عن العلاقات المغربية – الجزائرية في 2023

على من يضحك الرئيس الجزائري الذي لم يستطع في أي وقت إتخاذ أي خطوة في إتجاه الإنفتاح على المغرب.

ثمة إصرار لدى النظام الجزائري على العيش في حال من الإنفصام في الشخصية. يعبّر عن هذا الوضع الخطاب الذي القاه أخيرا الرئيس عبدالمجيد تبون الذي يسعى إلى ولاية رئاسية جديدة بعد سنة من الآن.

ألقى تبون خطابا أمام البرلمان الجزائري تحدّث فيه عن إنجازات حققها عهده الذي بدأ في أواخر العام 2019. شملت الإنجازات الكلام عن استرجاع أموال تقدّر بمليارات الدولارات من الفاسدين، في إشارة إلى سنوات عبدالعزيز بوتفليقة (1999- 2019) في السلطة. في تلك السنوات، كان شقيق الرئيس ويدعى سعيد بوتفليقة الرجل القوي في البلاد، خصوصا بعد إصابة الرئيس الجزائري بجلطة في الدماغ جعلته شبه مقعد بعد العام 2013.

استطاعت المجموعة المحيطة بسعيد بوتفليقة، الموجود حاليا في السجن، السيطرة على جزء لا بأس به من الاقتصاد الجزائري. جمع افراد هذه المجموعة الذين مثلوا امام المحاكم ثروات كبيرة. حوكم معظم هؤلاء، لكن السؤال المطروح من حل مكانهم وهل تغيّر شيء في الجزائر بمجرد حلول عبدالمجيد تبون مكان الراحل عبدالعزيز بوتفليقة؟ الجواب بكل بساطة أن شيئا لم يتغيّر لا داخليا ولا خارجيا. لم يتغيّر النظام الجزائري الذي تسيطر عليه منذ العام 1965، تاريخ الإنقلاب الذي نفّذه هواري بومدين، مجموعة من العسكريين تتحكّم بكل مفاصل السلطة.

خارجياً، مرّر الرئيس الجزائري رسائل غير مباشرة عدة. في ما يتعلق بالأزمة مع المغرب، أكّد أنّه "لا توجد أي مشكلة مع الشعب المغربي، وقضية الصحراء هي قضية أممية وليست مشكلة الجزائر"، مضيفا أنّ الجزائر تدعم الشرعية الدولية في هذا السياق. 

على من يضحك الرئيس الجزائري الذي لم يستطع في أي وقت إتخاذ أي خطوة في إتجاه الإنفتاح على المغرب ومباشرة حوار جدّي على أعلى المستويات مع الرباط، كما طرح الملك محمّد السادس. لا يستطيع تبّون الساعي إلى ولاية رئاسية جديدة الإعتراف بالواقع المتمثل في أن قضيّة الصحراء قضيّة مفتعلة من ألفها إلى يائها. قضية الصحراء المغربيّة ليست سوى نزاع مغربي – جزائري لا أكثر. بل هي عمليا حرب استنزاف تشنّها الجزائر على المغرب منذ خريف العام 1975 تاريخ استعادة المغرب، بفضل "المسيرة الخضراء" أقاليمه الصحراويّة التي هي رمز لوحدته الترابيّة. لماذا لا يقول النظام الجزائري بلسان تبّون وغير تبّون أنّه يستخدم "بوليساريو" في حربه على المغرب؟ لماذا لا يتجرّأ على الإفصاح عن حقيقة ما يريده؟

يتمثّل ما يريده النظام الجزائري في إجبار المغرب على الإستثمار في مجال بناء قوّة عسكريّة دفاعا عن ترابه الوطني ووحدة هذا التراب. يستهدف ذلك منع المغرب من الذهاب إلى أبعد في مجال التنميّة حيث حقّق نجاحات كبيرة على غير صعيد، خصوصا على صعيد البنى التحتيّة.

لنضع تبون جانبا، لن تنطلي التصريحات الأخيرة التي صدرت عن وزير الخارجية الجزائري احمد عطاف والتي يبدي فيها مرونة في التعاطي مع المغرب على أحد. كلّ ما في الأمر أن النظام الجزائري نظام عسكري ذو واجهة مدنيّة. تتخذ المجموعة العسكريّة كلّ القرارات الكبيرة. رحل بوتفليقة مع الفاسدين التابعين للمجموعة المحيطة به وجاء فاسدون آخرون يدورون بدورهم في فلك العسكر. ليس الرئيس الجزائري والوزراء سوى واجهة للعسكر الذين يشترون السلم الاجتماعي بالمال الذي توفره الثروة النفطية!

لن يستطيع النظام الجزائري التصالح مع نفسه من دون التصالح مع الحقيقة ومع الواقع المتمثل في أنّ عليه التعايش مع فكرة أنّه خسر الحرب التي يشنّها على المغرب... وأن لا فائدة من إستمرار إحتجاز صحراويين رهائن في مخيمات تندوف لتبرير وجود "بوليساريو". لا مفرّ في نهاية المطاف من الإنصراف إلى معالجة الأزمة العميقة التي تمرّ فيها الجزائر منذ سنوات طويلة وهي أزمة ناجمة أساسا عن نظام يرفض الإعتراف بفشله على كلّ صعيد، خصوصا في مجال التخلّص من الإعتماد على الثروة النفطية. لم تستطع الجزائر منذ استقلالها في العام 1962 تطوير أي قطاع باستثناء قطاع النفط والغاز.

ليس طرح المغرب الحكم الذاتي للأقاليم الصحراويّة "سوى إطالة لعمر الأزمة وربح الوقت"، على حد تعبير وزير الخارجية الجزائري. يتحدّث عطاف بأسلوب مرن موحيا بأنّ شيئا ما تغيّر في السياسة الخارجية الجزائرية في حين لم يتغيّر شيء. لن يتغيّر شيء سوى في اليوم الذي تعترف فيه الجزائر بمغربيّة الصحراء مظهرة أنّها دولة جدّية وتريد بالفعل المحافظة على الاستقرار في شمال إفريقيا بدل الإستثمار في كلّ ما من شأنه المس بالإستقرار.

تنتهي السنة 2023 وهناك واحة استقرار وحيدة في شمال إفريقيا. إسم واحة الاستقرار هذه هو المغرب الذي استطاع السير قدما في مشروع تنموي يشمل كلّ انحاء المملكة. مكّن هذا المشروع التنموي، الذي يعكس رؤية الملك محمّد السادس، الأقاليم الصحراوية من تحقيق خطوات كبيرة إلى امام. حصل ذلك في ظلّ مزيد من الإعتراف الدولي والعربي بمغربيّة الصحراء وبأن المغرب لم يعد مجرّد جسر يربط بين أوروبا وإفريقيا. فقد كشفت السنة 2023 البعد الآخر للأقاليم الصحراوية. يؤكّد ذلك قول العاهل المغربي نفسه في خطاب القاه قبل بضعة اسابيع في الذكرى الـ48 لـ"المسيرة الخضراء: "إذا كانت الواجهة المتوسطية تعدّ صلة وصل بين المغرب وأوروبا، فإن الواجهة الأطلسية هي بوابة المغرب نحو افريقيا ونافذة انفتاحه على الفضاء الأميركي. من هنا يأتي حرصنا على تأهيل المجال الساحلي وطنيا بما فيه الواجهة الأطلسية للصحراء المغربية، كذلك هيكلة هذا الفضاء الجيو – سياسي على المستوى الإفريقي. غايتنا أن نحول الواجهة الأطلسية إلى فضاء للتواصل الإنساني والتكامل الاقتصادي والإشعاع القاري والدولي".

هل في الجزائر من يستطيع استيعاب معنى ما ورد على لسان محمّد السادس كي يصبح ممكنا الكلام عن تطور في العلاقات المغربيّة – الجزائريّة بدل البقاء في اسر الماضي وأسر شعارات استهلكها الزمن والأحداث... وأسر حال الإنفصام في الشخصية خصوصا؟