قرار قضائي يثبت المشري رئيسا للمجلس الأعلى للدولة يعمق أزمة الدبيبة

القرار القضائي يعتبر بمثابة دفعة سياسية للمشري في مواجهة خصومه داخل المجلس، وعلى رأسهم محمد تكالة الذي أصر على أن الحكم لا يمنح لمنافسه الشرعية.

طرابلس - في تطور قضائي لافت قد يعيد ترتيب المشهد السياسي الليبي، أصدرت الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا حكمًا يقضي بعدم اختصاص محكمة استئناف جنوب طرابلس بالنظر في الدعوى المرفوعة من عضو المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة ضد رئيس المجلس خالد المشري، وهو حكم من شأنه إعادة الاعتبار له رئيسًا قانونيًا للمجلس الأعلى للدولة.
ويُتوقع أن يكون لهذا الحكم القضائي تداعيات سياسية مباشرة على رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، الذي يواجه ضغوطًا متزايدة من خصومه السياسيين، وفي مقدمتهم خالد المشري نفسه. إذ أن تثبيته على رأس المجلس الأعلى للدولة يعزز موقف الأطراف المطالبة بإقالة حكومة الوحدة وتشكيل حكومة جديدة بالتوافق مع البرلمان، مما قد يدفع المشهد الليبي نحو مزيد من التصعيد السياسي والمؤسساتي. يأتي ذلك في وقت تتصاعد فيه موجات السخط الشعبي وتزداد الدعوات لإنهاء المرحلة الانتقالية، وسط غياب أي تسوية سياسية واضحة المعالم.
الحكم الذي وصفه العديد من المراقبين بأنه ذو طابع إجرائي أكثر منه موضوعي، أسقط فعليا القرار السابق لمحكمة استئناف جنوب طرابلس والذي كان قد طعن في شرعية المشري، لكنه لم يبت في جوهر الخلاف القائم حول رئاسة المجلس الأعلى للدولة.
وفي انتظار نشر الحيثيات التفصيلية للحكم، اعتُبر القرار القضائي بمثابة دفعة سياسية للمشري في مواجهة خصومه داخل المجلس، وعلى رأسهم محمد تكالة الذي أصر على أن الحكم لا يمنح لمنافسه الشرعية، بل يكتفي بنفي اختصاص الجهة التي نظرت الدعوى في وقت سابق.

وسارعت الأطراف السياسية المتحالفة مع المشري، أو التي ترى مصلحة في استقراره على رأس المجلس الأعلى للدولة، إلى الترحيب بالقرار. وكان رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، أول من أبدى تأييده، معتبراً الحكم بمثابة "فصل نهائي في النزاع حول رئاسة المجلس"، وداعياً إلى تفعيل دوره السياسي كمكمل للبرلمان في مساعي التوصل إلى تسوية شاملة.

لكن هذا الموقف جوبه سريعاً برد من محمد تكالة، الذي شكك في تفسير الحكم، مؤكداً أن القضاء لم يفصل في شرعية أي من الطرفين، وأن الاستناد إلى القرار القضائي لدعم استمرار منافسه يمثل تحريفاً للحقيقة القانونية، ويُعد محاولة لتضليل الرأي العام الليبي.
وفي بيان رسمي، قال إن القيادة التي تم انتخابها في نوفمبر 2024، والتي يتولى رئاستها، لا تزال تمثل "الشرعية القانونية"، محذراً من "استغلال القضاء لأغراض سياسية"، وداعياً إلى احترام نتائج العملية الديمقراطية ودعم مبادرته الوطنية لإجراء انتخابات مبكرة تنهي حالة الانقسام.

وفي المقابل، أصدر المجلس الأعلى للدولة بياناً رسمياً رحب فيه بالحكم، واعتبره تعزيزاً لمبدأ استقلال القضاء ودوره في إعادة المؤسسات إلى مسارها القانوني والدستوري الصحيح. وأكد البيان أن الحكم يُكرس مبدأ الفصل بين السلطات ويعزز من دور القضاء كمرجعية للفصل في النزاعات المؤسسية.
ودعا المجلس في بيانه كافة الأطراف السياسية إلى احترام الأحكام القضائية والابتعاد عن استخدام المؤسسات كأدوات للصراع السياسي، مشدداً على أن "الالتزام بالقضاء يمثل حجر الزاوية لبناء دولة القانون وضمان استقرار الأداء السياسي".
لكن هذا الحكم، بما يحمله من دلالات سياسية، يضع الدبيبة، في زاوية أكثر ضيقاً، إذ إن المشري يُعد من أبرز المطالبين بإقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة جديدة بالتوافق مع مجلس النواب.

وتثبيت المشري في موقعه القانوني يعزز موقفه التفاوضي داخل المعادلة السياسية، ما قد يُسرّع الخطوات نحو الضغط على حكومة الوحدة، سواء من خلال المؤسسات الرسمية أو عبر دعم الحراك الشعبي المتصاعد، خصوصاً أن العلاقة بين الطرفين تشهد توتراً متزايداً منذ شهور.
وفي هذا السياق، يرى محللون أن قرار المحكمة لا يخدم رئيس حكومة الوحدة الوطنية بأي حال من الأحوال، بل يزيد من الضغوط الواقعة عليه، في ظل انتقادات سياسية متزايدة وتحركات شعبية غاضبة، بعضها يطالب صراحة بإسقاط حكومته وإنهاء المرحلة الانتقالية برمتها.
وعلى الأرض، انعكست هذه التوترات على شكل احتجاجات ليلية متفرقة في العاصمة طرابلس ومدن أخرى للمطالبة بحل كل الاجسام السياسية ورفض حالة الجمود السياسي. فقد شهدت شوارع طرابلس، مساء الأربعاء، موجة جديدة من التصعيد الشعبي، تمثلت في إغلاق محاور رئيسية بالإطارات المشتعلة. مناطق مثل الفرناج، زناتة، الجامعة، طريق الشط، عين زارة، وجنزور، تحولت إلى ساحات للاحتجاج، ما أدى إلى شلل شبه تام في حركة المرور، وسط تصاعد حالة التوتر.
وامتدت رقعة الاحتجاجات لتشمل مدينة تاجوراء شرقي العاصمة، حيث أظهرت مقاطع الفيديو تصعيداً مشابهاً، بينما شهدت مدينة الزاوية غرباً عمليات إغلاق لطرقات رئيسية، وسط ترديد شعارات تطالب بـ"إسقاط كافة الأجسام السياسية الحالية"، ورفض استمرار حكومة الوحدة الوطنية.
وتعكس هذه التحركات الشعبية، المتكررة في الآونة الأخيرة، تزايد الاحتقان العام في البلاد، في ظل استمرار حالة الجمود السياسي وغياب أي مؤشرات على قرب إجراء الانتخابات التي يطالب بها الشارع منذ سنوات.
ويقول مراقبون إن الأزمة الليبية تمر بمرحلة حرجة، حيث تتقاطع المصالح بين الأطراف المتنازعة في ظل غياب سلطة موحدة ومؤسسات مستقرة، مما يجعل أي قرار قضائي أو تحرك سياسي عُرضة للتأويل والتوظيف، كما حدث مع الحكم الأخير الخاص برئاسة المجلس الأعلى للدولة.
وفي ظل هذا المشهد المعقد، تبقى السيناريوهات مفتوحة على احتمالات متعددة، أبرزها سعي البرلمان والمجلس الأعلى للدولة – برئاسة المشري – لتسريع وتيرة المشاورات من أجل تشكيل حكومة جديدة، وهو ما قد يعني بداية نهاية حكومة الدبيبة، ما لم يتمكن من تجديد شرعيته عبر دعم شعبي واسع أو تسوية سياسية مفاجئة.
وفي المقابل، فإن أي تجاهل للحراك الشعبي المستمر قد يؤدي إلى انفجار أكبر، يفتح الباب أمام موجة من الفوضى يصعب التحكم بمآلاتها، خصوصاً في ظل هشاشة الوضع الأمني وغياب ضمانات تنفيذ أي اتفاقات مستقبلية.
وفي كل الأحوال، يبدو أن ليبيا مقبلة على فصل جديد من الصراع السياسي والقانوني، يكون فيه القضاء رقماً أساسياً، لكن غير كافٍ، لحسم معارك الشرعية في ظل انقسام المؤسسات وفقدان الثقة الشعبية في كامل الطبقة السياسية.