غارات إسرائيل على لبنان لا تستثني المسعفين
بيروت - تواجه فرق الإغاثة في لبنان العديد من المخاطر خلال تدخلها بينما بلغت حصيلة القتلى في صفوف المسعفين وعناصر الإنقاذ نحو 120 شخصا جراء الغارات الإسرائيلية
عندما تلّقت المتطوعة في الدفاع المدني اللبناني آية وهبة نداء استغاثة من حيّها السكني إثر غارة إسرائيلية الخميس، مرت عليها اللحظات بطيئة كما لو أنها دهر، قبل أن تردّ أمها على اتصالها الهاتفي، مبدّدة مخاوفها من أنّ تكون عائلتها ضمن الضحايا.
وتقول الشابة البالغة 25 عاما ذات الشعر المجدول بتأثر "كان يمكن أن أصل لأحمل أمي أو أبي أو خالتي أو جارتي" من تحت الركام جراء الغارة التي ضربت حيي النويري والبسطا وأسفرت عن مقتل 22 شخصا على الأقل وإصابة عشرات آخرين.
قبل خمس سنوات، تطوّعت وهبة في الدفاع المدني اللبناني، لكنها ضاعفت أخيرا ساعات عملها في المركز الرئيسي في محلة الكولا في بيروت. وتقول "هذا العدوان المستمر حاليا يختلف كثيرا عن بقية السنوات والمهمات".
وبينما تقف قرب لوح أبيض معلّق على الحائط يحدّد مهام العناصر اليومية، تضيف بتأثر لكنّ بتحد "هذه الفترة صعبة للغاية".
وتابعت "لا أعرف ما إذا كنت سأقدر على مواصلة العمل غدا أم لا"، على وقع إمكانات متواضعة وغارات كثيفة تستهدف معاقل حزب الله.
ويؤكد المتطوع وسام القبيسي (29 عاما) الذي يعتمر خوذة قديمة ويتشارك درعا واقية مع زملائه، "نحن نعمل بأقل الإمكانيات".
ويوضح بينما يرتدي بزة رمادية يقول إنه دفع ثمنها بنفسه "عدد الأشخاص كبير والهمة عالية لكن ما فائدة هذه العناصر على الأرض إذا كانت تنقصنا جرافات وآليات ومعدات حماية؟"
وكان القبيسي يتحدث قرب مستودع لمعدات فريقه، يضمّ خوذ رأس معظمها صدئة وخراطيم مياه كثير منها مهترئ وأحذية بالية لمقاومة الحرارة والحجارة وأنابيب إطفاء شارفت صلاحيتها على الانتهاء.
ويوضح القبيسي الذي وشم شعار الدفاع المدني على ذراعه اليمنى محاطا بجناحي ملاك "لو كانت هناك معدات ودروع وخوذ أكثر.. لكان عددنا على الأرض أكثر ولكنا عملنا بفاعلية أكبر".
ومنذ تصعيد اسرائيل عملياتها العسكرية في لبنان جوا في 23 أيلول/سبتمبر، ثم إطلاقها نهاية أيلول/سبتمبر عمليات توغل بري محدودة جنوبا، تعرّض مسعفون وفرق إغاثة خصوصا خلال الأسابيع القليلة الماضية لغارات اسرائيلية عدة أسفرت عن مقتل أكثر من 120 مسعفا وعنصر إنقاذ، وفق حصيلة جمعتها فرانس برس.
ونعى الدفاع المدني الأربعاء خمسة من عناصره قتلوا جراء غارة اسرائيلية استهدفت مركزهم في بلدة دردغيا في جنوب لبنان.
وقضى عشرة عناصر من فوج إطفاء تابع لاتحاد بلديات بنت جبيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول جراء غارة اسرائيلية استهدفت مقرهم في بلدة برعشيت في جنوب لبنان، بحسب السلطات.
في غرفة راحة متواضعة للمتطوعين، تضم سريرا حديديا مع فراش رقيق للغاية، يبقى القبيسي ورفاقه على أهبة الاستعداد للاستجابة لنداء استغاثة قد يأتي في أي لحظة.
ويشرح رئيس شعبة العمليات الخاصة في الدفاع المدني يوسف ملاح "إذا تعطلت إحدى الآليات، يستغرق الأمر وقتا طويلا لتعويضها".
ويقول الرجل الذي اضطر لحياكة قماش بدلته الممزق عوضا عن استبدالها بأخرى جديدة "الكثير من الآليات والجرافات التي نستخدمها يتبرع بها أفراد أو مؤسسات"، مشيرا إلى مركز اتصالات بدائي تم تجهيزه "بمساهمات شخصية" من المتطوعين.
ويشهد لبنان منذ خريف 2019 انهيارا اقتصاديا متماديا باتت خلاله غالبية السكان تحت خط الفقر مع عجز الدولة عن توفير أبسط الخدمات. وجاء التصعيد بين حزب الله وإسرائيل ليفاقم الوضع سوءا.
يشرف ملاح على 235 مركزا للدفاع المدني في أنحاء البلاد، تضم ثمانية آلاف شخص، بينهم خمسة آلاف متطوع وتلقي الحرب بظلالها على هؤلاء المتطوعين الذين يجدون أنفسهم يصلون الليل بالنهار.
ويوضح القبيسي بأسى "الحرب تحد بدني ونفسي ... أعتقد في وقت ما سنحتاج علاجا نفسيا". وإضافة إلى مراكز الدفاع المدني الرسمية، تنتشر في أرجاء البلاد أيضا هيئات صحية أخرى مرتبطة بمنظمات إنسانية مثل الصليب الأحمر أو بأحزاب أبرزها الهيئة الصحية الإسلامية التابعة لحزب الله والتي تعرضت مراكزها وعناصرها لغارات اسرائيلية عدة خصوصا في جنوب لبنان خلال التصعيد المستمر منذ أكثر من عام.
ويتهم الجيش الإسرائيلي عناصر حزب الله باستخدام سيارات الإسعاف التابعة للهيئة الصحية الإسلامية لأغراض إرهابية. وهو ما نفته الهيئة التابعة للحزب بشكل قطعي.
وأعلنت أربعة مستشفيات على الأقل في لبنان تعليق خدماتها في 5 أكتوبر/تشرين الأول على وقع غارات إسرائيلية كثيفة في محيطها.
ومع تكرار استهداف مسعفين في مناطق عدة، أعلن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إجراء اتصالات دبلوماسية للضغط على إسرائيل "للسماح لفرق الانقاذ بالوصول الى مواقع الغارات والسماح بنقل الضحايا".
وفي بلدة مرجعيون القريبة من الحدود في جنوب لبنان، حيث تدور اشتباكات برية بين حزب الله وإسرائيل، أعلنت الهيئة الصحية الإسلامية مقتل 11 من مسعفيها جراء غارات إسرائيلية مطلع الشهر الحالي.
وتكرر وزارة الصحة اللبنانية تنديدها باستهداف الطواقم الإسعافية. وطالبت الأسبوع الماضي "المجتمع الدولي بموقف حازم يحول دون مضي العدو" في استهداف طواقم الإنقاذ والاسعاف.
لا يثبط الوضع الدامي همّة أنيس عبلا رئيس مركز الدفاع المدني في مرجعيون والذي تعرض لحروق جسمية في الوجه واليدين اثناء إطفاء حريق ناجم عن قصف إسرائيلي قبل شهرين.
ويوضح عبلا (48 عاما) "مهمات الإنقاذ صارت صعبة لأن الضربات متتالية وتستهدفنا ... وأصبحنا كذلك متعبين"، مضيفا بتحد "لكننا صامدون وباقون في مواقعنا. نحن ندافع عن شعب لبنان من خلف آلياتنا".