غادر بعبدا... بعدما أدّى مهمته

مع خروج ميشال عون من قصر بعبدا في ظلّ وضع لبناني مأساوي، يرث "حزب الله" البلد.

شغل ميشال عون موقع رئيس الجمهورية اللبنانية بين 31 تشرين الأوّل - اكتوبر 2016 و30 تشرين الأوّل – أكتوبر 2022. غادر قصر بعبدا بعدما أدّى المهمّة التي كلّف بها بصفة كونه مرشّح "حزب الله" للرئاسة. اغلق الحزب، الذي ليس سوى لواء في "الحرس الثوري" الإيراني، مجلس النواب اللبناني سنتين وخمسة أشهر كي يفرضه رئيسا للجمهوريّة. لم يصدق ميشال عون سوى مع "حزب الله" الذي يعرف نقاط ضعفه، خصوصا خشيته من أن يكون ضحية أخرى للحزب في حال خرج عن الخطّ المرسوم له.  

جاء ميشال عون رئيسا للجمهورية بعدما أخضعه "حزب الله" لإختبارات مستمرّة طوال عشر سنوات كاملة... وبعد التوصل إلى إتفاق معراب مع الدكتور سمير جعجع قائد "القوات اللبنانية". ليس معروفا، إلى الآن، كيف يمكن لشخص مثل سمير جعجع توقيع إتفاق من أيّ نوع مع ميشال عون. إذا كان من شخص يعرف ميشال عون عن كثب ويعرف تماما أنّه لا يلتزم أيّ كلمة تصدر عنه، هذا الشخص هو سمير جعجع.

باستثناء الكلمة التي يلتزمها أمام "حزب الله"، لا يمكن لميشال عون قول كلمة صدق واحدة حتّى مع اقرب الناس الذين وقفوا دائما إلى جانبه. إنّه يعرف تماما حجم العقاب الذي سيلحق به في حال ارتكب أي خطأ مع "حزب الله". من هذا المنطلق، كان ميشال عون وصهره جبران باسيل بمثابة تلميذين مثاليين في مدرسة "حزب الله". لا يحيدان قيد انملة عن الخط المرسوم لهما الذي عنوانه العريض معادلة السلاح يحمي الفساد.

على الرغم من ذلك كلّه، وقع جعجع إتفاقا مع ميشال عون بعدما ضمن مناصفة في اقتسام المناصب المسيحية في الدولة اللبنانيّة بين حزبه من جهة و"التيار الوطني الحر" الذي يرأسه جبران باسيل صهر ميشال عون وابنه المدلّل من جهة أخرى. كانت النتيجة أن سعد الحريري، زعيم السنّة، لم يجد مفرّا من الدخول في تسوية رئاسية بعدما وجد أن أكثرية مسيحية تقف مع ميشال عون. ليس كافيا بكلّ تأكيد تبرير اتفاق معراب والتصويت لميشال عون في جلسة انتخاب رئيس للجمهوريّة في 31 تشرين الأوّل – أكتوبر 2016... بالحاجة إلى منع وصول سليمان فرنجيّة إلى موقع رئيس الجمهوريّة. لا يمكن لأي سياسي لبنان، مهما كان سيّئا أن يكون في سوء ميشال عون وصهره.

مع خروج ميشال عون من قصر بعبدا في ظلّ وضع لبناني مأساوي، يرث "حزب الله" البلد. ما الذي سيفعل الحزب بلبنان بعدما ضمن غطاء شرعيا لإتفاق ترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل؟

هذا النوع من الأسئلة برسم المستقبل، خصوصا أنّه لا يمكن ان يكون هناك رئيس جديد للجمهوريّة اللبنانية في حال اعتراض الحزب، أي ايران، على الإسم المطروح. قد لا يكون مطروحا تمكن الحزب من فرض شخص في سوء ميشال عون، لكنّه لا يزال يحتفظ، بفضل سلاحه اوّلا، على "فيتو" يستطيع ممارسته لمنع أي شخصية محترمة تتمتع بنوع من الإستقلالية من الوصول إلى قصر بعبدا.

لا شكّ أن تركة ميشال عون كبيرة وثقيلة في آن. ثقيلة على المسيحيين أوّلا. قضى ميشال عون على الوجود المسيحي في لبنان. فعل ذلك على دفعتين، في اثناء وجوده في قصر بعبدا بين أيلول – سبتمبر 1988 وتشرين الأوّل – أكتوبر 1990... وبعد وصوله إلى موقع رئيس الجمهوريّة في 2016. قضى في المرّة الأولى على عدد لا بأس به من شباب لبنان وتولّى في اثناء وجوده في قصر بعبدا القضاء على كلّ المقومات التي جعلت لبنان بلدا قابلا للحياة.

المخيف في خطاب وداع قصر بعبدا للإنتقال إلى منزل فخم في الرابيّة، رفض ميشال عون الإعتذار عن أي عمل قام به. يرفض الرجل الإعتراف بأنّه، شخصيا، خطأ تاريخي كبير في حق لبنان واللبنانيين، خصوصا المسيحيين. قضى على كلّ مؤسسة لبنانيّة وكلّ ما بقي من قيم في المجتمع اللبناني حيث استشرى الفساد فور قبوله بأن يكون رئيسا للجمهوريّة بفضل سلاح "حزب الله".

قبل وصول ميشال عون إلى قصر بعبدا، كان هناك بصيص امل في انقاذ ما يمكن إنقاذه من لبنان. مع خروجه من القصر، غاب هذا البصيص نتيجة انهيار النظام المصرفي وآخر ما تبقى من قيم. لم يتردد ميشال عون في توزيع التهم يمينا ويسارا من دون يسأل نفسه من اين له كلّ هذه الأموال التي تسمح له بتشييد منزل من النوع الذي انتقل اليه في الرابية؟ هل ذلك المنزل البشع، الذي كلّف ملايين الدولارات ثمرة حساب توفير لرواتبه التي تقاضاها منذ كان مجرد ضابط صغير في الجيش اللبناني دخل المدرسة الحربيّة بوساطة من النائب أدوار حنين، رحمه الله؟

كان مطلوبا ان يكون ميشال عون، كرئيس للجمهوريّة، قدوة للسياسيين اللبنانيين. فضّل ان يكون أسوأ مثال لرئيس من العالم الثالث وضع نفسه في خدمة المشروع التوسّعي الإيراني. فضّل العمل مع صهره في ظلّ شعار السلاح يحمي الفساد. يصلح هذا الشعار كمعادلة لتبرير وجود غطاء مسيحي لسلاح ميليشيا مذهبيّة تعمل في خدمة ايران في لبنان.

بدل الإعتذار من اللبنانيين، بعد كلّ ما ارتكبه في حقهم وفي حقّ المسيحيين على وجه التحديد، فضّل ميشال عون استفزاز الجميع من منطلق أنّه السياسي الوحيد النظيف الكف في لبنان. لا يعرف انّ اللبنانيون يعرفون، بل يعرفون اكثر من غيرهم اين ذهبت أموال الكهرباء في بلد لا وجود فيه للكهرباء على الرغم من تحكّم جبران باسيل بوزارة الطاقة منذ العام 2008، بغطاء من "حزب الله"، وليس من طرف آخر.

يبقى في نهاية المطاف ما الذي ستفعله ايران بعدما حققت انتصارا كبيرا آخر على لبنان. كيف ستستثمر في اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل؟ كيف ستدخل على خط حقول الغاز اللبنانية، هذا اذا كان هناك غاز في لبنان؟