فى ذكرى اغتياله: فرج فودة وشعار الإسلام هو الحل!

درجت جماعات الإسلام السياسى، وفى مقدمتها جماعة الإخوان على ترديد شعار الإسلام هو الحل وجعلت منه الأساس الذى تستند إليه فى استمالة عواطف البسطاء من الناس وكسبهم لصفها باعتبار أن هذا الشعار السحرى البسيط ينطوى على الحلول الناجعة لجميع المشاكل التى تعانى منها مجتمعات المسلمين.

بقلم: بابكر فيصل بابكر

مرت فى الثامن من هذا الشهر الذكرى السادسة والعشرون لاغتيال المفكر المصرى الكبير فرج على فودة، على يد اثنين من المسلحين الإسلامويين، ينتميان للجماعة الإسلامية، إنفاذاً لفتوى قضت بتكفيره وخروجه عن ملة الإسلام.

استطاع فودة خلال مسيرة حياته القصيرة نسبيا (47 عاما) أن يسطر اسمه باقتدار وجدارة فى سجل كبار أهل التنوير الذين سعوا لتبديد الأفكار الظلامية التى ظلت تسيطر على العقل المسلم وخيمت على المجتمعات العربية والإسلامية لقرون طويلة.

غطى مشروع فودة، القائم على نقد العقل الماضوى وتسييس الدين، على العديد من الجوانب التى شملتها كتبه، ومن بينها كتابه «قبل السقوط» الذى شرح فيه فشل تجربة تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية فى السودان عام 1983 ومخالفتها لحقوق الإنسان وروح العصر، فضلاً عن استغلالها لتصفية الخصومات الفكرية والسياسية.

رحل فودة بعد أن سعى لفتح كوة لتبديد الظلام الذى ظل جاثما على العالم الإسلامى منذ مئات السنين. كذلك كشف فودة جرائم الإسلامويين فى كتابيه «الملعوب» و«الإرهابى»، حيث قام بفضح ألاعيب شركات توظيف الأموال وسرقتها لمدخرات آلاف المصريين، إضافة لتفكيكه للأفكار التى وقفت وراء ظاهرة العنف التى استشرت فى بلده المحروسة فى تسعينيات القرن الفائت.

غير أن أهم مساهمات فودة تمثلت فى دحضه لشعار «الإسلام هو الحل»، الذى أوضح أن القصد منه هو إخفاء حقيقة عدم امتلاك جميع تيارات الإسلام السياسى لبرنامج محدد للحكم، وقد مثل كتابه «الحقيقة الغائبة» أكبر المساهمات التى فتحت الطريق أمام العديد من الباحثين والكتاب للتنقيب فى التاريخ الإسلامى من أجل دحض أوهام حلم عودة الخلافة التى يدعى الإسلامويون أنها ستكون الحل لجميع مشاكل المجتمعات الإسلامية.

عمد كتاب «الحقيقة الغائبة» إلى الرد على العديد من الأسئلة من شاكلة: هل يوجد نظام حكم واضح المعالم فى الإسلام؟ وهل هناك قاعدة فى القرآن والسنة تحدد كيف يبايع المسلمون حاكمهم وتضع ميقاتا لتجديد البيعة؟ وهل هناك أسلوب محدد لعزل الحاكم بواسطة الرعية؟ وتثبيت حق الرعية فى سحب البيعة كما ثبت لها حقها فى إعلانها، وهل كان نظام الخلافة إسلاميا حقا؟ وغير ذلك من الأسئلة التى استند فى الإجابة عليها على ما ورد فى كتب التاريخ الإسلامى.

درجت جماعات الإسلام السياسى، وفى مقدمتها جماعة الإخوان، على ترديد شعار «الإسلام هو الحل»، وجعلت منه الأساس الذى تستند إليه فى استمالة عواطف البسطاء من الناس وكسبهم لصفها باعتبار أن هذا الشعار السحرى البسيط ينطوى على الحلول الناجعة لجميع المشاكل التى تعانى منها مجتمعات المسلمين.

ومن المعلوم أن شعار «الإسلام هو الحل» قد استخدم للمرة الأولى بواسطة جماعة الإخوان فى مصر عام 1987 وكان الأستاذ عادل حسين هو أول من صك الشعار أثناء التحالف الذى جمع حزبى العمل والأحرار مع جماعة الإخوان لخوض انتخابات مجلس الشعب فى ذلك العام، ومن ثم تم استخدامه فى كل الانتخابات اللاحقة بغرض استمالة الناخبين وجذبهم تجاه مرشحى الجماعة باعتبار أنهم يمثلون الإسلام.

كان فودة على رأس المفكرين الذين تصدوا لهذا الشعار، حيث كشف بذكاء وجرأة خطله، وأوضح أنه لا يشتمل على أى مضمون حقيقى، لا تاريخى ولا معاصر، وأنه لا يرقى إلى مستوى أى تطبيقات اجتماعية أو سياسية فاعلة تخرج بالمجتمع الإنسانى الحديث من أى إشكالية اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية تواجهه.

كتب فودة فى «الحقيقة الغائبة» منتقدا ذلك الشعار الذى لا يقدم أى حل للمشاكل المعاصرة التى يمر بها المجتمع يقول: «إنك إن انتقلت من عهد عثمان إلى عهدنا الحاضر لا تجد شيئا قد اختلف أو استجد، سواء بالنسبة لحل مشاكل المجتمع، أو بالنسبة لمواجهة السلطة إن انحرفت، من خلال منظور إسلامى، ودونك ربطهم بين تطبيق الشريعة وحل مشاكل المجتمع، واسألنى واسأل نفسك: كيف ترتفع الأجور وتنخفض الأسعار إذا طبقت الشريعة الإسلامية؟ كيف تحل مشكلة الإسكان المعقدة بمجرد تطبيق الشريعة الإسلامية؟

كيف تحل مشكلة الديون الخارجية بمجرد تطبيق الشريعة الإسلامية؟ كيف يتحول القطاع العام إلى قطاع منتج بما يتناسب وحجم استثماراته فى ظل تطبيق الشريعة الإسلامية؟ هذه مجرد عينات من الأسئلة، على الداعين للتطبيق الفورى للشريعة والمدعين أنها سوف يترتب عليها حل فورى لمشاكل المجتمع أن يجيبوا عليها. وهم إن حاولوا الإجابة وجدوا أنفسهم أمام المأزق الذى يدور هذا الحوار حوله، وهو وضع برنامج سياسى متكامل. بل إن تفرغهم للإبداع (النقلى) من اجتهادات القرن الثانى الهجرى يمكن أن يقودهم إلى تعقيد المشاكل بدلا من حلها».

دأب فودة على فضح شعار «الإسلام هو الحل» وغيره من شعارات الإخوان التى تعتمد الصيغ السحرية للكلام المؤثر الذى فقد فاعليته التاريخية عبر طرح الأسئلة الصعبة مثل الأسئلة أعلاه، وعبر التمحيص والنظر الدقيق فى فصول التاريخ الإسلامى وفهم الكيفية التى تم بها الوصول للحكم وأساليب تداول السلطة ومدى تطابق ذلك مع المقاصد الدينية الكبرى.

بالطبع لم تحتمل جماعات الإسلام السياسى تلك المراجعات الذكية والأسئلة الصادمة التى ضربت فى صميم دعوتها وكشفت تهافت شعاراتها وخواء دعوتها، فما كان منها إلا أن أحالت المعركة الفكرية لساحات التخوين والتكفير والقتل، فتواطأت جهات عديدة، منها الإخوان أنفسهم، على إصدار فتوى تصفية الدكتور فودة.

دأب فودة على فضح شعار «الإسلام هو الحل» وغيره من شعارات الإخوان.

أصدر فتوى القتل الإخوانى المعروف الدكتور محمود مزروعة، أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر، والشاهد الرئيسى فى قضية مقتل الدكتور فرج فودة، وقام بتنفيذها مسلحان ينتميان إلى تنظيم الجماعة الإسلامية. قال مزروعة إن اتصالاً جاءه من شباب يدعون انتماءهم لإحدى الجماعات الإسلامية، ويريدون استشارته فى أمر عاجل، فحدد لهم موعداً فى إحدى محطات البنزين فى القاهرة، والتقى بهم فى غرفة داخلية. فسألوه: «ما حكم المرتد؟» فأجاب: «قتله»، ثم سألوه: «وإذا لم يقتله الحاكم؟» فأجاب قاطعا: «يكون حكم قتله فى رقاب عامة المسلمين». اقرأ للكاتب أيضا: حول حادثة جلد سودانية تزوجت دون موافقة أبيها

فى شهادته أمام المحكمة قال مزروعة إن «فرج فودة أعلن رفضه لتطبيق الشريعة الإسلامية، ووضع نفسه وجندها داعية ومدافعا ضد الحكم بما أنزل الله.. وكان يقول: لن أترك الشريعة تطبق ما دام فىَّ عرق ينبض.. وكان يقول: على جثتى.. ومثل هذا مرتد بإجماع المسلمين، ولا يحتاج الأمر إلى هيئة تحكم بارتداده».

أما محمد الغزالى فقد قال إن «فرج فودة بما قاله وفعله كان فى حكم المرتد، والمرتد مهدور الدم، وولى الأمر هو المسؤول عن تطبيق الحد، وأن التهمة التى ينبغى أن يحاسب عليها الشباب الواقفون فى القفص ليست هى القتل، وإنما هى الافتئات على السلطة فى تطبيق الحد».

رحل فودة بعد أن سعى لفتح كوة لتبديد الظلام الذى ظل جاثماً على العالم الإسلامى منذ مئات السنين، وقد حاول الرجل بشجاعة نادرة أن يقتحم أعشاش الدبابير وجحور الأفاعى المسؤولة عن مأساة العقل الإسلامى، تلك المأساة التى تجلت فى محكمة قاتله عبر الحوار التالى:

سأل المحقق القاتل: لماذا قتلته؟ (أى فرج فودة)

أجاب: لأنه ينشر كتباً تدعو إلى الكفر والإلحاد. سأل المحقق: هل قرأت هذه الكتب؟

أجاب القاتل: لا، أنا ما بعرفش أقرأ ولا أكتب.