قطر تجمع الأطراف المتنازعة على طاولة السلام بين رواندا والكونغو
الدوحة - شاركت دولة قطر، الجمعة، في حفل التوقيع على اتفاق السلام بين جمهورية رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والذي جرى في العاصمة الأميركية واشنطن، بعد أشهر من الجهود الدبلوماسية المكثفة التي لعبت فيها الدوحة دورًا محوريًا في تيسير التفاهم بين الطرفين. وقد مثل دولة قطر في الحفل وزير الدولة بوزارة الخارجية، محمد بن عبدالعزيز بن صالح الخليفي، الذي أكد على التزام بلاده بدعم الحلول السلمية والنهوض بالدبلوماسية كوسيلة لحل النزاعات.
ويعد الاتفاق تتويجًا لمسار تفاوضي طويل انطلق أواخر عام 2024، وشهد استضافة العاصمة القطرية للقاء ثلاثي مهم جمع بين أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس الرواندي بول كاغامي، والرئيس الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي في 18 مارس/اذار 2025. وقد شكّل ذلك اللقاء منعطفًا مهمًا في تقريب وجهات النظر بين البلدين بعد شهور من التصعيد العسكري في إقليم شمال كيفو شرق الكونغو، والذي تسبب في أزمة إنسانية حادة ونزوح مئات الآلاف.
وقال الخليفي في تصريحاته عقب توقيع الاتفاق إن "دولة قطر تعتز بالمساهمة في تيسير هذا الاتفاق، وتشيد بما أبداه الطرفان من التزام صادق بنهج السلام والدبلوماسية". كما نوّه بالدور البنّاء للولايات المتحدة، وأكد دعم قطر الكامل لجهود الاتحاد الإفريقي والمنظمات الإقليمية في القارة، مثل مجموعة شرق أفريقيا ومجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية (سادك).
وتأتي هذه الوساطة القطرية في سياق نهج دبلوماسي راسخ انتهجته الدولة منذ سنوات، وبرزت من خلاله كلاعب إقليمي ودولي محوري في حل النزاعات، انطلاقًا من سياسة خارجية ترتكز على الحوار، والانفتاح على جميع الأطراف، وعدم الانحياز.
ومن أبرز محطات الوساطة القطرية اتفاق السلام الذي أبرم بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في الدوحة بتاريخ 29 فبراير/شباط 2020، بعد مفاوضات شاقة استمرت لأكثر من عامين. وقد مكّنت الدوحة الطرفين من التفاوض في بيئة محايدة وآمنة، ما أسفر عن توقيع اتفاق تاريخي مهّد لخروج القوات الأمريكية من أفغانستان بعد عقدين من الحرب، ومهّد الطريق لعملية سياسية معقدة رغم تحدياتها المستمرة.
كما تلعب قطر دورًا محوريًا في ملف الوساطة في غزة، إذ تُعد من الجهات القليلة القادرة على التحدث مع جميع الأطراف، بما في ذلك حركتا حماس وفتح، بالإضافة إلى السلطات الإسرائيلية. وقد كان لها دور فعّال في التهدئة خلال جولات التصعيد المتكررة، كما قدمت دعمًا إنسانيًا واقتصاديًا لقطاع غزة، وساهمت في التوصل لاتفاقات لوقف إطلاق النار، بالشراكة مع مصر والأمم المتحدة.
وفي ظل الحرب الإسرائيلية على غزة المستمرة منذ أكتوبر/تشرين الاول 2023، كانت قطر أحد أبرز الوسطاء الذين سعوا لإبرام صفقات تبادل أسرى واتفاقات هدنة إنسانية، أسفرت عن إطلاق سراح عدد من الرهائن والمحتجزين، وتقديم مساعدات إنسانية حيوية لسكان القطاع المحاصر.
تستند الدبلوماسية القطرية إلى قناعة بأن السلام لا يُفرض بالقوة، بل يُبنى على الحوار والاحترام المتبادل، وهذا ما جعلها تحظى بثقة أطراف متنازعة في مناطق مختلفة من العالم. ومن خلال موقعها كدولة صغيرة جغرافيًا، لكنها كبيرة سياسيًا واقتصاديًا، نجحت قطر في لعب دور الوسيط النزيه، القادر على الاستماع للطرفين، وطرح حلول واقعية مقبولة.
كما أن الحياد الإيجابي الذي تنتهجه الدوحة، والقدرة على بناء علاقات متوازنة مع قوى دولية متباينة، يجعلها طرفًا مؤهلاً لأداء أدوار حساسة في النزاعات ذات الطابع السياسي أو الديني أو العرقي.
وفي ظل المتغيرات الجيوسياسية المتسارعة، تبدو قطر مستمرة في ترسيخ مكانتها كـ"عاصمة للوساطة"، تؤمن بأن الأمن الإقليمي والعالمي يبدأ من قنوات الحوار لا من خنادق الحرب.