قمة جدة رسائل سياسية تذهب أبعد من مبادرة سلام حول أوكرانيا

من المقرر أن يحضر محادثات جدة مسؤولون أميركيون كبار منهم مستشار الأمن القومي، بينما لن يحضر أي ممثل عن روسيا التي قالت إنها ستراقب ما ستفضي إليه القمة.
الصين تشارك في محادثات جدة حول أوكرانيا، بينما تغيب عنها روسيا
روسيا تقول إنها تقدّر كل الجهود المبذولة لتحقيق سلام عادل في أوكرانيا
آمال معلقة على قمة جدة للتأسيس لتسوية سلمية مستقبلية تنهي الحرب

الرياض/بكين - تلقي السعودية بثقلها الدبلوماسي في محادثات سلام قالت وكالة الأنباء الرسمية (واس) الجمعة إنها ستعقد اعتبارا من الغد السبت في جدة لبحث مبادرة سلام تمهد لإنهاء الحرب في أوكرانيا أو تدفع لحل يمهد لمفاوضات سلام، بينما ألقت الحرب بظلال ثقيلة على الأمن الغذائي العالمي وعلى إمدادات العالم من الطاقة.

وفي انعطافة لافتة تشير بوضوح إلى الدور الذي ترغب السعودية القوة الإقليمية التي توجهت شرقا في خضم خلافات وتوتر مع الإدارة الأميركية الديمقراطية، تشارك الصين في محادثات جدة أيضا بثقل دبلوماسي فيما يعكس حضورها حجم التقارب والعلاقات الوثيقة مع المملكة.

وتذهب قمة جدة في توقيتها وحجم الحضور الدولي فيها إلى أبعد من مجرد مبادرة سلام، حاملة في طياتها أكثر من رسالة إلى الشريك الأميركي وإلى الشركاء الدوليين أيضا، وأن المملكة على مسار تحولات ضخمة وقوة فاعلة ورقم وازن في المعادلات والتغيرات الجيوسياسية.  

يبقى أن غياب روسيا عن هذه القمة وهي الطرف المعني بالأزمة والتي تبحث عن حل ينهي الحرب دون المساس بالمكاسب الميدانية التي حققتها، قد يُسائل مدى صمود علاقة التحالف النفطي مع المملكة في اطار أوبك+ وعلاقة الشراكة الاقتصادية وما إذا كان التحرك السعودي قد يؤثر على مسار هذه العلاقات.

وحتى لا تترك الباب مفتوحا للتأويلات، أعلنت موسكو أنها ترحب بكل المبادرات التي من شأنها أن تفضي إلى سلام عادل، في حين تحافظ السعودية وفق مقاربتها على علاقات وثيقة مع موسكو.

وقالت الصين اليوم الجمعة إنها ستوفد مسؤولا كبيرا إلى السعودية لحضور محادثات بشأن إيجاد تسوية سلمية للحرب في أوكرانيا، وهي محادثات لن تشارك فيها روسيا، في تحول دبلوماسي من جانب كييف والغرب والسعودية.

وأفادت وكالة الأنباء السعودية (واس) اليوم الجمعة، بأن المملكة تستضيف غدا السبت في جدة اجتماعا لمستشاري الأمن الوطني في عدد من الدول الشقيقة والصديقة بشأن الأزمة الأوكرانية.

وتابعت أن حكومة المملكة تتطلع أن يسهم هذا الاجتماع في "تعزيز الحوار والتعاون من خلال تبادل الآراء والتنسيق والتباحث على المستوى الدولي، حول السبل الكفيلة بحل الأزمة الأوكرانية بالطرق الدبلوماسية والسياسية وبما يعزز السلم والأمن الدوليين ويجنب العالم المزيد من التداعيات الإنسانية والأمنية والاقتصادية للأزمة".

ويتطلع دبلوماسيون أوكرانيون وغربيون أن يسفر الاجتماع الذي سيعقد في جدة بمشاركة مستشاري الأمن القومي وغيرهم من كبار المسؤولين من نحو 40 دولة عن توافق على مبادئ أساسية لتسوية سلمية مستقبلية لإنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا.

وقالت الصين اليوم الجمعة إن المبعوث الصيني الخاص لشؤون أوراسيا لي هوي سيزور جدة لحضور المحادثات.

وقال المتحدث باسم الوزارة وانغ ون بين في بيان إن "الصين على استعداد للعمل مع المجتمع الدولي لتواصل لعب دور بناء في دعم حل سياسي للأزمة في أوكرانيا".

وتلقت بكين دعوة للمشاركة في جولة سابقة من المحادثات في كوبنهاغن في أواخر يونيو/حزيران، لكنها لم تلب الدعوة.

ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط من العام الماضي، حافظت الصين على قوة علاقاتها مع روسيا على الصعيدين الاقتصادي والدبلوماسي ورفضت الدعوات الدولية المطالبة بإدانة موسكو.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يوم الأربعاء إنه يأمل في أن تؤدي المبادرة إلى "قمة سلام" يحضرها قادة من حول العالم في فصل الخريف المقبل لدعم المبادئ، استنادا إلى صيغته الخاصة التي تتألف من 10 نقاط من أجل التوصل لتسوية.

وتشمل صيغة زيلينسكي الخاصة احترام وحدة الأراضي الأوكرانية وانسحاب القوات الروسية، وهو أمر ترفضه موسكو التي تقول إنها ضمت الأراضي الأوكرانية إلى الأبد.

ويقول مسؤولون أوكرانيون وروس ودوليون إنه لا يوجد أي احتمال لعقد محادثات مباشرة للسلام بين أوكرانيا وروسيا في الوقت الراهن في ظل استمرار الحرب وسعي كييف لاسترداد الأراضي عبر هجوم مضاد.

لكن أوكرانيا تسعى أولا لتوسيع دائرة الدعم الدبلوماسي لها إلى ما هو أبعد من المجموعة الأساسية من داعميها الغربيين عبر التواصل مع دول جنوب العالم مثل الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، التي تتخذ معظمها في العلن موقفا محايدا.

وقال إيهور جوفكفا كبير المستشارين الدبلوماسيين لزيلينسكي في تصريحات لرويترز أمس الخميس "أحد الأهداف الرئيسية لهذه الجولة من المفاوضات سيكون التوصل أخيرا لتفاهم عام حول طبيعة النقاط العشر".

وتشمل النقاط العشر أيضا الدعوة لحماية إمدادات الأغذية والطاقة والسلامة النووية والإفراج عن كل الأسرى.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اليوم الجمعة، إنّ بلاده تقدّر كل الجهود المبذولة "لتحقيق سلام عادل ومستدام في أوكرانيا"، في ظلّ المبادرات العديدة بشأن التسوية الأوكرانية.

وشدد في حديث لمجلّة دولية على "أنّه لا يمكن تحقيق السلام في أي صراع، إذا لم يتم احترام حقوق الأقليات القومية وهو أمر لا جدال فيه بشكل خاص بالنسبة إلى أوكرانيا، إذ لطالما كانت اللغة الروسية هي اللغة الأم لغالبية السكان".

وتابع "لم يتحدث أحد في واشنطن أو لندن أو باريس، إضافةً إلى بروكسل، عن مواقف نظام كييف المعلنة والمتكررة، حين أعلنت أنها ستأخذ شبه جزيرة القرم ودونباس وأراضينا الأخرى وتدمر هناك كل الروس".

وأفاد مصدر بوزارة الخارجية الروسية اليوم الجمعة، بأنّ السعودية، أبلغت روسيا، بأنها ستطلع موسكو على نتائج الاجتماع حول أوكرانيا.

وقال الكرملين في وقت سابق من هذا الأسبوع إنه سيراقب اجتماع جدة، بينما أكد مجددا على موقف موسكو الذي لا يرى حاليا أي أساس لإجراء محادثات سلام مع كييف.

وقال دميتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين يوم الاثنين "نحن بحاجة إلى فهم الأهداف المحددة وما الذي سيجري مناقشته. أي محاولة للتوصل إلى تسوية سلمية تستحق تقييما إيجابيا".

ويستبعد دبلوماسيون غربيون الموافقة على جميع النقاط العشر الواردة في صيغة زيلينسكي للسلام خلال المحادثات، لكنهم قالوا إنهم يسعون على الأقل إلى الحصول على دعم واضح للمبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، مثل وحدة الأراضي.

الدبلوماسية السعودية

وقال مسؤول ألماني إن الدبلوماسية السعودية لعبت دورا رئيسيا في حث بكين على حضور محادثات جدة، لكن الرياض ولم تعلق علنا على المحادثات، بينما قال مسؤولون أوكرانيون وغربيون إن قرار المملكة استضافة الاجتماع يعكس رغبة الرياض في لعب دور دبلوماسي كبير في جهود حل الصراع.

ولعبت السعودية وتركيا دور وساطة في عملية كبيرة لتبادل الأسرى بين أوكرانيا وروسيا في سبتمبر/أيلول الماضي.

وحضر زيلينسكي قمة لجامعة الدول العربية في السعودية في مايو/أيار، وعبر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلالها عن استعداده للتوسط في إنهاء الحرب.

وقال مسؤول كبير بالاتحاد الأوروبي إن السعودية وصلت "إلى مناطق من العالم لا يمكن لحلفاء أوكرانيا التقليديين الوصول إليها بهذه السهولة".

وفي مسعى لكسب تأييد دول نصف الكرة الأرضية الجنوبي، يقول مسؤولون غربيون إنهم سيصبون التركيز على أن أسعار الأغذية قفزت منذ انسحاب روسيا من اتفاق يسمح بالتصدير الآمن للحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود وشن موسكو سلسلة من الضربات الجوية على الموانئ الأوكرانية.

وقال مسؤول كبير آخر في الاتحاد الأوروبي "سنشير بالطبع إلى هذه النقطة بصوت عال وبوضوح".

ومن المقرر أن يحضر محادثات جدة مسؤولون كبار من الولايات المتحدة منهم مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ووكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند.