فتحي عبدالسميع: المختارات تمنح قبلة الحياة لدواويني الأولى

ذات الشاعر المصري تنصهر مع الواقع المأزوم في 'عظامي شفافة وهذا يكفي'.

يواصل الشاعر المصري فتحي عبدالسميع اشتغاله على قصيدته بدأب واجتهاد عميقين، فنتاجه الشعري مختلف ومغاير لنضجه الفني، فهو شاعر يضعنا أمام فتوحات شعرية بلغة عالية البناء والعمل على أسطرة الأشياء ضمن رؤية فلسفية تجاه الحياة، إلى جانب فانتازيا الموقف والمشهدية البصرية الشفافة كعظامه المكتفي بها، وكذلك رسم الصور المتخيلة في خزانة الرأس بفلسفة تجريدية للمضامين في متون القصائد.

وضمن ما سبق ذكره صدر للشاعر فتحي عبدالسميع وعن "دار بتانة للنشر والتوزيع" ديوان شعري جديد حمل عنوان "عظامي شفافة وهذا يكفي" اشتمل على مجموع من القصائد التي يشتبك فيها مع المعطى اليومي والحياتي والذات الشاعرة المنصهرة مع هذا الواقع المأزوم.

وفتحي عبدالسميع شاعر وباحث مصري من مواليد قنا عام 1963 وهو رئيس تحرير سلسلة الإبداع الشعري التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وشغل في عام 2009 خطة أمين عام مؤتمر أدباء مصر "دورة المشهد الشعري" في الإسكندرية، وفي  عام 2011 أمين عام مؤتمر إقليم وسط وجنوب الصعيد، كما أنه عضو اتحاد كتاب مصر، ومنسق مهرجان الجنوب للشعر العربي، وعضو مجلس إدارة مركز الثقافة اللامادية بجامعة جنوب الوادي.

ويكتب فتحي عبدالسميع زاوية أسبوعية بجريدة القاهرة بعنوان "رفرفة الحجر"، وترجمت بعض نصوصه للإنجليزية، كما تُرجمت بعض نصوصه للألمانية عن طريق الورشة الإبداعية ببرلين بالاشتراك مع معهد جوته، وطبعت على اسطوانة باللغتين العربية والألمانية ضمن مختارات للشعر العربي.

شارك في عدد كبير من المهرجانات الشعرية في مصر والعالم العربي، كما شارك بأبحاثه في عدد من المؤتمرات، ونُشرت تلك الأبحاث في كتب مشتركة منها "الوعي الشفاهى والوعي الكتابي، المروى له في الخطاب الروائي، سينوغرافيا النص السردي، ثقافة الثأر وشعرية الهامة، ثقافة القبيلة ومستقبل الديمقراطية".  

في الحوار وبمناسبة صدور ديوانه المختارات الشعرية "عظامي شفافة وهذا يكفي" التقينا الشاعر عبدالسميع وحاورناه حول المختارات وقضايا أخرى في الشعر.

هل تمثل المختارات أفضل ما كتبه الشاعر برأيك؟

المختارات تعبر عن وجهة نظر صاحبها وهي مهمة جدا لكنها ليست الأفضل بالضرورة، لأن الأفضل يحدده القارئ لا الشاعر وحده. 

هل المختارات الشعرية تعتبر بدلا عن الأعمال الشعرية الكاملة؟

المختارات تؤدي دورا مهما لكنها لا تغني عن الأعمال الكاملة، وميزة المختارات في قدرتها على التلخيص والإيجاز، ولهذا هي موجودة منذ قرون طويلة كما هو الحال مع المعلقات والمفضليات والأصمعيات والحماسة وغيرها. 

بعد صدور أكثر من مجموعة شعرية ماذا تعني لك المختارات؟

للمختارات دلالة عامة تنطبق على جميع المختارات ودلالة خاصة ترتبط بكل شاعر على حده، وكلما كان المشهد الثقافي عشوائيا ويحتوي على قدر كبير من الفساد كانت الدلالة الخاصة أوضح، وتعتبر المختارات بالنسبة لي خطوة مهمة لتصحح الظلم الذي تعرضت له تجربتي بسبب الجغرافيا والبعد عن شبكة المصالح. 

ما هي طبيعة ذلك الظلم وكيف تساهم تلك المختارات في تصحيحه؟

من وجوه الظلم تأخر طبع دواويني لأسباب لا دخل لي فيها، وأهمها ضعف علاقاتي بالمهيمنين على منافذ النشر، وقد مكثت دواويني سنوات طويلة جدا في أدراج دور النشر بسبب وجودي الدائم في الصعيد بعيدا عن قلب الحركة الثقافية في القاهرة، وعندما صدرت أعمالي الأولى لم يُكتب عنها خبر واحد، ولم تصدر وفق ترتيب كتابتها، وكان ديواني الثالث "الخيط في يدي" أو أعمالي المنشورة، لأن ديواني الأول "خازنة الماء" ظل لأكثر من سبع سنوات في أدراج المجلس الأعلى للثقافة، وحدث نفس الأمر مع ديواني الثاني "فراشة في الدخان" والذي تأخر سنوات طويلة في هيئة الكتاب، وتأتي المختارات الشعرية لتعيد ترتيب تجربتي وفق تاريخ كتابتها ومن ثم يسهل تتبع مسارها ودرجة تطورها. 

وما الذي يضيفه ترتيب تجربتك الشعرية وفق تواريخ كتابتها لا تواريخ طبعها؟

الترتيب مهم جدا، لأنني بدأت في منطقة جمالية معينه ثم تحركت منها، وعندما وصلت إلى ما أعتبره ذروة في قصيدة التفعيلة انتقلت إلى قصيدة النثر، وفي كل أعمالي كنت أحاول البحث عن تجربة مختلفة بقدر المستطاع، ومن ثم تباينت واختلفت أعمالي، مع غياب المتابعة النقدية بشكل مؤلم لدواويني الأولى، بخلاف أعمالي اللاحقة التي حظيت بقدر من الاهتمام، ولم يكن ذلك لأسباب فنية، بل لأنها صدرت بعد ظهور الإنترنت، الأمر الذي كسر قيد الجغرافيا حيث أقيم في جنوب الصعيد، وحررني من الحاجة إلى أصحاب النوافذ الثقافية في الجرائد المصرية، وتحكمهم، وقد صدر ديواني (خازنة الماء) ولم يُكتب عنه خبر واحد، وأنا نفسي لم أسمع بصدوره إلا صدفة وبعد مرور حوالي سنة، كل ذلك جعل تجربتي غير مقروءة ومشوشة، ومن هنا تأتي أهمية المختارات التي تقدم تجربتي بشكل أفضل، قد يمنح قبلة الحياة لدواويني الأولى. 

المطلع على عناوين أعمالك الشعرية يلاحظ الفانتازيا والغرائبية في الاختيار؟

عالمنا ممتلئ بالغريب والعجيب لأننا في فترة بينية بين عصرين، عصر تهيمن عليه الثقافة التقليدية بجذورها التي ترجع إلى طفولة البشرية وعصر حديث يعتمد على العلم والعقلانية الشديدة، ومن الطبيعي أن أتأثر بالواقع، فضلا عن الجوانب الجمالية التي تميز الفانتازي والعجيب والغريب. 

ومن أجواء مختاراته ومن قصيدة "محاولات قيسٍ جديد" نختار منها:

"حاولت أن أخطف النخل من جبة الريح

لكني حاولت ما وجدت يدا

وحاولت غسل الرمال

ولكنني ما وجدت دما

وحاولت نصب الخيام على شاطئ الحلم

كانت.. ولكن على حافة المقصلة.

ينام الجحيم على حِجر ليلى

وليلى حقول من التين

تثمر في شفتيه

ولؤلؤة من دموع

يجرجرها الانتظار

كرجرجة النهد عند انفجار القميص".