قال لهم: لا تفعلوا

العالم في حالة ترقب لحدث لا يتحمل الشرق الأوسط حمل أثقاله.

كلمة كانت الحد الفاصل في تأجيل فعل تصاعد التهديد بتنفيذه، قالها الرئيس جو بايدن: لا تفعلوا.. فأدرك المرشد الإيراني علي خامنئي سر الكلمة فطوى ورقة وعيده المجلجل بالإنتقام من إسرائيل إلى أجل غير مسمى.

إيران لا تتحرك إلا بضوء أخضر أميركي تجنبا لكارثة لا تحمد عقباها، هكذا اعتادت منذ نشوء جمهوريتها بمباركة الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر الذي أسقط أهم حليف لأميركا في الشرق الأوسط وأشعل نيران فتنة لن تنطفئ، أحرقت قواعد الاستقرار في كل مكان.

أرادت إيران ضربة انتقامية تكتيكية تحفظ ما تبقى من كرامتها ردا على استهداف قنصليتها التي تعد أرضا إيرانية في العاصمة السورية دمشق، فاكتشفت أن هذا التكتيك يضرب قواعد إستراتيجية محرم المساس بها، لا تأذن إدارة البيت الأبيض بتنفيذه تحاشيا لتداعياته الخطرة في ظل أجواء متوترة أصلا.

سقف عال رفعته إيران في تهديداتها، فاق سقف مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني، دون إدراك لضعف قدرتها التنفيذية في ميزان الحسابات السياسية إقليميا ودوليا.

كان المرشد الإيراني يعتقد أن واشنطن ستأذن له بضرب أصول إسرائيلية دون رد فعل تصعيدي يهز أركان نظامها الداخلي ويزعزع مناطق نفوذها الخارجية.

عبثا حاولت طهران تحييد الموقف الأميركي، في طلبها تنحي واشنطن جانبا بوعد عدم المساس بأصولها العسكرية والدبلوماسية في ردها الانتقامي ضد إسرائيل.

لكن طهران فوجئت بموقف أميركي رسمي يعلن الوقوف إلى جانب إسرائيل والدفاع عنها إذا ما تعرضت لهجوم إيراني، موقف تجسد في تعزيز القدرات العسكرية الأميركية بسفن وطائرات ومنظومات دفاع جوي قادرة على اقتناص المسيرات وصواريخ كروز قبل الوصول إلى أهدافها بالتزامن مع تواجد قائد الجيش الأميركي بالشرق الأوسط في تل أبيب لاتخاذ موقف عسكري دفاعي وهجومي موحد.

مفاوضات طهران مع واشنطن عبر الوسيط السويسري لرسم خطة رد انتقامي إيراني على أهداف إسرائيلية محددة لا تؤدي لحرب إقليمية على نطاق أوسع باءت بالفشل الذي جعل وعد المرشد علي خامنئي حين أطلقه وهو يمسك بيده اليسرى بندقية آلية بالانتقام الكبير من إسرائيل غير قابل للتنفيذ كما يخطط له.

كانت الأجهزة الأميركية الحكومية والمخابراتية تؤكد عبر وسائل الإعلام خلال المفاوضات أن الرد الإيراني آت في وقت قريب لا محالة حتى وضعت العالم في حالة تأهب وترقب لحدث لا يتحمل الشرق الأوسط حمل أثقاله، قبل أن يأتي الرئيس جو بايدن مخاطبا سلطات ولاية الفقيه بكلمة واحدة تحمل المعنى غير القابل للجدل: لا تفعلوا!

واشنطن كسبت ريع المفاوضات مع طهران وقتا كانت بحاجة له لتحييد قدرة الانتقام الإيرانية وإندفاعها غير المحسوب بتعزيز القدرة الأميركية العسكرية الردعية، وفسح المجال أمام تل أبيب لتحشيد قدراتها الدفاعية والهجومية، وكسب ميزان القوة التي لا تجاريها إيران غير المستقرة داخليا في المجالين الإقتصادي والاحتماعي بما يجعلها تؤجل تهديداتها ووعيدها الذي أرادته استنزافا معنويا كأقل تقدير.