تقدم الدعم السريع يجبر الجيش على الانسحاب من أكبر مدن كردفان

قوات الدعم السريع تفرض سيطرتها الكاملة على مدينة النهود الإستراتيجية في كردفان التي تصل وسط السودان بإقليم دارفور.

الخرطوم - فرضت قوات الدعم السريع سيطرتها الكاملة على مدينة النهود التي تعدّ أكبر مدن غرب كردفان، على ما أكده موقع "أخبار السودان"، فيما اضطر الجيش إلى الانسحاب من المنطقة، في مكسب ميداني جديد يشير إلى قدرة "الدعم السريع" على وضع حد لتقدم قوات البرهان.

ووفق المصدر نفسه فقد شنت قوة من الدعم السريع قوامها 300 مركبة عسكرية الخميس هجوما على "النهود" التي تعتبر من أكبر حواضر ولاية غرب كردفان ومركزا تجاريا هاما، كما تضم مقر الحكومة المحلية والمصارف.

ونشر قادة ميدانيون في الدعم السريع فيديوهات تظهر سيطرة قواتهم على مقر اللواء 18 مشاه آخر معاقل الجيش في النهود.

وقال أحد مقاتلي القوات إنها سيطرت على المدينة الاستراتيجية بينما لم يتبق سوى القليل من مقاتلي الجيش في شرق المدينة، متعهدة بـ"الانتهاء منهم تماما في خلال ساعات".

ويتيح هذا المكسب الميداني لقوات الدعم السريع قطع إمدادات الجيش لمعقله في مدينة الفاشر المحاصرة وآخر مدن الإقليم التي ما زالت تحت سيطرته.

وهاجمت الدعم السريع الخميس كذلك مدينة كوستي جنوب الخرطوم في منتصف الطريق إلى النهود بأربع مسيرات استهدفت مقر الجيش بالمدينة، فيما أفاد شهود عيان بسماع أصوات انفجارات عالية مع رد الجيش باستخدام المضادات الأرضية.

وفي سياق متصل عاد بعض الباعة لأشغالهم في سوق كلاكلة اللفة في جنوب الخرطوم في ظل هدوء حذر يقطعه أحيانا استئناف القصف على وسط العاصمة السودانية.

ووسط الركام، يتجول محمد المهدي على دراجته بين سيارات محروقة ومبان تحمل آثار الرصاص في الحي الواقع في أقصى جنوب العاصمة بينما استهدفت قوات الدعم السريع مواقع تابعة للجيش في وسط الخرطوم مرتين خلال الأسبوع الحالي.

ورغم ترقب ما قد تحمله الأيام المقبلة للخرطوم، يعرب المهدي عن سعادته بعودة الحياة إلى الكلاكلة التي قال لوكالة فرانس برس إنها تعرضت للتدمير والنهب أثناء الحرب.

فقبل أسابيع خلت، كانت هذه السوق مقفرة ويسودها الصمت، إلا أن الحركة عادت وإن خجولة إلى العاصمة السودانية في الفترة الأخيرة، بعد عامين على بدء حرب عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع تركت المدينة بلا بنية تحتية والمواطنين بلا غذاء أو مأوى آمن.

وقبيل إتمام الحرب عامها الثاني، أحرز الجيش تقدما في العاصمة، معلنا في مارس/آذار "تحرير" الخرطوم من مقاتلي الدعم السريع.

غير أن مقاتلي هذه القوات ما زالوا يحتفظون بمعاقلهم في جنوب وغرب أم درمان بالخرطوم الكبرى التي أطلقت منها القذائف على العاصمة في الأخيرة الأخيرة.

وأدت الحرب التي دخلت عامها الثالث إلى مقتل عشرات الآلاف من السودانيين ونزوح 13 مليون، بينما يواجه مئات الآلاف خطر انعدام الأمن الغذائي في ما تصفه الأمم المتحدة بأنه أكبر أزمة إنسانية في العالم.

يسير المهدي بين بائعي الموز والخبز والخضروات الذين احتمى بعضهم تحت مظلات قماشية قديمة تحيط بها أكوام من القمامة لم تُرفع منذ أيام.

ويقول مقبول عيسى محمد، أحد الباعة، إن الحياة العامة في المنطقة "طبيعية.. الأمن مستتب. الحركة مستقرة. التجارة مستمرة. الناس آمنة".

وعلى ناصية السوق، عادت بائعة الشاي التي يسميها السودانيون "ست الشاي" لبيع أكواب الشاي الساخن للمارة.

وقبل بضعة أشهر كانت منطقة الكلاكلة أشبه بمدينة أشباح، ولكن في الأسابيع الأخيرة بدأ المواطنون يستأنفون تدريجا نشاطهم اليومي وسط هدوء هش منذ سيطر الجيش على العاصمة الشهر الماضي.

في الخرطوم وحدها، أدت الحرب التي اندلعت في أبريل/نيسان 2023 إلى نزوح أكثر من 3 ملايين ونصف مليون شخص بينما اضطر مئات الآلاف ممن لم يستيطعوا المغادرة إلى العيش على حافة المجاعة في ظل اشتباكات عنيفة بين طرفي الحرب، استهدفت المدنيين بشكل متكرر.

وبعد سيطرة الجيش على العاصمة، تتوقع المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة عودة مليوني سوداني إلى الخرطوم خلال الأشهر الستة المقبلة في حال تحسّن الوضع الأمني.

إلا أن الهجمات الجوية الأخيرة للدعم السريع على وسط الخرطوم تضع آمال عودة الحياة إلى طبيعتها في الخرطوم محل تساؤل.

ويقع حي كلاكلة على الطريق المؤدية إلى جبل أولياء المعقل السابق للدعم السريع في جنوب الخرطوم والذي شهد آخر المعارك بينها وبين الجيش قبل إخراج الأولى من العاصمة.

وتحولت منطقة جبل أولياء الشهر الماضي إلى ساحة حرب أدت لمقتل العشرات بعدما كانت قوات الدعم السريع تسيطر على عدة مناطق في جنوب الخرطوم، بينها كلاكلة.

ويقول المهدي إن قوات الدعم السريع "نهبوا البلد ودمروا الممتلكات.. لم يتركوا شيئا". وكان الإعلام المحلي أفاد في بداية الحرب بمحاصرة مقاتلي الدعم السريع لكلاكلة ومنع خروج السكان أو دخول السلع الغذائية وتحدث عن "اقتحام ونهب للبيوت".

ويُتهم طرفا الحرب بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين واستهداف البنية التحتية، إلا أن تقارير تتهم قوات الدعم السريع تحديدا بارتكاب العنف الجنسي الممنهج والنهب.

وفي ظل الهدوء النسبي، عاد موقف كلاكلة اللفة للحافلات إلى العمل وسط حركة مرور محدودة للمواصلات العامة والعربات التي تجرها الحيوانات.

غير أن حركة المواصلات العامة لم تعد إلى طبيعتها بالكامل بعد بسبب هشاشة الوضع الأمني وتدمير البنية التحتية واستمرار الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع في مناطق سيطرة الأخيرة في جنوب وغرب أم درمان بالخرطوم الكبرى.

وأصبحت منطقة الكلاكلة طريقا رئيسا يربط بين ولايات الخرطوم والجزيرة وكردفان وسط السودان والتي سيطر عليها الجيش خلال الأشهر الأخيرة.

وبينما تعود حركة المرور ببطء، لا يزال سكان الكلاكلة في انتظار عودة خدمات المياه إلى المنطقة.

وكانت وكالة السودان للأنباء نقلت في مطلع أبريل/نيسان تعهدات لوالي الخرطوم بعودة خدمات المياه للمنطقة التي حرمتها الحرب من أساسيات الحياة.

ويؤكد سر الختم شبتي، بائع آخر في سوق كلاكلة اللفة أنه ليس حزينا على فقدان أمواله "بل حزين على كل قطرة دم سقطت في هذه البلاد".