'فن الصفقة' والعلاج بالصدمة

كتاب ترامب يعكس فلسفته في الإدارة والتفاوض، حيث يعتمد على المبالغة الصادقة، استغلال الفرص، ودراسة السوق، مما يجسد رؤيته للنجاح في السياسة كما في الأعمال.

لم تمر مئة يوم على تولي الرئيس السابع والأربعين دونالد ترامب مهام عمله في البيت الأبيض حتى تغير وجه العالم وأصبح أكثر قربا من نشوب حرب ليست كسابقاتها من الحروب. أصدر ترامب مئات القرارات الإدارية في فترة وجيزة، هدد كندا والمكسيك وجزر جرين لاند، وتوعد إيران بالجحيم، وبشر إسرائيل بالنعيم ودعم غير مسبوق كي تتخلص من الفلسطينيين وتقيم دولة إسرائيل الكبرى. أغلق الباب في وجه الرئيس الأوكراني زيلنيسكي وتعامل مع أوروبا بصلف، بينما رحب بعقد صفقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إذا ما أوقف الحرب على أوكرانيا وأحتفظ بما اقتطع من أراضي منها وأخيرا وليس آخرا أصدر مرسوم برفع الرسوم الجمركية على واردات كل دول العالم إلى أميركا بنسب متفاوتة فتهاوت أسهم البورصات العالمية وعم التوتر أرجاء الأرض مع ظهور شبح الكساد والدخول في حرب اقتصادية بعد إعلان الصين المعاملة بالمثل وفرض رسوم جمركية على وارداتها من البضائع الأميركية فهل يدفع ترامب العالم إلى الهاوية وصراع لا يحمد عقباه؟

"كل الدول بادرت بالاتصال هذه نتيجة جميلة لما فعلناه لو كنا طلبنا من هذه الدول تقديم خدمة، ما إلتفت إلينا أحد، هكذا تكون المفاوضات، ونحن على إستعداد. شيء مقابل شيء هكذا تدار المفاوضات" بهذه العبارات المفعمة بالحماس علق ترامب بزهو على قراره الأخير، والذي وصفه بيوم التحرير لتندلع المظاهرات في عموم الولايات الأميركية اعتراضا على قرارته العشوائية.

فما هو المنطق الذي يحكم سلوك ترامب؟ وهل يعتبر الرجل الذي استطاع الوصول إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الأميركية مرتين غير متزن نفسيا ويجر العالم نحو الخراب أم عبقري يعيد رسم الخرائط وفرض إرادة أميركا؟ وهل ستكون سياساته سببا في اشتعال الأزمات؟ أم أنه قادر على أن يرسخ لعصر جديد تحكم فيه أميركا العالم عن بعد وتتحكم في مقدرات الشعوب وتسطو على الأراضي وتستنزف الثروات بأقل جهد وكلفة ؟ في سيناريو لم يتبادر إلى ذهن أكثر المحللين السياسيين تشاؤما على وجه الأرض.

في كتاب "فن الصفقة" الذي قام ترامب بتأليفه، وأعده الصحفي توني شوارتز وصدر في العام 1987 فتصدر مبيعات الكتب الأميركية، وظل لعدة أعوام في قائمة الأكثر مبيعا، ومضات من حياته وعن طريقة تفكيره وأسلوبه في الإدراة وعقد الصفقات.

ولد دونالد ترامب في 14 يونيو/حزيران 1946 في مدينة نيويورك وتربى في كنف عائلة ثرية. تخرج من جامعة بنسلفانيا بعد أن درس الاقتصاد وعمل في شركة والده في مجال العقارات حتى أصبح الرئيس التنفيذي للشركة. فاستطاع أن يجعل اسم ترامب علامة تجارية لها وزنها.

يرى دونالد ترامب أنه يملك موهبة فطرية، وملكة سحرية، تجعله قادرا على إبرام الصفقات الناجحة فيخرج منها منتصرا بأعلى المكاسب في أحلك الظروف. يسرد قصة نجاحه في كتابه الذي يعد خليطا ما بين كتب السير الذاتية والتنمية البشرية ربما نستطيع فهم النقاط التي يرتكز عليها في عقد صفقاته ومعرفة ما يدور في عقله وتوقع خطواته. وأن كان ذلك ليس بالأمر الهين على الإطلاق.

"إن إتمام الصفقة يعد عملا فنيا أكثر من كونه طريقة لجني الأموال"

هكذا يبدأ ترامب حديثه في السطور الأولى للكتاب. يرى أن فن التفاوض يقوم على أسس أهمها، إختيار التوقيت السليم، والقدرة على التحكم في الرأي العام ومن ثم الإقناع مع إعتماد المبالغة الصادقة على حد تعبيره، وهي فلسفة وسياسة تدفع إلى تعزيز الإهتمام بالمشروع الذي تروج له وتعزز النظرة الإيجابية نحوه والتفاؤل به. ما يخلق زخم حول هذا المشروع ويدفع إلى نجاحه بشكل كبير.

حول اسمك إلى علامة تجارية جاذبة وناجحة

حرص ترامب على تحويل اسمه إلى علامة تجارية تتمتع بقدر من المصداقية، "إنك لا تستطيع خداع الناس طوال الوقت، عليك أن تكون صادقا في تعاملاتك المادية، ومواعيد التسليم، والإلتزام بأعلى معايير الجودة".

اشترى ترامب قصر مارالاغو في بالم بيتش بولاية فلوريدا في العام 1985 بعد مراوغة تجارية ناجحة، اقتنص القصر بأقل من نصف ثمنه ليدفع 7 ملايين دولار نظير امتلاكه معلم فريد من معالم ولاية فلوريدا لكنه تفاجأ بمصاريف صيانة القصر الذي يعد تحفة فنية شيدت في العام 1927 وعندما مر بضائقة مالية في تسعينيات القرن الماضي وكاد أن يشهر إفلاسه فكر في استغلال القصر بشكل مختلف، فحوله إلى منتجع للأثرياء ونادي للمشاهير يحقق أرباح ضخمة ويخصص لإقامة الحفلات وقضاء العطلات، فاصبح يدر أرباح تجاوزت 25 مليون دولار في العام 2017 لتقدر مجلة فوربس العقار بمبلغ 350 مليون دولار في العام 2022.     

الجموح الدائم نحو أهداف كبيرة

الأفكار المتواضعة تؤدي إلى صفقات متواضعة. هكذا يرى ترامب الأمور، فالفرق بين أصحاب المليارات والآخرين الذين يعملون على جني الأموال تكمن في طريقة التفكير فأصحاب المليارات يعملون على نطاق أوسع والتطلع دوما لمشاريع أضخم.

دراسة السوق

يشير ترامب أن دراسة السوق من خلال استطلاعات الرأي أمرا فاشلا، فغالبا ما تكون هذه الاستطلاعات موجهة، يجب عليك دراسة السوق بنفسك: أنا لا أمل من طرح الأسئلة على سائق التاكسي عند الركوب معه لمعرفة كل ما أريد معرفته.

استغلال الفرص

إن فترات الركود والكساد تحمل العديد من الفرص الثمينة التي يجب استغلالها. كان ترامب يخطط لشراء طائرة بوينغ 727 وكان سعرها في حدود 30 مليون دولار وبمحض الصدفة يأتيه خبر أن شركة دايموند شامروك وهي شركة نفط وغاز في تكساس تعاني من مشاكل مالية خطيرة، والشركة تملك واحدة من هذا الطراز الذي يبحث عنه، يتصل فورا ويعرض 4 ملايين دولار لشراء الطائرة، فتطلب الشركة 10 ملايين، ليبدأ التفاوض فيأخذ الطائرة التي أراد شرائها بمبلغ 8 ملايين دولار وتتم الصفقة.  

فن الظهور واستخدام الإعلام

يرى دونالد ترامب أن للإعلام دور في صناعة النجاح. فلا يجب أن يتوقف الحديث عنك، وإثارة الجدل حولك مفيدة في جميع الأحوال، وهي تدفع للاهتمام بمشاريعك وأفكارك. واختياراتك الناجحة في انتقاء من يساعدك على بناء صورة إيجابية في وسائل الإعلام موهبة، وقدرتك الشخصية على رسم شخصيتك بشكل مثير ومميز أمام الناس موهبة أكبر.

استمتع بما تفعل

وهي بالتأكيد ضد مقولة حب ما تعمل حتى تعمل ما تحب، ينصح دونالد ترامب بأن تستمتع من اللحظة الأولى بما تحب وتعطيه كل وقتك ومجهودك، فالوصول لن يكون سهلا وتحقيق المكاسب لن يأتي في الأيام الأولى للعمل، فيجب أن تستمع بما تعمل لتخلق نوع من التحفيز للاستمرار، وقدرة على الصمود لأن الطريق لن يكون مفروش بالورد. واحتمالية السقوط واردة ولكي تستطيع المواصلة عليك بالمثابرة وإعادة المحاولة والاستمتاع باللحظات التي تقضيها في العمل وفيما تحب.

المبالغة الصادقة

تحدث ترامب في كتابه عن واحدة من نقاط قوته. المبالغة الصادقة، واستغلال حب الناس لها " أنا ألعب على أوهام الناس. قد لا يفكر الناس في أشياء كبيرة لكنهم يشعرون بالإثارة والانبهار نحو من يفعلون ذلك. يريد الناس أن يصدقوا أن شيئا ما هو الأكبر والأعظم يشعرهم ذلك بالإثارة. اسمي ذلك المبالغة الصادقة أنه شكل بريء من المبالغة وطريقة فعالة وناجحة للترويج".

نظرة ترامب للشعب الصيني

يزعم ترامب أنه قرأ مئات الكتب عن الصين على مدار عقود، ويدعي أنه يعرف الشعب الصيني تمام المعرفة ويعرف كيف يتعامل معه، فقد ربح الكثير من الأموال منهم، ويستطيع التعامل مع الصين بشكل فعال من خلال خبراته للحصول على ما يريد.

يحمل الكتاب في طياته عشرات القصص المبهرة الملهمة التي تظهر دونالد ترامب رجل أعمال فذ. لم تختلف عقلية دونالد كثيرا عند دخوله لعالم السياسة عن تفكيره في إدارة شركاته وعقد صفقاته. يتعامل ترامب مع الدول كالشركات رابحة وخاسرة الخاسر يجب ألا يبرح مكانه أما الشركات الرابحة فيجب أن يقتسم معها الأرباح والثروة، وإلا ستتعرض للضغط شديد حتى تستسلم لشروطه وأحكامه. جدير بالذكر أن شوارتز أبدى ندمه وأسفه على تحرير هذا المؤلف. وصرح أنه رسم لدونالد ترامب صورة زائفة لا تمت للواقع بصلة.

لم يسلم دونالد ترامب من النقد اللاذع. خبراء علم النفس وصفوه بالمخادع، بل أن بعض التحليلات ذهبت إلى أبعد من ذلك، فوصف بالنرجسي الذي استغل أحلام البسطاء لينال ما يريد. برفع شعار جذاب وبراق لكنه أجوف كشعار لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى. وهو ما ذكره في كتابه بالنص عن صناعة الوهم والترويج له. أما ترامب فيعتبر أن كتابه فن الصفقة أعظم كتاب على وجه الأرض بعد الكتاب المقدس.