قطر تسند أردوغان بالمال لانتشاله من أزمته قبل الانتخابات

التمويل القطري يأتي في الوقت المناسب للرئيس التركي الذي يواجه وضعا اقتصاديا من شأنه أن يؤثر على مسار صوت الناخبين بينما يئن معظم الأتراك تحت وطأة أزمة مالية خانقة مع تراجع حاد في قيمة الليرة وارتفاعا قياسيا في معدل التضخم.

أنقرة - من المتوقع أن تشتري قطر سندات دولية تركية بقيمة ملياري دولار الشهر المقبل، تنفيذا لاتفاق سابق يهدف لدعم احتياطيات أنقرة من النقد الأجنبي في غمرة أزمة يواجهها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يستعد وحزبه لخوض الانتخابات العامة القادمة (الرئاسية والتشريعية في 2023) برصيد من النكسات السياسية والاقتصادية وهي عامل مؤثر سيوجه صوت الناخبين.

ويدرك الرئيس التركي أن استمرار الأزمة التي أثرت بشكل كبير على المقدرة الشرائية للأتراك في ظل ارتفاع قياسي في معدل التضخم وعملة وطنية ضعيفة، قد يؤثر على حظوظه وحظوظ حزبه حزب العدالة والتنمية.

وقال مسؤولان اقتصاديان تركيان طلبا عدم ذكر اسميهما، أن الدوحة استثمرت بالفعل نحو مليار دولار في إطار الاتفاق الأوسع.

وسبق أن ذكرت رويترز في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أن تركيا وقطر تجريان محادثات بشأن قيام الدوحة بتقديم تمويل يصل إلى عشرة مليارات دولار، يتضمن ما يصل إلى ثلاثة مليارات دولار بحلول نهاية هذا العام.

وقال أحد المسؤوليْن "مع الملياري دولار المتوقعة في الأسابيع الأولى من يناير/كانون الثاني، نكون قد حققنا الخطة الأولية التي تتراوح بين مليارين إلى ثلاثة مليارات دولار، من إجمالي استثمارات بعشرة مليارات دولار".

وتتمتع قطر بعلاقات قوية مع تركيا. وقدمت أنقرة الدعم للدوحة عندما قاطعتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر عام 2017 بسبب خلاف تم حله العام الماضي وتعاملت مع الأزمة بمنطق الغنيمة ونجحت في تحقيق مكاسب اقتصادية وعسكرية، ما منح الرئيس التركي فرصة لتوسيع منافذه في المنطقة وإيجاد موطئ قادم ثابت في الإمارة الخليجية الغنية بالغاز.

ويأتي هذا التمويل في الوقت المناسب للرئيس التركي الذي يواجه وضعا اقتصاديا من شأنه أن يؤثر على مسار صوت الناخبين في الوقت الذي يئن فيه معظم الأتراك تحت وطأة أزمة مالية خانقة مع تراجع حاد في قيمة الليرة وارتفاعا قياسيا في معدل التضخم.

وينظر لتدهور المقدرة الشرائية للأتراك على أنه سيكون عاملا حاسما في توجيه صوت الناخبين، بينما تستثمر المعارضة وقسم كبير منها سيخوض الانتخابات ضمن جبهة موحدة هدفها عزل أردوغان، الأزمة المالية والوضع الاقتصادي المتردي لجهة تعزيز موقفها وإضعاف موقف خصمها.

ويمثل التضخم المرتفع إحدى القضايا الرئيسية التي تدور حولها الحملة الانتخابية وقد بلغ بحسب بيانات رسمية عتبة الـ85 بالمئة تقريبا، لكن مجموعة خبراء مستقلين تقول إنه ضعف ما هو معلن رسمية، متهمة السلطة بخداع الأتراك وبمحاولة رسم صورة وردية لوضع متأزم.

وساعد تدفق تمويل أجنبي هذا العام الحكومة التركية في الحفاظ على استقرار الليرة في الأشهر الماضية، فيما بدأ التضخم السنوي في التراجع بعدما تجاوز 85 بالمئة، لكن الإجراءات تبدو ظرفية وهشة ويتوقع أن تنهار سريعا بمجرد توقف الدعم المالي الخارجي.

وأعلنت وزارة الخزانة التركية هذا الشهر إصدار سندات دولية مقومة بالدولار بقيمة ملياري دولار، اشترى مستثمرون من الشرق الأوسط 55 بالمئة منها.

وأوضح المسؤول الثاني أن قطر لم تساهم بقدر كبير في إصدار السندات الدولية في ديسمبر الماضي كما كانت تخطط، وذلك بعد ارتفاع الطلب من جهات أخرى.

وقال هذا المصدر "يجري التخطيط لإصدار جديد في الأسبوع الأول من العام ومن المتوقع أن تشتري قطر نحو ملياري دولار منه. ومن المتوقع تدفق بقية الأموال خلال عام 2023".

ويواجه الرئيس التركي وضعا استثنائيا في الاستحقاق الانتخابي القادم مع تشكل تحالفات من أحزاب المعارضة تعتزم خوض الانتخابات في جبهة موحدة بهدف عزله سياسيا وإنهاء حكمه المستمر منذ العام 2002.

ولم يعد حزب العدالة والتنمية يحظى بالشعبية التي كان يحظى بها خلال السنوات الماضية كما لم يعد ذلك الحزب المتماسك بعد انشقاقات واسعة بدأت بانسحاب عدد من مؤسسيه وفي مقدمتهم رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو والوزير السابق علي باباجان وكذلك الرئيس السابق عبدالله غول الذي همشه أردوغان ومنع من الحديث لسنوات.

وتقول مصادر تركية إن الحزب الحاكم شهد خلال السنوات الأخيرة تململا في صفوفه على خلفية تفرد أردوغان بالقرار بينما يعمل الحرس القديم على تحصين هيمنته مقابل الأصوات الداخلية المعارضة التي أصبح معظمها يواجه التهديد وتعرض آخرون للمضايقة والهرسلة السياسية.

ويسعى أردوغان جاهدا في الفترة الراهنة لتعزيز الوحدة داخل حزبه وكبح الانقسامات من جهة والعمل من جهة أخرى على تقليص الفجوة المالية والاجتماعية لاستقطاب صوت الناخبين.

وقرر أمس الخميس رفع الحدّ الأدنى للأجور للمرة الثالثة على التوالي خلال العام الحالي في خطوة فسّرت على أنها محاولة لشراء السلم الاجتماعي وأيضا استقطاب أصوات الناخبين.

لكن محللين اعتبروها مجرد حلول تسكينية لن تعالج أزمة المعيشة التي يئن معظم الأتراك تحت وطأتها، مشيرين إلى أن الوضع المتدهور أكبر من أن يعالجه رفع الحد الأدنى للأجور في ظل ليرة ضعيفة مقابل الدولار.