قلعة الملك التعس تثير عاصفة من الاحتجاجات

شفانجاو (ألمانيا)
كان ثمنها كرسي العرش

وقفت مجموعة من السياح اليابانيين أمام قلعة نيوشفانشتاين، وهي قلعة بافارية مهيبة وساحرة تجذب إليها مئات الالاف من الزائرين سنويا، وقد انهمك أفرادها في التقاط الصور التذكارية لابراجها الهيفاء.
وأمام السياح تمتد على مرمى البصر أراضي ذات مناظر طبيعة خلابة تؤول ملكيتها لفرع عائلة آلجايو، فإلى اليمين تبرز سلسة من الصخور تنحدر بشدة إلى مرعى أخضر، وإلى اليسار تبدو سلسلة أخرى من التلال المنسابة والمروج الخضراء.
ويفد حوالي مليون و200 ألف شخص سنويا إلى المنطقة لمشاهدة القلعة المدهشة التي شيدها الملك لودفيج الثاني حيث أصبحت المنطقة بأسرها تعتمد على السياحة. وقد أثارت خطة لبناء فندق فخم قرب القلعة غضب الكثيرين من السكان المحليين.
والسائحون الذين سيرنون بأبصارهم إلى يسار القلعة سيسرهم منظر تل بولاشبرج التي يقع أسفلها مباشرة، حيث يتطلع فرع آلجايو من عائلة تورن وتاكسيس الارستقراطية إلى بناء فندق فخم عليه، سواء شاء السكان المحليون أم أبوا.
ويصارع المعارضون منذ قرابة أربع سنوات لعرقلة خطة بناء الفندق. وفي عام 1998 بدا لوهلة وكأن خطط بناء مجمع فندقي مترامي الاطراف ستصير طي النسيان، ولكن من المقرر اعتبارا من العام المقبل فصاعدا، البدء في بناء الفندق المقترح من 44 غرفة وستة أجنحة وقاعة للرقص ومطاعم ومنطقة للاستشفاء بهدف جذب السياح الاثرياء إلى بولاشبرج.
ويصف المعارضون فكرة بناء فندق بجوار القلعة التاريخية بأنها "قذرة" بينما اعتبرها كثيرون إهانة لذكرى الملك البافاري الذي وفرت حياته التعسة مادة لانتاج العديد من الافلام فضلا عن عرض موسيقى يجتذب 460 ألف زائر سنويا يدفعون لمشاهدته.
يذكر أن قلعة نيوشفانشتاين لم يستكمل بناؤها على الاطلاق بعد أن تسببت في استنزاف أموال بافاريا لدرجة جعلت الحكومة تعلن الملك غير قادر على إدارة شئونه. وبالفعل وضع رهن الاقامة الجبرية في قلعته العزيزة ثم أرسل إلى مشفى بحيرة شتارنبرج لتلقي العلاج النفسي، حيث غرق في عام 1886 في ظروف غامضة.
لكن أسطورة القلعة التي لم يكتمل بنائها ظلت خالدة حتى اليوم. فقلعة نيوشفانشتاين تمثل النموذج الاصلي الذي تقلده القلاع المشيدة في ملاهي ديزني لاند وديزني وورلد، وتزين صورها أعدادا لا حصر لها من البطاقات البريدية وبطاقات التقويم.
ويرى المعارضون لفكرة بناء الفندق هذا الصرح مهددا بخطر جسيم. ويعتقدون أن وجود 18 فندقا في جوار منطقة شفانجاو يفي بالحاجة الفندقية ويزيد. فالفنادق الصغيرة والمزارع التي توفر الاقامة للزائرين والشقق السياحية توفر إجمالا ثلاثة آلاف و840 سريرا للزائرين.
ويقول فيليكس ماريا رويل المدير الاداري لشركة تورن وتاكسيس المسئولة عن مشروع إقامة الفندق المزمع بتكاليف تبلغ 18.9 مليون يورو (17 مليون دولار)، "إذا مضت الامور على ما يرام، فإننا سنضع اللبنة الاولى لبناء الفندق الجديد خلال الصيف الحالي".
وقبل عام كان رويل المتحدث بلسان العرض الموسيقي الجديد للملك لودفيج في فوسين القريبة، أما الان فقد ترك رويل عرض لودفيج ليضع نصب عينية مشروع إقامة فندق سياحي قرب قلعة الملك التعس.
وتمتلك عائلة تورن وتاكسيس القلعة التي تقع على ربوة مرتفعة يحيط بها 18 هكتارا من الاراضي منذ عام .1927 وعقب وفاة كبير العائلة الامير رافاييل ظلت القلعة خالية من أي ساكن منذ عام ،1993 في حين استغلت ما بين وقت وآخر لاقامة حفلات زفاف أو كخلفية للافلام التي يجري تصويرها.
ومن المقرر الان أن يتم تخصيص سبعة آلاف و500 متر مربع للفندق الفخم الجديد، بطول 100 متر وارتفاع 11 مترا.
ويشعر رويل بعد سنوات من الصراع من أجل إقامة الفندق بأنه سيكون الفائز في النهاية، إذ لم ينجح استفتاءان ولا العديد من النقاشات الساخنة ومرات تصويت من جانب مجلس بلدية شفانجاو في القضاء على المشروع. وكان برلمان بافاريا قد رفض في كانون الثاني/يناير الماضي التماسا لوقف مشروع بناء الفندق.
وربما يثمر التماس تم تقديمه إلى محكمة أعلى عن نتيجة ما، لكن الخبراء يقولون إنه بات من شبه المؤكد أن الفندق سيبنى. وقبل أربع سنوات بدا الوضع مختلفا حين صوت ألف و166 مواطنا، أو 59 في المائة من سكان شفانجاو، ضد إقامة المشروع الذي كان من المقرر أن يضم فندقا من 120 غرفة ومضمارا لرياضة الجولف.
ويقول رويل "هذا المشروع الان ليس له علاقة بالمشروع السابق".
وبينما ينبهر السياح اليابانيون بالمنظر الطبيعي البافاري الخلاب، يشير رويل إلى المنازل المتناثرة أسفل ربوة القلعة، ويقول "السهل حول قلعة نيوشفانشتاين ليس، بخلاف ما يقال دائما، خاليا". وفي منزل أسفل القلعة يسكن بول شميد، أحد أكثر الشخصيات المعارضة لبناء الفندق المقترح. ويقول شميد (64 عاما) الثابت على موقفه "سيفتح (هذا المشروع) الباب أمام طوفان".
ويعتقد شميد إنه من الظلم البين السماح لعائلة تورن وتاكسيس ببناء هذا الفندق، قائلا "لو كان أي شخص آخر، لقالوا (السلطات المحلية) له ارفع يديك عن هذا المكان".
ويؤمن شميد أيضا بأن الفندق سيلحق الضرر بفرص قلعة نيوشفانشتاين في إمكانية إدراجها ضمن قائمة منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) كأحد المواقع التي تعتبر إرثا ثقافيا عالميا، إذا ترك الحبل على الغارب لعمليات البناء والتطوير في المنطقة حول بولاشبرج.
وربما لا يكون المسئولون المحليون منحازين لمشروع الفندق في حد ذاته، غير أن الصراع الدائر قد استقطب المجتمع المحلي، وربما يبدو عمدة شفانجاو، راينهولد زونتايمر، موافقا لشميد في كثير من الاشياء، فكلاهما يؤمنان بشدة بالتقاليد ويعشقان موطنهما، لدرجة أن جدران منزل شميد مزينة بصور قلاع آلجايو وكذلك مكتب زونتايمر. إلا أن الفجوة بينهما واسعة.
فالعمدة، الذي يعجبه ارتداء رابطات العنق المزينة بشعار أسد بافاريا، يعتبر من أشد المؤيدين لبناء الفندق الجديد. ويقول زونتايمر بتشديد "نحن نحتاج إلى هذا الفندق"، فحتى الان المنطقة تفتقر إلى الفندقة الفخمة لتلبية حاجة الوافدين لحضور عروض لودفيج الموسيقية.
إلا أن بول شميد لم يتخل تماما عن معركته من أجل التراث، حيث أظهر بالفعل بوادر مقاومة لخطة أخرى من جانب السلطة المحلية لبناء ساحة انتظار سيارات تتسع لمائة سيارة إضافية لزوار القلعة، وذلك تحت أسوار قلعة نيوشفانشتاين مباشرة.