قصر قرطاج هدف مهندسة مايكروسوفت وقطب الإعلام رغم ثقل التهم

سجن نبيل القروي قبل عشرة أيام من انطلاق الحملة الانتخابية، ساهم في تعاطف الشارع معه رغم خطورة التهم الموجهة إليه.

تونس - بعد إلقاء القبض على زوجها وإيداعه السجن في تونس، تسلمت سلوى سماوي حملته الانتخابية للرئاسة ونجحت في اتمام مهمته بالفوز والمرور إلى الدور الثاني وهو وراء القضبان.

وبرز اسم السماوي التي درست المهندسة الصناعية في الولايات المتحدة، من جديد بعد انطلاق حملات الانتخابات الرئاسية التي شارك فيها زوجها المتهم بالتهرب الضريبي وتلاحقه تهم فساد وتبييض أموال.

وقالت السماوي في افتتاح حملة نبيل القروي من مسقط رأسها بمحافظة قفصة، وأمام أنصار حزب "قلب تونس" بتأثر "ليس حاضرا معنا، لكنه حاضر في قلوب التونسيين، نبيل في قلب تونس".

ويملك نبيل القروي (55 عاما) قناة "نسمة" التلفزيونية وأسس حزبا سياسيا منذ أشهر تحت اسم "قلب تونس" وقد وجهت السلطات إليه وإلى شقيقه غازي في 8 يوليو/تموز تهمة "تبييض الأموال"، لكن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أكدت أن ترشيحه قانوني رغم توقيفه.

وكان من المنتظر أن تنظر محكمة الاستئناف بتونس اليوم الأربعاء، في مطلب الإفراج المؤقت عن القروي، إلا أن ذلك تزامن مع تنفيذ القضاة التونسيين لإضراب عام يستمر حتى نهاية الأسبوع الجاري.

وقال مصدر في هيئة الدفاع عن القروي غن المحكمة أرجت النظر في المطلب إلى الإثنين المقبل، وهي المرة الثالثة التي ينظر فيها القضاء في القضية بعد رفض محكمة الاستئناف اتخاذ قرار في الثالث من أيلول/سبتمبر ومثلها محكمة النقض في 13 أيلول/سبتمبر.

والقروي الذي شغل مناصب إدارة أعمال في شركات كبرى مثل "كولغيت" و"بالموليف" و"هينكل" في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قبل دخوله عالم السياسة، يعد اليوم شخصية مثيرة للجدل، حيث تتهمه الهيئة المنظمة للإعلام التونسي وبعض رجال السياسة باستخدام قناته للترويج إلى طموحاته السياسية.

وتجيد سلوى السماوي براعة زوجها خبير التسويق، في التواصل والتأثير في خطاباته وقد انتشرت لها مؤخرا فيديوهات وهي تلقي محاضرات باللغة الإنكليزية والفرنسية باستعمال نفس الأسلوب الذي كان يستخدمها زوجها في التواصل مع أنصاره.

ولدى زيارتها بعض المناطق المهمشة في المحافظات الداخلية لتونس، سعت السماوي لاستمالة الناخبين مستخدمة نفس عبارات زوجها في مخاطبة التونسيين وقدّمت نفس الوعود التي تضمنها برنامجه الانتخابي.

ويقول مراقبون للشأن التونسي إن سجن القروي قبل عشرة أيام من انطلاق الحملة الانتخابية، ساهم في تعاطف الشارع معه رغم خطورة التهم الموجهة إليه والتسجيلات المسربة التي هدد فيها سابقا عدد من الصحفيين وعائلاتهم بالهرسلة.

يذكر أن منظمة "أنا يقظ" غير الحكومية قدمت أول شكوى قضائية ضد القروي منذ 2016 ثم تواترت الشكاوى بعد تهديد القروي للمنظمة.

الناخبون التونسيون حائرون أمام مرشح غير معروف ومرشح مسجون
السجن دعم حظوظ القروي بالتعاطف معه

كما ساهم غياب رجل الأعمال الذي وصفته "فيننشال تايمز" البريطانية بـ"برلسكوني تونس" عن المناظرات التلفزيونية على غرار باقي المرشحين، في بروزه كضحية بسبب غياب مبدأ تكافؤ الفرص بينهم  حتى أن أحدهم وصفه بـ"السجين السياسي".

وقبل بداية الاقتراع بثلاثة أيام نفذ صاحب قناة "نسمة" إضرابا عن الطعام داخل سجنه مطالبا بممارسة حقه في الاقتراع.

لكن بعد فوزه في الدور الأول إلى جانب أستاذ القانون الدستوري الذي مثل فوزه مفأجاة هو الآخر، طرح نقاش سجن القروي جديا على الساحة السياسية في تونس، حيث أصبح سجنه يمثل مأزقا قانونيا وسياسيا في البلاد في حال فوزه بكرسي قرطاج من وراء القضبان.

وبدأت زوجته تظهر على وسائل الإعلام التونسية والأجنبية في صورة المرأة القوية الواثقة من براءته لاستكمال الحملة الانتخابية استعدادا للدور الثاني.

ولا يختلف وضع المهندسة كثيرا عن وضع مؤسس "نسمة" الذي تتابعه شبهات فساد وتهرب ضريبي، فهي الأخرى تلاحقها تهمة الوقوف إلى جانب نظام زين العابدين بن علي في قمح حرية التعبير قبل الإطاحة به في 2011.

ومع عودتها للساحة الإعلامية وتوجهت الأضواء نحوها من جديد، حيث أعاد نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي النبش في وثائق كانت قد كشفها موقع ويكيليكس خلال ثورة 2011.

واتهمت تلك الوثائق المسربة سلمى السماوي بصفتها مديرة شركة مايكروسوفت في تونس منذ 2004، بمساعدة نظام بن علي في التضييق على حرية التعبير في تونس والرقابة الأمنية على الانترنيت بهدف منع وصولها للتونسيين من خلال عمليات الحجب والإغلاق للعديد من المواقع الالكترونية.

ونشر الموقع تفاصيل رسالة إلكترونية للسماوي تعود لسنة 2006 كشفت عن توقيع اتفاقية بين مايكروسوفت والحكومة التونسية للاستثمار في التدريب والبحث تطوير البرمجيات في تونس مقابل استخدام الحكومة التونسية لتراخيص البرمجيات الحصرية التي طورتها الشركة المذكورة.

ومنذ 2011 تشغل سلوى السماوي منصب رئيسة الإدارة الإقليمية لمايكروسوفت في الشرق الأوسط وأفريقيا المكلفة بالإعلان والإنترنت.

يذكر أن نظام بن علي شدد راقبته على الانترنيت منذ سنة 2005 بعد انعقاد القمّة العالميّة لمجتمع المعلومات في تونس، حيث قامت الدولة بتطوير برامج لاحتواء فضاء الانترنيت ومراقبته إلى تاريخ انفجار موجة الاحتجاجات في البلاد في 2011.

ولم يكتفي القروي ببناء شعبيته منذ 2011 من خلال النقاشات السياسية على قناته التي تبث بدون ترخيص، بل حرص في السنوات الثلاث الأخيرة على زيارة أكثر المحافظات التونسية التي تعاني من الفقر، ووجه كل تركيزه للإشراف بنفسه على حملات خيرية تقوم على توزيع المواد الغذائية وملابس وتجهيزات كهربائية على المحتاجين والإصغاء إلى مشاكلهم.

ولم يصدق أغلب المراقبين للشأن التونسي وحتى التونسيين أنفسهم تقدم القروي في نوايا التصويت التي نشرتها مؤسسات استطلاع الرأي في الأسابيع الأخيرة قبل الانتخابات، ليفاجئ عبوره للدور الثاني منافسيه من الطبقة السايسية في البلاد حتى وهو مسجون.

ويرى علاء الطالبي رئيس "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" أن الرجل "يدرك جيدا ما يفعل، وتمكن من خلال تلفزيونه والأعمال الخيرية التي يقوم بها من الدخول إلى بيوت المهمشين".

ويوضح الطالبي أنه "في غياب مؤسسات الدولة، من السهل على القروي ملء هذا الفراغ" وكسب تعاطف الناس.

وبعد وفاة ابنه في حادث مرور في 2006 أطلق نبيل القروي برنامجا أسبوعيا باسمه "خليل تونس"، وقال إنه يهدف لمساعدة الفقراء داخل البلاد، لكن الهيئة المعنية بتنظيم عمل وسائل الإعلام المسموعة والمرئية في تونس، قالت إن البرنامج ينطوي على استغلال لأوضاعهم السيئة وإهانة لهم بهدف الدعاية السياسية لأغراض انتخابية.

وأتاح رفض الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي ختم القانون الانتخابي الجديد بعد إدخال تعديلات عليه، الفرصة الأخيرة للقروي حتى يترشح للانتخابات، حيث فرضت التعديلات التي تقدم بها بعض النواب شروطا جديدة على المرشّحين من بينها عدم توزيع مساعدات مباشرة على المواطنين وعدم الاستفادة من "الدعاية السياسية".