قناة تونسية تعلن 'إفلاسها' من بوابة رمضان

الوطنية الثانية تشوق جمهورها بعرضها في الشهر الفضيل باقة من أجمل البرامج والمسلسلات القديمة يعود أغلبها إلى سنوات الزمن الجميل.

تبدأ قناة التلفزيون الرسمي التونسي (القناة الوطنية الثانية) أول أيام شهر رمضان ببرمجة تَظهر فيها لمسة انتقاء واضحة من أرشيفها التلفزي، لتثير بذلك المزيد من التساؤلات حول حقيقة وضعها هل إلى هذا الحد تتبنى مبدأ في الإعادة إفادة أم أنها تغرق في إفلاس مادي وفكري؟

"في الإعادة إفادة" خطوة ناجحة بلا شك، إذ أنها تستقطب جمهورا عريضا من المشاهدين، خاصة أولئك الذين لم يتمكنوا من مشاهدة العمل في عرضه الأول لسبب أو لآخر، لكن يبدو أن القناة تفرط بالاتكال على هذا المبدأ الذي ما عاد المشاهد التونسي الباحث عن كل جديد يجد فيه متعة، حتى أن بعض التونسيين وجد في البرمجة التي طرحتها قبل أيام من حلول الشهر الفضيل إعلانا عن إفلاسها.

ولم تتوان القناة عن تشويق جمهورها بالقول إنها ستقدم إليه باقة من أجمل البرامج والمسلسلات في شهر رمضان، والحال أن أحدثها يعود إلى سنتين وأقدمها مضى على عرضه نحو 32 عاما، فعن أي متعة تتحدث؟ وإلى أي مدى يمكنها الصمود أكثر أمام اجتياح الأعمال الفنية المختلفة للقنوات الفضائية العربية والمنصات الإلكترونية؟ هل ستعاني قريبا إفلاسا من نوع آخر حين يغادرها المشاهدون من مختلف الشرائح العمرية؟

وتستهل باقتها ببرنامج تعود سنة إنتاجه إلى العام 2018 وهو بعنوان "رمضان في ذاكرة التاريخ" من إعداد وتقديم عبدالجبار الشريف.

وتركز حلقات هذا البرنامج على العادات والتقاليد التونسية في هذا الشهر الكريم وتحديدا ألوان الطعام  والحلويات و ظاهرة "بوطبيلة" (مسحراتي) وكيفيـة قضاء ليالي رمضان في بعض الأحياء الشعبية العريقة مثل الحلـفاوين وباب سويقة ومواطن الطرب والسهر.

وتعرض بعد ذلك سلسلة "ضيعة محروس" وهي موجهة بالأساس إلى الأطفال تم إنجازها بين سنتي 1995 و1996، ويقوم بأداء الأدوار فيها مجموعة من المسرحيين التونسيين يرتدون أقنعة حيوانات.

وتختلف قصص حلقات السلسلة التي حققت نجاحا كبيرا داخل تونس وخارجها من حلقة إلى أخرى، لكنها تشترك في كونها قصص ذات طابع تربوي تثقيفي وتعليمي فيها الكثير من الطرافة والتشويق.

وتضم "ضيعة محروس" نخبة من النجوم بينهم من توفي منذ سنوات وهم الحبيب بن ذياب والمنصف مراد ومحمد علي سعيد وسنية بوقديدة وخديجة اللطيف وبوراوي الوحيشي وعبير الغالي والحبيب الفالح وشكري سلامة وإلياس الغزواني.

وتعود القناة بالمشاهدين من خلال "أولاد الحومة" إلى أجواء الفوازير التي عرفت في وقت من الأوقات شعبية كبيرة على بعض القنوات العربية والتونسية وهي حلقات تليفزيونية استعراضية بدأت في فترة ستينيات القرن الماضي واستمرت حتى مطلع الألفية الجديدة.

و"للكاميرا الخفية" نصيبها فقد أعلن أنها ستكون ضمن البرمجة التي لم تفاجئ المشاهد التونسي بقدر ما عمقت شعوره بالخيبة.

ويعرض بعد ذلك المسلسل الهزلي "خضراء والكنز" الذي يعود تاريخ إنتاجه إلى سنة 1998 وهو من تأليف علي محسن العرفاوي وإخراج عبدالرزاق الحمامي.

ويستمد المسلسل أحداثه من التراث العربي ويحكي قصة التهافت على كنز وهمي ادعى أحد الأشخاص أنه موجود في مكان خفي وكانت غايته من هذا التخلص من ملاحقة سكان المدينة له ومطالبته بإرجاع ديون متخلدة بذمته بعد أن كان يقترض الأموال من هذا وذاك وقد انطلت عليهم الحيلة.

وتقدم الوطنية الثانية سلسلة من البرامج التي لا يُعرف إن كان الهدف منها إنعاش ذاكرة مشاهديها أم العودة بهم إلى الزمن الجميل المهم أنها كلها تشترك في أنها تضيء على مسيرة شخصيات تركت بصماتها واضحة في تاريخ وذاكرة التونسيين، ومن هذه البرامج "والله زمان" و"ذاكرة لا تموت" ونساء في الذاكرة" و"أعلام في الذاكرة" و"قضاة من تاريخنا".

وبعد ذلك استراحة مع "شوفلي حل" أشهر سلسلة ارتبطت منذ سنة إنتاجها في العام 2005 بالقناة ارتباطا وثيقة جعلها بمواسمها الستة تبث بشكل يومي ودون انقطاع.

وتضرب سلسلة "كان يا ماكانش" الهزلية موعدا جديدا مع المشاهدين بعد أن نجحت في جزأيها الأول والثاني منذ عرضها لأول مرة في العام 2021 في شد المتابعين، لكن ستطل هذه السنة من خلال فقرة الإعادات لا بموسم ثالث كما هو متوقع.

ومن أرشيف العام 2012 تطل من الشاشة الصغيرة سلسلة "زنقة النساء" وهو عمل يمزج بين الكوميديا والدراما ليعالج القضايا المتفرعة عن الطلاق.

وتستمر البرمجة بعرض السلسلة الهزلية "ما بيناتنا" التي جمعت النجمين نور الدين بن عياد ومنجي العوني في سنة 2007 في إطار كوميدي اجتماعي للبحث عن عمل واللجوء للهجرة وعملهما في بيع مساحيق التجميل والغناء والدجل وغيرها لكسب الأموال.

ولا يخلو المسلسل من النقد للمظاهر الاجتماعية السائدة في تلك الفترة وهو من إخراج عبدالجبار البحوري وتأليف منجي العوني وشارك فيه نخبة من الفنانين منهم منير ساسي وفوزي كشرود وعماد السحباني وغازي العياشي.

وتنفض القناة  التونسية الثانية هذا العام الغبار على "الكلامجية" وهي سلسلة في فن الدمى المطاطية اشتهرت باسم "القلابس" بثت لأول مرة في العام 2014 بعد أن منعت في 2001 من رؤية النور لأسباب سياسية تعود لجرأتها في طرح مواضيع اجتماعية حارقة آنذاك في إطار ترفيهي هادف.

القناة لا تغرد خارج السرب، فحال القنوات التونسية سواء العمومية أو الخاصة ليست أفضل وإن كانت تحمل في جعبتها الجديد لمشاهديها

وطلبا للوناسة في السهرات الرمضانية تم استدعاء "جاري يا حمودة" لإمتاع المشاهد بمغامرات عائلة هذا الجار الذي انتقل حديثا من منزله الكائن بالمدينة التونسية العتيقة إلى إحدى الشقق الراقية بعمارة يسكنها مجموعة من المرفهين بينهم بعض مشاهير كرة القدم والغناء.

ويكشف المسلسل الكوميدي في إطار هزلي ساخر عن النظرة الدونية التي يحملها البعض ضد الطبقات المهمشة والفقيرة في المجتمع التونسي، لاسيما أم "حمودة" وعائلته حملوا معهم إلى مسكنهم الجديد الراقي عادات وتقاليد حيهم الشعبي القديم، مما خلق تنافرا كبيرا بين المشهدين.

والعمل تم إنتاجه سنة 2004 وهو من تأليف عفيف اللقاني ولطفي بندقة وإخراج عبدالجبار البحوري وبطولة نور الدين بن عياد ودليلة مفتاحي وآمال علوان ولطفي بندقة وعايدة بوبكر وجمال ساسي وفوزي كشرود وآخرون.

وتتواصل البرمجة بعرض مسلسل "ريح المسك" الذي يتناول في إطار كوميدي اجتماعي أجواء الحومة العربي في المدينة العتيقة في تونس العاصمة وواقع العلاقات بين العائلات والجيران والأصدقاء فيها.

والمسلسل الذي أنتج سنة 1991 من إخراج عزالدين الحرباوي وبطولة منيرة بن عرفة وريم الزريبي وعبداللطيف خير الدين وزهير الرايس.

ويحضر "الخطاب على الباب" حتى لا ينقطع حب الود بين هذا المسلسل الذي يعود عرضه الأول إلى رمضان 1996 ومشاهديه الذين كثيرا ما أعربوا عبر تعليقاتهم بصفحة القناة الوطنية الثانية على فيسبوك عن رغبتهم في إعادته التي فاقت الفترة الأخيرة على ما يبدو انتظارات التونسيين لينقلب إقبالهم عليه نفورا عملا بالمثل القائل "ما زاد عن حده انقلب إلى الضد"!

ويروي المسلسل في جزأين أجواء الأحياء العتيقة بالعاصمة (الحومة العربي) خاصة في رمضان، واشتهر ببعض شخصياته من بينها (الشيخ تحيفة) الذي لعب دوره الممثل عبدالحميد قياس و(نعيمة الكحلة) جسدتها الفنانة سهام مصدق و(عبودة) أدى دوره رياض النهدي، وبفضل هذا العمل فإن المقهى الذي يجمع كل ليلة ثلة من أبطاله أصبح مقصدا للتونسيين سواء في سائر الأيام أو في الشهر الفضيل، حيث يبات من العسير الحصول على كرسي شاغر في المكان بعد ساعات قليلة من الإفطار.

وعندما يحلو السهر تطل إحدى روائع المسلسلات التي حققت نجاحا كبيرا في تاريخ الدراما التونسية من خلال "منامة عروسية" وهو عمل عرض لأول مرة سنة 2000 من تأليف علي اللواتي وإخراج صلاح الدين الصيد.

ويجمع المسلسل نخبة من ألمع النجوم التونسيين بعضهم توفي منهم منى نور الدين وحسن الخلصي وخديجة بن عرفة ووجيهة الجندوبي وفيصل بالزين ومحمد الجبالي وعلي مصباح ولطيفة القفصي ونعيمة الجاني ولمياء العمري وسلوى محمد وجودة ناجح وجميل الجودي.

ومسك ختام هذه البرمجة الرمضانية "الدسمة" اختارت القناة أن يكون بوجبة درامية لم يمض سواء عامين على عرضها متمثلة في المسلسل اللبناني السوري المشترك "2020" والذي يناقش في أحداث بوليسية الصراع بين الجيش اللبناني وقوى الأمن وتجار المخدرات النقيب (سما) جسد دورها النجمة اللبنانية نادين نجيم التي يقتل زوجها وأخوها جبران الذي يعمل في الجيش أيضا أثناء قيامه بواجبه، يُوكل إليها العميد غسان مهمة التحري عن المجرمين وتجار المخدرات عائلة الذيب وخاله الحوت وتدخل إلى حياتهم متنكرة باسم حياة شابة تعاني من اضطهاد شقيقها وتنشأ بينها قصة حب وبين الريس (صافي) يلعب دوره الممثل السوري قصي خولي لكن يتم كشفها.

هذه البرمجة لا تعني أن القناة الوطنية الثانية تغرد خارج السرب، فحال القنوات التونسية سواء العمومية أو الخاصة ليست أفضل وإن كانت تحمل في جعبتها الجديد لمشاهديها، لكنه مقارنة بالسنوات الماضية قليل ولا يغطي كامل سهرات الشهر الفضيل، إذ أن حركة الإنتاج الدرامي بالبلد تعرف تراجعا عاما بعد آخر، لاسيما في العشرية الأخيرة.