فلسفة الحب الإنساني والإلهي في 'مقامات العشق'

مسلسل سوري ينفخ الروح في الأعمال الدينية والتاريخية ويتطرق الى سيرة محي الدين ابن عربي أحد أعلام الصوفية ودعوته إلى الإسلام المعتدل والمستنير.

دمشق - تمكن المسلسل السوري "مقامات العشق" المعروض في رمضان من شد انتباه الجمهور العربي ونفخ الروح في الأعمال الدينية والتاريخية التي تحولت الى عملة نادرة في زمن سطوة مسلسلات تحاكي لغة العصر والتطور.
و"مقامات العشق" مسلسل تاريخي للكاتب محمد البطوش والمخرج أحمد إبراهيم أحمد.
 ويتناول المسلسل سيرة الشيخ محي الدين ابن عربي وهو أحد أعلام الصوفية وما رافق حياته من أسرار وحكايات.
ولقبه أتباعه من الصوفية بألقاب عديدة، منها: الشيخ الأكبر، ورئيس المكاشفين، البحر الزاخر، بحر الحقائق، إمام المحققين، محيي الدين، سلطان العارفين.
وعرف ابن عربي عند الصوفية بالشيخ الأكبر خصوصا، وهو أحد كبار المتصوفة والفلاسفة المسلمين على مر العصور، كان أبوه علي بن محمد من أئمة الفقه والحديث، ومن أعلام الزهد والتقوى والتصوف، وكان جده أحد قضاة الأندلس وعلمائها، فنشأ ضمن جو ديني.
وشيخ الصالحين، كان صوفيّا، يحمل التفسير العميق والمختلف لمعاني القرآن والسنّة، وتوافق مع البعض من الشيوخ واختلف مع آخرين، وكانت بينه وبين البعض معارك فكرية شرسة، وصلت إلى الحد الذي اتهمه فيه معارضيه بالكفر والزندقة، واعتبروه مصدر خطر على أفكارهم.

وشهد ابن عربي صراعات ومعارك عديدة بين تيار التطرف والتكفير وبين الإسلام الحقيقي المعتدل والمتسامح.
ويركز المسلسل على سيرة الشيخ الأكبر لكن مؤلفه ينسج قصّة حب متخيلة وغير موجودة تاريخياً بين ست الحسن (نسرين طافش) وشيخ الصالحين.
والمسلسل بطولة باقة كبيرة من النجوم منهم نسرين طافش، مصطفى الخاني، يوسف الخال، لجين إسماعيل، قمر خلف، وسارة فرح.
ويدور العمل الذي رصدت له ميزانية ضخمة في قالب درامي راق وبلغة يراقص الشعر فيها الفلسفة.
واقتنص العمل إعجاب النقاد والمشاهدين في الوطن العربي خلال عرض حلقاته الأولى.
وتقوم فكرة المسلسل الذي تعرضه بعض القنوات العربية في الموسم الرمضاني الحالي على تكريس الفكر الوسطي، المسالم، الذي يعترف بالآخر ويسمح له بالعيش معه.
وقال بطل العمل التاريخي لجين إسماعيل في تصريحات صحافية، "شخصية ابن عربي هامة في تاريخنا الفكري، وطرحها في هذا الوقت هو مسؤولية فكرية وفنية وأخلاقية، وهو أحد القامات الفكرية الكبرى في تاريخنا كله، فكره يتعلق بالوجود وبغاياتنا وسلوكنا كبشر".
وقال مؤلف المسلسل محمد البطوش: "السيناريو الناجح يجب أن يحتوي على عناصر أساسية، وفي "مقامات العشق" الموضوع يقوم على فلسفة الحب، الإنساني والإلهي، وأنا أعتقد أن أوعية العديد من العرب الدموية تفيض بالكره، الأمر الذي يجعل مقامات العشق جاذبا لقلوب الناس قبل عقولهم".
وأضاف: "أهل الطريق أو الصوفيون يجمعون محبة الله مع سلام أزلي، لا تغريهم معتركات الحياة ولا يبحثون عن غنيمة أو أرباح، ولا يمتطون الدين لتحقيق مكاسب".
واعتبر أن الناس وجدوا في "مقامات العشق" مكانا للسلام والحب وهو عمل ينفض الغبار عن أدمغتنا وقلوبنا معا.
ومن ابرز أعمال البطوش "سمرقند"، "المهلب بن أبي صفرة" "أبوجعفر المنصور".
وعبّر الفنان السوري مصطفى الخاني عن سعادته بالأصداء الإيجابية التي تلقاها عن دوره في مسلسل مقامات العشق.
ويؤدي الخاني شخصية رجل دين متطرف يستطيع من خلال فكره المتشدد وقدرته على الإقناع على اللعب بالعقول.
وقال الخاني :"أؤدي دور الشيخ حامد الذي يقود التيار المضاد لابن عربي، حيث يدخل في المجتمع بطريقة أكثر دهاءً وتأثيراً في الشباب من تلك التي اعتمدتها لدى تأديتي دور المتطرِّف بمسلسل "ما مَلَكت أيمانكم"، إذ كنتُ مباشراً وفجًّا، فيما أسعى في "مقامات العشق" إلى التأثير بالفكر وأردّد أن "قتْل فكر ابن عربي أهم من قتْل ابن عربي".
وأضاف "يقدّم العمل الصراع بين الإسلام المتطرِّف والإسلام الحقيقي الوسطي المجابه للتشدّد، على الصعيدين الفكري والجمالي، وقد استعنا بالحب والتشويق والإثارة لإيصال الحكاية التي تروي فصولاً من حياة الشيخ الصوفي وحياة الفيلسوف الكبير ابن رشد وفكريهما".
وتعتبر الدراما السورية منبرا متفردا قدم العديد من الأعمال التاريخية المؤثرة في خارطة الدراما العربية واهتم بسير أعلام التاريخ في المنطقة العربية وأبرز أحداثها، على غرار "الزير سالم" "صلاح الدين الأيوبي" "الحجاج" مسلسل "عمر" و"الظاهر بيبرس".
وتألقت الدراما السورية بفضل المسلسلات الدينية، وحققت عبرها الانتشار والأرباح والجوائز في مهرجانات كثيرة.
لكن بريق الدراما التاريخية والدينية في الدول العربية خفت تدريجيا لأسباب عديدة وعوامل متشابكة ومتداخلة.
وودعّت المسلسلات الدينية عصرها الذهبي الذي عاشته في السابق بعد ان سحبت المسلسلات العصرية والشبابية البساط من تحت أقدامها.
واعتبر نقاد ان ندرة الأعمال الدينية في رمضان ترجع بالأساس الى ضخامة تكاليفها الإنتاجية وتحريم تجسيد بعض الشخصيات الدينية وقلة التسويق وعزوف القنوات الفضائية عن شراء المسلسلات الدينية وغلبة الرؤية المتطرفة على بعضها.
وأفاد نقاد أن المسلسل الديني لا يتم إنتاجه بهدف تحقيق مكسب مادي وإنما هو جزء من الدور الأساسي الذي تم إنشاء القطاع من أجله، وهو تقديم أعمال تعبر عن ثقافة المجتمع.
واعتبروا أن الأعمال الدينية المعتدلة والبعيدة عن التطرف والتشدد الديني تلعب دورا كبيرا في إنارة العقول وتقويم الأخلاق.
وكانت بعض المسلسلات تهدى لدول أفريقيا وشرق اسيا بعد ترجمتها إلى لغات مختلفة للتعرف على جذور الإسلام المعتدل والمستنير وروح التسامح والتعايش بين الأديان.
وتراجع المسلسل التاريخي الديني في السنوات الأخيرة وفقا لمتابعين للشأن الفني بسبب زعم المنتجين بأنه لا يحقق أرباح مادية، وأن أصحاب القنوات الخاصة لا يقبلون عليه لأنه لا يحقق إعلانات.
ومن أبرز الإشكاليات التي تعترض صناع الدراما التاريخية أن معظم نجوم السينما لا يجيدون اللغة العربية، وليس لديهم الاستعداد للمشاركة في أعمال تلزمهم بالاجتهاد والمثابرة في إتقان الدور.
وأفاد مراقبون أن النجوم الشباب يفضلون الأعمال العصرية لسهولة التمثيل فيها، كما أنهم يتجنبون الظهور بملابس تاريخية، ويفضلون ارتداء الأزياء الفاخرة في مسلسلات الصراع على السلطة والمال والحب، وهي نوعية الأعمال التي تقبل عليها القنوات الفضائية.
وتثير الأعمال الفنية الدينية الكثير من الجدل في العالم العربي عند الشروع في تنفيذها أو عرضها، إذ تواجه خطر المنع مع الضغوط الَّتي تمارسها المرجعيَّات الدِّينيَّة لوقفها.
ويشكل ظهور الشخصيات الدينية في الأعمال الفنيَّة مسألة حساسة ما زالت تثير الكثير من الجدل في العالم العربي، خصوصًا مع بدء كل موسم رمضاني، وغالبًا ما تواجه هذه الأعمال مطالب بمنع عرضها من قبل المراجع الدينية.
وغالبًا ما يثار الجدل عند الشروع بتصوير أو عرض أحد الأعمال التي تتناول إحدى الشخصيات الدينية على الرغم من التصاريح الَّتي تحصل عليها، فصورة الأنبياء والشخصيات المقدسة عليها الكثير من التَّحفظات خوفًا من تجسيدها في أعمالٍ فنية قد تسيء بشكلٍ أو بآخرٍ لمكانتها الروحية في نفوس البشر أو بحجة تأجيج المشاعر والفتن الطائفية.