قانون المحكمة الدستورية يؤجّج الخلاف بين مجلسي النواب والرئاسي

الحكومة المكلفة من مجلس النواب تدعو إلى اتخاذ الإجراءات القانونية تجاه المجلس الرئاسي بعد مطالبته بإلغاء المحكمة الدستورية.

بنغازي - دعت الحكومة المكلفة من مجلس النواب الليبي برئاسة أسامة حماد مكتب النائب العام إلى اتخاذ الإجراءات القانونية تجاه المجلس الرئاسي بعد مطالبة الأخير بإلغاء القانون رقم (5) لسنة 2023 بشأن إنشاء المحكمة الدستورية، معتبرة أن موقف المجلس منتهي الولاية يعرقل توحيد المؤسسات، في خطوة تصعيدية جديدة من شأنها أن تعمّق من الخلافات بين المجلسين.

وقالت الحكومة في بيان اليوم الأحد إن كتاب المجلس الرئاسي الموجه إلى مجلس النواب، والمتداول عبر وسائل الإعلام، الذي اعترض فيه على قانون المحكمة الدستورية، تضمن "جملة من المغالطات والتناقضات، فهذا القانون صدر من جهة تشريعية مختصة، ويرسخ رقابة الدستور على كل القوانين والتشريعات في مؤسسة قضائية مستقلة عن القضاء العادي على غرار دول الجوار والعالم التي تتبنى نظام المحاكم الدستورية العليا".

واعتبر البيان أن موقف الرئاسي يقوض كل الجهود المبذولة من جميع الأطراف لتوحيد مؤسسات الدولة ولا يعبر إلا عن نظرة شخصية ضيقة لصاحبه، ولا يستند لأي معايير قانونية أو أسباب منطقية"، داعية الجهات القضائية والرقابية إلى التحقيق حيال هذه الوقائع "التي ترتقي لمصاف الجنايات وفتح تحقيق بشأنها، تمهيدا لإحالة مرتكبها إلى القضاء المختص."
وأوضحت الحكومة أنها تابعت عبر وسائل الإعلام الكتاب المنسوب لرئيس المجلس الرئاسي بشأن قانون المحكمة الدستورية، معتبرة أن الخطاب محاولة جديدة لتعميق الشقاق والانقسام بين مؤسسات الدولة الرسمية وأهمها مجلس النواب الجهة الوحيدة المنتخبة من الشعب الليبي.

وعدد البيان حالات إصدار المجلس الرئاسي قرارات وصفها بـالمخالفة للتشريعات السارية والاتفاق السياسي، مشيرا بشكل خاص إلى اختلاق أزمة المصرف المركزي التي تسببت في انهيار الاقتصاد الوطني فترة معينة، مضيفا أنه رغم ذلك لم تجر محاسبته قانونا عن هذا العبث، الذي أثر في المركز المالي والتصنيف الائتماني للمؤسسات المالية بالدولة.

كما أشار إلى إصدار المجلس الرئاسي قرارا بـ"تشكيل وخلق جسم موازٍ للمفوضية العليا للانتخابات، وهو ما أطلق عليه مسمى المفوضية الوطنية للاستعلام والاستفتاء الوطني، دون أن يكون مخولا بذلك". وتابع "لا يخفى على الجميع ما سيترتب على ذلك من إضاعة الفرصة لإنجاز الاستحقاقات الانتخابية عبر مؤسسة رسمية معترف بها لدى جميع الأطراف المحلية والدولية، منبثقة عن مجلس النواب، وهي المفوضية العليا للانتخابات".

واعتبرت حكومة حماد أن المجلس الرئاسي "لم ينجز المهام المحددة الممنوحة له، وأهمها ملف المصالحة الوطنية، التي لم يبذل فيها أي جهود حقيقية على أرض الواقع"، قائلة إنه أمعن واستمر في ارتكاب تصرفات من شأنها زعزعة الأوضاع وخلق الفوضى من خلال التشكيك في شرعية استمرار مجلس النواب الجهة الوحيدة المنتخبة حاليا".

كما اعتبرت أن المنفي بسبب هذه الممارسات "يخالف نص المادة الأولى من القانون رقم 13 لسنة 2023 التي قررت عقوبة السجن لمدة لا تقل عن عشر سنوات لكل من مارس مهام وظيفة انتهت ولاية تكليفه بها".

ونوه البيان بأن العقوبة تكون مشددة إذا كانت الوظيفة المقصودة من الوظائف العليا، كما أنه يخالف النصوص الواردة بالقانون رقم 2 لسنة 1979 بشأن الجرائم الاقتصادية، وكذلك النصوص العقابية الواردة بقانون العقوبات التي تجرم انتحال الصفات والوظائف، وتقرر العقوبات المشددة لها.

وشدد على أن تصرفات المجلس الرئاسي تقوض كل الجهود المبذولة من كل الأطراف لتوحيد مؤسسات الدولة، ولا تعبر إلا عن نظرة شخصية ضيقة لصاحبها، ولا تستند لأي معايير قانونية أو أسباب منطقية.

ويأتي هذا البيان بعد أن اتهم رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، في خطاب وجهه إلى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، البرلمان بمحاولة الهيمنة المستمرة على السلطة القضائية من خلال أداة التشريع في غياب النصاب الدستوري والقانوني عن الجلسات وانعدام الشفافية والإفصاح.

ورفض المنفي إدخال مجلس النواب ما وصفه بتعديلات غير مبررة على القوانين المنظمة السلطة القضائية، والتعدي على اختصاصات تنفيذية، معتبرا ذلك يخل بالتوازن والتكامل المنشود بين السلطات.

واشتدت الخلافات بين المجلسين منذ أغسطس/آب الماضي، على خلفية إصدار المجلس الرئاسي قرارا بتغيير إدارة المصرف المركزي وتكليف محافظ للمصرف بديلا عن المحافظ مشرع من مجلس النواب، ما دفع البعثة الأممية في ليبيا إلى عقد مفاوضات بين ممثل عن المجلس الرئاسي وممثلين عن مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، انتهت بالاتفاق على تعيين محافظ جديد وتشكيل مجلس إدارة للمصرف نهاية سبتمبر/أيلول الماضي.

وفي 26 سبتمبر/أيلول الماضي، كان البرلمان الليبي قد دعا إلى ضرورة إعادة النظر في قانون المحكمة الدستورية استنادا إلى حكم صادر عن المحكمة العليا، قبل أن ترد الأخيرة ببيان في الأول من أكتوبر حذرت فيه من خطورة الموقف الذي انتهجته السلطة التشريعية تجاه السلطة القضائية.

ويرى مجلس النواب أن قانون المحكمة الدستورية العليا هو الأولى بالصدور في المرحلة الانتقالية، حيث أن إنشاء قضاء متخصص في هذه المرحلة من شأنه أن يضبط الأمور في البلاد ولا تتكرر الأخطاء ولتجنب إصدار أحكام على قوانين قبل أن تولد.

وتضاف أزمة المحكمة الدستورية إلى سلسلة الخلافات بين فرقاء ليبيا سواء في طرابلس أو بنغازي، حيث يسعى كل طرف إلى التحصن بعدد من المؤسسات التي تدور في فلكه ليستفيد منها عندما يكون في حاجة إليها.