الرياض/بيروت - استدعت كل من السعودية والإمارات والكويت والبحرين سفراء لبنان لديها "احتجاجا" على تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي حول التحالف العربي باليمن التي اعتبرت مسيئة لدور التحالف العربي الذي تقوده الرياض، فيما ندد مجلس التعاون الخليجي يقصر نظر وفهم من قبل الوزير اللبناني للدور الذي تقوم به المملكة وحلفائها الخليجيين، مطالبا قرداحي بالاعتذار عن إساءاته.
واعتبر قرداحي في مقابلة تلفزيونية بثت الاثنين أنّ الحوثيين المدعومين من إيران "يدافعون عن أنفسهم.. في وجه اعتداء خارجي" من السعودية والإمارات. علما أنه سجّل هذه التصريحات قبل تعيينه وزيرا في سبتمبر/ايلول، لكن موقفه كشف مبكرا عن تخندقه في محور إيران-حزب الله والحوثيين.
وقال قرداحي في برنامج "برلمان الشعب" الذي يذاع على موقع "يوتيوب" في إشارة إلى الحوثيين "منازلهم وقراهم وجنازاتهم وأفراحهم تتعرض للقصف بالطائرات" التابعة للتحالف الذي تقوده السعودية.
وأعربت وزارة الخارجية السعودية في بيان عن "أسفها" لما تضمنته "التصريحات المسيئة الصادرة عن وزير الإعلام اللبناني حيال جهود تحالف دعم الشرعية في اليمن التي تقودها السعودية"، معتبرة أنها "تحيز واضح لمليشيا الحوثي الإرهابية المهددة لأمن واستقرار المنطقة".
وقالت إنّ "تلك التصريحات تتنافى مع أبسط الأعراف السياسية ولا تنسجم مع العلاقات التاريخية بين الشعبين الشقيقين"، مشيرة إلى أنها "استدعت سفير الجمهورية اللبنانية وتم تسليمه مذكرة احتجاج رسمية بهذا الخصوص".
وأفادت وكالة أنباء الإمارات بأن وزارة الخارجية استدعت السفير اللبناني لتعبر عن "استنكارها واستهجانها الشديدين إزاء التصريحات المشينة والمتحيزة التي أدلى بها جورج قرداحي وزير الإعلام بالجمهورية اللبنانية".
وقالت وكالة أنباء البحرين الرسمية اليوم الأربعاء إن وزارة الخارجية استدعت سفير لبنان لدى المنامة لتسليمه رسالة احتجاج بشأن تصريحات قرداحي.
قالت وزارة الخارجية الكويتية اليوم الأربعاء إنها استعدت القائم بالأعمال اللبناني للاحتجاج على تصريحات لوزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي اعتبرت مسيئة للدور السعودي الإماراتي في اليمن، بينما طالب مجلس التعاون الخليجي، قرداحي بالاعتذار عما بدر منه معتبرا أن تصريحاته تنم عن فهم قاصر وقراءة سطحية للأحداث.
أعرب مجلس التعاون لدول الخليج العربية الأربعاء عن "رفضه التام" لتصريحات وزير الإعلام اللبناني حول الأزمة اليمنية، معتبرا أنها "تعكس فهما قاصرا وقراءة سطحية للأحداث".
ونقل الموقع الرسمي للمجلس عن أمينه العام نايف الجحرف، قوله "إننا نعبر عن رفضنا التام جملة وتفصيلا لتصريحات قرداحي والتي تعكس فهما قاصرا وقراءة سطحية للأحداث في اليمن"، مطالبا الوزير اللبناني بالاعتذار.
واستنكر الجحرف "تعرض الوزير اللبناني لكل من المملكة العربية السعودية التي تقود التحالف العربي لدعم الشرعية اليمنية ودولة الإمارات العربية خلال حديثه متهما إياهما بالاعتداء على اليمن، في الوقت الذي يعمل التحالف على إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح قبل الانقلاب الحوثي على الشرعية عام 2014".
ودعا الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي قرداحي إلى "الرجوع إلى الحقائق التاريخية وقراءة تسلسلها ليتضح له حجم الدعم الكبير الذي تقدمه دول التحالف العربي بقيادة السعودية لدعم الشرعية للشعب اليمني في كافة المجالات والميادين وذلك بهدف الوصول إلى حل شامل للأزمة اليمنية".
كما استنكر ما اعتبره "دفاع وزير الإعلام اللبناني عن جماعة الحوثي الانقلابية في الوقت الذي يتجاهل فيه تعنت الحوثي ضد كل الجهود الدولية الرامية لإنهاء الأزمة اليمنية وفي الوقت الذي تستهدف جماعة الحوثي المملكة العربية السعودية بالصواريخ والمسيرات".
وطالب أمين عام مجلس التعاون الخليجي، الوزير اللبناني "بالاعتذار عما صدر منه من تصريحات مرفوضة"، مؤكدا أن "على الدولة اللبنانية أن توضح موقفها تجاه تلك التصريحات".
ويسود فتور بين السلطات اللبنانية والمملكة العربية السعودية منذ سنوات، في ظل اتهام الرياض للمسؤولين اللبنانيين بعدم التصدي لحزب الله، حليف إيران، بعد أن كانت السعودية من أبرز داعمي لبنان سياسيا وماليا.
وكان رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي صرّح قبل ظهر الأربعاء، بأن بلاده "حريصة على أطيب العلاقات" مع الدول العربية والخليجية. كما قالت وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية، في بيان، إن تصريح قرداحي "لا يعكس موقف الحكومة اللبنانية".
وفور انتشار المقابلة، قالت وسائل إعلام لبنانية إن أزمة دبلوماسية جديدة تلوح في الأفق بين البلدين الذين تسود بينهما تاريخيا علاقات مميزة، لكنها باتت تشهد توترات من آن إلى آخر.
ويرى الصحفي والمحلل السياسي محمد نمر أن "تصريحات قرداحي تسببت بأزمة دبلوماسية مع أكثر من دولة خليجية وعلى رأسها السعودية، خصوصا أن السفير السعودي في لبنان وليد البخاري بدأ جولة الأربعاء على سفراء اليمن والكويت للوقوف عند هذا الحدث".
واعتبر أن "حكومة ميقاتي تلقت ضربة شديدة من تصريحات قرداحي ولن تهدأ الأزمة إلا بإقالته، كما حصل مع الوزير السابق شربل وهبة"، ففي مايو/أيار الماضي، طلب وزير الخارجية اللبنانية آنذاك، شربل وهبة، إعفاءه من مهامه، إثر تصريحات اعتبرها البعض "مسيئة" إلى السعودية ودول الخليج.
ويشدد نمر على أن "ميقاتي أمام امتحان لعلاقته مع الدول العربية، فإما أن يأخذ خيار إقالة قرداحي، وإما فهو يقول إن لبنان وحكومته سقطا في المحور الإيراني".
وذكر أن "السفير السعودي في لبنان كان قد بدأ جولة إيجابية على مرجعيات رسمية لبنانية، لكن ما حصل أمس (الثلاثاء) أعاد الأمور إلى نقطة الصفر".
وقبل انتشار الفيديو، كان بخاري زار مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان، مؤكدا أن السعودية "حريصة على أمن واستقرار لبنان ومؤسساته وعلى العيش المشترك الإسلامي المسيحي وتعزيزه وعلى علاقاته الأخوية بين البلدين".
وقال بخاري إنه "لا شرعية لمشروع وخطاب الفتنة ولا شرعية لمشروع يقفز فوق هوية لبنان العربي، مبديا تعاطفه ومحبته للشعب اللبناني الذي يناضل من أجل حرية بلده وسيادته وعروبته".
وفي المقابل اعتبر المحلل السياسي قاسم قصير، أن "كلام قرداحي أتى قبل تسلمه الوزارة، وإنه لم يتكلم بشكل رسمي، كما أن لبنان يضمن حرية التعبير".
ورأى أن "هناك تضخيم للحدث، علما أن قرداحي قارب الأزمة بوجهة نظر موضوعية معتبرا أن الشعب اليمني يدافع عن وجوده".
وأضاف "ثمة حرص لبناني على تحسين العلاقة مع السعودية والإمارات، لذلك ممكن أن يتم التعاطي مع الموضوع من خلال إظهار التضامن مع السعودية أكثر من النظر بموضوعية مما يجري في اليمن"، مشيرا إلى أن "البعض يريد أن يستغل الحدث لتحسين علاقته بالسعودية والبعض الآخر يريد أن يرد الجميل بعد دعم السعودية له بمكان ما وهناك من يريد أن ينتقم من قرداحي لأنه يمثل جوا سياسيا معينا".
وعن موقف السعودية من حكومة ميقاتي، يشير نمر إلى أن "الموقف السعودي من الحكومة هو أنها لا تمتلك قرارها السياسي وكلام قرداحي أثبت للمملكة خيارها بعدم دعم الحكومة".
واتهمت السعودية في 2017 حزب الله اللبنانية حليف إيران بأنه يسيطر على القرار السياسي والأمني في لبنان، فضلا عن تدخله في حرب اليمن بدعم ميليشيا الحوثي التي تشن اعتداءات بصواريخ ومسيرات إيرانية الصنع على أهداف مدنية واقتصادية في المملكة.
ولا تزال بداية ونهاية الأزمة الجديدة بين البلدين غير واضحة، في ظل محاولات رسمية للتهدئة وتأكيد الحرص على نسج أفضل العلاقات مع دول الخليج العربي.