قراءة نقدية لـ'المسرح اللبناني: أزمة المرجع النقدي من النص إلى العرض'
في كتابه "المسرح اللبناني: أزمة المرجع النقدي من النص إلى العرض"، يقدم الناقد والباحث اللبناني الحسام محيي الدين دراسة مفصلة ونقدية حول واقع النقد المسرحي في لبنان، ويطرح رؤيته الشخصية حول العقبات التي يواجهها هذا المجال في ظل التغيرات الاجتماعية والسياسية المستمرة. يعد الكتاب دعوة لتطوير النقد المسرحي اللبناني، إذ يستعرض في طياته العديد من المشكلات التي يواجهها المسرح اللبناني منذ نشأته، ويبحث في الأزمة الكبيرة المتمثلة في غياب مرجع نقدي ثابت ومعتمد، ما يعوق تطور هذا الفن في البلاد، فما هي الجدلية الأزلية في النقد بين النص والعرض؟
يبدأ محيي الدين كتابه بالحديث عن علاقة "النص" المسرحي و"العرض" المسرحي، وهي علاقة معقدة ترتبط بشكل أساسي بتفاعلات العديد من العوامل الفنية والجمالية. حيث يعرض الباحث الإشكالية الكبرى التي يعاني منها المسرح اللبناني في هذا الصدد، والتي تتمثل في أن النقد غالبًا ما يركز على الجوانب البصرية والإخراجية للعرض المسرحي، ويتجاهل في العديد من الأحيان النصوص المسرحية ذاتها.
يرى الحسام محيي الدين أن النص المسرحي هو الأساس الذي يقوم عليه العرض، ومن خلاله يتم تحديد الأسس الفكرية والتقنية للمسرحية. لكن على الرغم من هذه الأهمية، فإن النقد المسرحي اللبناني نادرًا ما يتناول النصوص بشكل دقيق، بل يميل إلى التركيز على العرض والمخرج، وهو ما يعكس خللًا في العملية النقدية برمتها. في هذا السياق، يشير إلى أن بعض النقاد يروجون للأعمال المسرحية بناءً على إخراج العمل أكثر من النص ذاته أو الأداء التمثيلي، في حين أن التركيز المفرط على الإخراج قد يؤدي إلى إغفال الأفكار العميقة التي يحملها النص المسرحي.
من جهة أخرى، فإن النص المسرحي، في رأي محيي الدين، يشهد تراجعًا كبيرًا في عملية الكتابة المسرحية. فالكثير من الكتاب المسرحيين اللبنانيين لا يتخصصون في هذا المجال بل يتجهون إليه كهواتف عرضية من مجالات أدبية أخرى مثل الشعر أو السرد القصصي. هذا الأمر يجعل الكتابة المسرحية تفتقر إلى المنهجية اللازمة لتطوير النصوص التي يمكن أن تكون أساسية في التفاعل مع العرض المسرحي. فماذا عن غياب البنية الأكاديمية والتشتت النقدي؟
تُعد إحدى القضايا الأساسية التي يعالجها محيي الدين في كتابه هي غياب البنية النقدية الأكاديمية المنهجية في لبنان. إذ لا توجد مرجعية نقدية متكاملة يمكن للمسرحيين والنقاد العودة إليها، وهذا يجعل النقد المسرحي في لبنان عرضة لعدد من الأزمات منها التشتت في الرؤى النقدية والسطحية في التحليل. ويرى محيي الدين أن النقد المسرحي في لبنان يعتمد على آراء فردية أو انطباعات شخصية للنقاد، مما يؤدي إلى تباين في تقييم العروض المسرحية وتقديم تقييمات متناقضة.
كما أن غياب المؤسسات الأكاديمية المخصصة لدراسة النقد المسرحي يساهم في هذا الوضع. فغالبًا ما تقتصر الدراسة النقدية في لبنان على برامج جامعية لا تتخصص في النقد المسرحي أو الأدب المسرحي بشكل عام، مما يؤدي إلى إنتاج نقاد لا يمتلكون الأدوات الأكاديمية الكافية لتقديم تحليلات معمقة ومتوازنة.
وعلى الرغم من أن المسرح اللبناني قد شهد بعض التطورات في العقود الأخيرة، إلا أن غياب النقد الأكاديمي الممنهج يحد من هذه التطورات، ويجعل من الصعب إحداث نقلة نوعية في هذا المجال. يرى محيي الدين أنه لا يمكن للنقد أن يواكب تطور المسرح اللبناني ما لم يُؤسس له إطار أكاديمي جاد ومتخصص. فماذا عن التأليف المسرحي والكتابة دون أفق احترافي؟
يتطرق محيي الدين إلى قضية أخرى هي التأليف المسرحي في لبنان، ويشير إلى أن العديد من الكتاب المسرحيين في لبنان لا يتخصصون في المسرح كمجال أكاديمي أو فني. بل، يأتي العديد من هؤلاء الكتاب من مجالات أخرى مثل الشعر أو القصة القصيرة، وهو ما يعكس نقصًا في التخصص الفني في مجال المسرح.
وتكمن المشكلة في أن هذا الاتجاه يؤدي إلى إنتاج نصوص مسرحية تفتقر إلى العناصر التقنية والتكتيكية اللازمة لخلق عروض مسرحية ناجحة، وهذا بالطبع يؤثر على قدرة هذه النصوص على التفاعل مع الجمهور بشكل فعال. فالنصوص المسرحية تحتاج إلى فهم عميق للغة المسرح، بما في ذلك الجوانب الإخراجية والتمثيلية. وبسبب هذا النقص في التخصص، نلاحظ أن العديد من النصوص المسرحية اللبنانية تفتقر إلى الطموح والتجديد، مما يجعلها تكرر الأنماط التقليدية ولا تضيف جديدًا للساحة المسرحية.
وبذلك، يشير محيي الدين إلى أن الكتابة المسرحية في لبنان تعاني من نقص في الابتكار، ويؤكد على ضرورة تطوير نصوص مسرحية تكون قادرة على تحدي الأنماط السائدة في الكتابة المسرحية والقيام بإضافة جديدة للأدب المسرحي اللبناني. فهل النقاد لا يعيرون أهمية للعناصر الأساسية؟
ينتقد محيي الدين في كتابه أيضًا نقص الاهتمام النقدي بالعناصر الأساسية في العمل المسرحي مثل الإخراج والأداء التمثيلي. إذ يرى أن النقد المسرحي في لبنان غالبًا ما يهمل أو يختصر هذه العناصر في الحديث عن العوامل السطحية للعمل دون التدقيق في تفاصيل الأداء التمثيلي أو التفكير النقدي في الطرق التي يعتمدها المخرج لتنفيذ العرض على خشبة المسرح.
يشير محيي الدين إلى أن غالبية النقاد يركزون على انطباعاتهم العامة عن العروض دون الخوض في تحليل تقني للأداء المسرحي. بينما النقد الفعّال يجب أن يتجاوز تلك الانطباعات العامة ويشمل تحليلاً دقيقًا لأساليب الممثلين في التعبير عن الشخصيات، والتقنيات التي يستخدمها المخرج في تحويل النص إلى صورة مسرحية حية.
أيضًا، يتحدث محيي الدين عن عدم وجود اهتمام كافٍ في تحليل آليات الإخراج، التي تعتبر من أهم العناصر التي تساهم في نجاح العرض المسرحي أو فشله. ففي لبنان، غالبًا ما يظل المخرج في ظل النقد، ولا يتم تسليط الضوء على الطرق التي يستخدمها المخرج لتحويل النصوص إلى عروض مرئية ومسموعة على خشبة المسرح. فهل من نقد أكاديمي مرن وجديد؟
ختامًا، يعرض محيي الدين في كتابه رؤيته النقدية التي تدعو إلى ضرورة إعادة تشكيل النقد المسرحي في لبنان من خلال تأسيس إطار أكاديمي مرن ومتجدد يمكنه استيعاب التحولات الثقافية والاجتماعية في لبنان. يدعو إلى تجنب النقد الانطباعي الذي يقتصر على المجاملات، ويؤكد على أهمية تأسيس مناهج نقدية قادرة على التعامل مع التحديات الفنية والمسرحية الجديدة.
كما يسلط الضوء على ضرورة تطوير وسائل تحليلية نقدية قادرة على مواكبة التطورات في فنون المسرح، بما في ذلك الاهتمام بالعناصر الإخراجية والتمثيلية، وتخصيص مساحة أكبر لدراسة النصوص المسرحية بشكل معمق، وتقديم أدوات فنية ونقدية قادرة على دعم الكتاب المسرحيين اللبنانيين.
من خلال هذا الكتاب، يقدم محيي الدين مشروعًا نقديًا قادرًا على التأثير بشكل إيجابي في تطور المسرح اللبناني، ويؤكد على أن النقد هو الأداة الأساسية التي تساعد على خلق مسرح قوي وجاد يواكب المتغيرات ويسهم في إثراء الثقافة المسرحية بشكل عام.