاب الأخرى خطة الترحيل هذه قبل الوصول إلى حل سياسي في سوريا.

وهنا يجب أن نشير إلى أن اجتماع القادة الستة في الثالث عشر من شباط/فبراير 2022 كشف عن وجود تباينات عميقة على المستويات الفكرية والسياسية والإيديولوجية، وتناقضات في في موضوعات أخرى، حيث شكّل ملف وجود السوريين في تركيا أحد أبرز تلك التناقضات بين القادة، حسب ما ذكرت صحيفة "يني شفق" التركية.

طبعاً عندما نتحدث عن هذا التحالف لا بد من التوقف عند حزب "الجيد" الذي ترأسه ميرال أكشنار والتي انشقت عن حزب الحركة القومية في العام 2016 وأسست حزبها في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2017، واستطاع هذا الحزب دخول البرلمان بعد خوضه الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي جرت في يوليو/تموز 2018 وحصل على 43 مقعداً ليتخطى العتبة البرلمانية التي كانت عشرة بالمئة ويدخل البرلمان ويحل في المرتبة الخامسة والأخيرة في حين حلَّ حزب الشعوب الديمقراطي في المركز الثالث، وحصل على 67 مقعداً. وهنا سنلاحظ أن "العصبية القومية" طغت على المصلحة الحزبية عند أكشنار فالتحالف مع حزب الشعب الجمهوري لا يكفي فكل ما حصل عليه " الشعب الجمهوري" هو 167 مقعداً مقابل 295 مقعداً لحزب العدالة والتنمية و49 مقعداً للحركة القومية، أي أن الائتلاف الحاكم حصل على 344 مقعداً في حين حصلت أحزاب المعارضة جميعها على 256 مقعداً أي أنها جميعها بما فيها "حزب الشعوب الديمقراطي" لن تستطع أن تلحق بالائتلاف الحاكم بين أردوغان وبهشلي.

من هنا فإن كل تحالفات المعارضة سيكون نصيبها الفشل إذا لم تتجاوز الأحزاب التركية المعارضة لحزب العدالة والتنمية الأيديولوجيا، ويقف القومي التركي إلى جانب القومي الكردي إلى جانب العلماني والإسلامي. هذا في الانتخابات البرلمانية، أما في الانتخابات الرئاسية فلن تفلح المعارضة ما لم تتفق على مرشح واحد يتمتع بالحيوية والشباب على عكس أردوغان الطاعن في السن، ويكون هذا المرشح يتمتع بـ "كاريزما" ومحبة وتسامح تُجاه الجميع متجاوزاً الضغائن الحزبية والعقائدية. ولكن أليس هذا ضرباً من الخيال إذا كانت المعارضة غير قادرة على شرب الشاي مع بعضها في مقهى!

فيما يلي نتائج الانتخابات التي جرت في يوليو/تموز 2018: حصل حزب العدالة والتنمية على 20 مليوناً و212 ألفاً و975 صوتاً، تبعه حزب الشعب الجمهوري بـ 11 مليوناً و5 آلاف و426 صوتاً، فحزب الشعوب الديمقراطي بـ 5 ملايين و606 آلاف و863 صوتاً، فحزب الحركة القومية بـ 5 ملايين و347 ألفاً و888 صوتاً، فالحزب الجيد بـ 4 ملايين و895 ألفاً و359 صوتاً، فحزب السعادة بـ 657 ألفاً و418 صوتاً، فحزب الدعوة الحرة بـ 155 ألفاً و433 صوتاً فحزب الوطن بـ 113 ألفاً و608 صوتاً، بينما حصل المرشحون المستقلون مجتمعين (كان عددهم 74) على 634 ألف صوت وهم الذين لم يفز أي منهم بعضوية البرلمان.

لا يمكن للمعارضة التركية أن تنجح في إزاحة أردوغان - وسجلوا هذا الرأي علي - إذا لم تتحالف مع "حزب الشعوب الديمقراطي" والذي يحظى بقاعدة شعبية تبلغ 13% من أصوات الناخبين، وهذه الكتلة فيما إذا وقفت إلى جانب المعارضة، فإنها ستقلب الطاولة على رأس أردوغان ولاسيما أن حزب الشعوب الديمقراطي أنشأ تحالفاً من ثمانية أحزاب باسم "التحالف الديمقراطي" – شعاره "التحول والتغيير". هذا التحالف يضم إلى جانب "حزب الشعوب الديمقراطي" سبعة أحزاب ديمقراطية واجتماعية ويسارية ويصبح بذلك أكبر تحالف سياسي يخوض الانتخابات المقبلة، حيث سيضم التحالف إضافة إلى حزب الشعوب الديمقراطي أحزاب، عمال تركيا، والعمل والحرية المجتمعية، والحركة العمالية، وبيوت الشعب، واتحاد الجمعيات الاشتراكية.

هذه الخطوة جاءت بعد استبعاد تحالف الأحزاب الستة المعارضة بقيادة حزب الشعب الجمهوري، لحزب الشعوب الديمقراطي، بسبب الاتهامات الموجهة له من قبل الحكومة بدعم الإرهاب.

وعلى المعارضة أن تستلهم من تجربة الانتخابات البلدية التي جرت في العام 2019، حينما نجح حزب الشعب الجمهوري للمرة الأولى منذ ربع قرن في الحصول على أكبر ثلاث بلديات في البلاد، وهي استنبول وأنقرة وأزمير، بفضل تحالفه مع "الحزب الجيد" المنشقّ عن حزب "الحركة القومية"، والحصول على تأييد الأكراد من خلال الاتفاق مع حزب "الشعوب الديموقراطي".