
كأن أردوغان يحكم على منتقديه بالموت في السجون
أنقرة - ينصرف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ذروة انتشار فيروس كورونا بين الأتراك عن بحث الحلول المجدية لتطويق الوباء، إلى مناقشة مشروع قانون إطلاق عدد من السجناء في وقت تحدثت فيه تقارير عن أن الإفراج الحكومي يستثني آلاف المعتقلين السياسيين المعارضين رغم خطورة الوباء الذي قد يعرض حياتهم لخطر الموت حال تسلله داخل السجون.
ويحتم الوضع الصحي التي تعيشه تركيا على وقع ارتفاع سريع لضحايا الفيروس الذي أصاب منذ ظهوره في العاشر من مارس/آذار نحو 50 ألف شخص، فيما توفي حوالي 1000 مصاب، أن تراعي السلطات التركية السجناء على حد السواء لحمايتهم من خطر الوباء، دون تصفية حسابات سياسية موجهة ضد منتقدي الرئيس التركي لاسيما وان الانتقاد لا يعد جريمة، فيما يقبع بالسجون التركية آلاف المجرمين بجرائم فضيعة ممن سيشملهم الإفراج.
وفي هذا الإطار يدور نقاش واسع بالأوساط التركية الرسمية والشعبية حول من يستحقون الإفراج من بين عشرات آلاف السجناء.
ورغم أن أردوغان عزز إجراءات العزل الحد من انتشار الوباء المتسارع في بلده، لكنه يثير انتقادات متزايدة لرفضه فرض إغلاق شامل مدفوعا بمخاوف تداعيات ذلك على الاقتصاد الذي يعاني انكماشا حادا آخذا في التفاقم.
وفرض سلسلة إجراءات صارمة شملت حظر التجمّعات ووضع قيود على السفر بين المدن وإلزام السكان بارتداء الأقنعة الواقية في أنحاء البلاد، إلا أنه قاوم الدعوات إلى تطبيق عزل تام.
وبدل تركيزه على الاستجابة لتطبيق العزل التام، يسعى أردوغان وفق تقارير صحفية إلى رسم خطط تستهدف خصومه السياسيين مستغلا أزمة كورونا.
وفي هذا الإطار تحدثت صحيفة 'واشنطن بوست' الأميركية أن الرئيس التركي ينوي الإفراج عن 90 ألف "مجرم" من السجن، مستثنيا من العملية -التي من المفترض أنها لفتة إنسانية تجاه شعبه في ظل أزمة المرض- عشرات آلاف السياسيين والمنتقدين وإبقائهم داخل السجون.
وأفاد تقرير صادر عن الصحيفة الأميركية أن أردوغان يسعى من خلال طرح مشروع قانون الإفراج عن السجناء في ظل أزمة كورونا، لاستغلال ذلك لضرب طيور متعددة بحجر واحد.
وتشير 'واشنطن بوست' إلى أن الرئيس التركي يخطط لصرف الانتباه عن المعركة الفاشلة التي تخوضها حكومته الوباء الذي يواصل انتشاره في تركيا ، مبينا أنه يعمل على مواجهته في الوقت الذي رفض فيه تطبيق إجراءات الإغلاق التام خوفا من شلل اقتصادي يعمق الأزمة التي يتحمل وحزبه الحاكم مسؤوليتها.
ويوهم أردوغان الشارع التركي أنه يسعى لتخفيف خطر الفيروس المحيط بنزلاء السجون من خلال خفض عدد الأشخاص خلف القضبان، لكن الصحيفة الأميركية تتحدث عن وجود دلائل على أنه سيستغل قانون الإفراج عن السجناء لتنفيذ حسابات سياسية ضيقة.
وكشفت الدلائل أن أردوغان بصدد إطلاق سراح عدد من مؤيديه، في وقت لم يفرج عن أي من عشرات آلاف السجناء السياسيين في بلاده.

وكان البرلمان التركي قد بدأ الثلاثاء مناقشة مشروع قانون رعته الحكومة للإفراج عن نحو ثلث المعتقلين في سجون البلاد المكتظة في إجراء وقائي للحد من تفشي الفيروس.
وأيد تقرير صادر عن صحيفة 'الغرديان' عن مصادر إعلامية تركية مخططات أردوغان بما وصف بالمظالم الجسيمة التي أثارت غضبا شعبيا بشأن قرار حكومي مرتقب يعمد إلى الإفراج عن ثلث المساجين شرط أن لا يشمل العفو سجناء الرأي والمعارضين.
وبحسب تقارير إعلامية فإن عدد المساجين في تركيا ارتفع من 60 ألف سجين منذ صعود حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم عام 2002، إلى ما يقارب 300 ألف سجين في السنوات الأخيرة، فيما تم خلال هذه الفترة بناء نحو 180 سجنا جديدا.
ويعود نمو عدد المساجين في تركيا إلى اعتبارات سياسية تنتهجها الحكومة التركية في اعتقال منتقديها بخلقها جرائم جديدة، وهو ما أكدته نقابة المحامين في تركيا التي أصدرت تقرير كشفت خلاله أن 100 ألف شخص يخضعون للتحقيق في مزاعم إهانة الرئيس، وبما أن القمع في تركيا دفع كثيرا من الأتراك إلى زيادة وتيرة الانتقاد والشتم الموجهة لأردوغان، اضطرت الحكومة لبناء مزيد من السجون، ورغم ذلك فإن عدد السجون لم يعد كاف لسد احتياجات الحكومة التي تواصل حملات اعتقال عشرات الآلاف من منتقدي الرئيس.
ومن المؤكد أن قانون العفو لن يشمل منتقدي أردوغان ومعارضيه، باعتبار أن التهم الموجهة لهم ليس في واقع الأمر بسبب الانتقاد، وإنما تم اعتقالهم تحت ذرائع الانتماء لمنظمات إرهابية التي باتت منذ سنوات ذريعة أردوغان لتصفية خصومه السياسيين.
وتشمل الاعتقالات تحت ذرائع الانتماء لمنظمات إرهابية فضلا عن السياسيين والمعارضين، صحفيين وكتاب ونشطاء في مجال حقوق الإنسان وفنانين ورجال أعمال أغلبهم انتقد في إطار حرية التعبير عن الرأي سياسة الرئيس التركي التي يرونها سببا في غرق تركيا اقتصاديا ومعاناتها سياسيا، خصوصا في ظل التدخلات العسكرية التركية المستمرة في كل من سوريا وليبيا.
وفي إطار قانون الإفراج عن المعتقلين تعالت الأصوات التي تحث السلطات التركية على ضرورة أن يشمل العفو من تصنفهم تركيا سجناء سياسيون، وهو ما أكدت عليه منظمة العفو الدولية مؤخرا.
ومن المفارقات العجيبة فإن مشروع قانون الرئيس التركي للإفراج عن السجناء سيخلي سبيل اللصوص والمجرمين، ويبقي على من انتقد أردوغان ووصفه بـ"اللص" بخصوص استثماره لأموال الأتراك في مصالحه الشخصية، حيث أصبح المنتقد في نظر أردوغان أشد جرما من السارق نفسه.
ورغم أن الفيروس يهدد بالموت جميع السجناء، إلا أن الحكومة التركية تتجه وفق البراهين نحو المتاجرة الخسيسة حتى في الأزمات الإنسانية، ويبدو أن الرئيس التركي سيقوم باختيار مؤيديه أو الذين لم ينتقدوه ضمن قوائم الإفراج، في لفتة "رمزية" لصرف الأنظار عن مطالبات تركيا بأن تحذو حذو دول أخرى في تخفيف الضغط على السجون.
وقد يعمد أردوغان على عادته إلى التحايل على الضغوط التي يواجهها بشأن الإفراج عن أكبر عدد ممكن من السجناء دون استثناء وحسب ما تقتضيه القوانين المنصفة، إذ من المستبعد أن يفرج عن معارضيه الذين يرى فيهم تهديدا حقيقا لاستمراره في حكم تركيا. يد من حجم التهديد".

وأصبحت تركيا اليوم أحد البلدان التي تشهد انتشارا كثيفا للفيروس، حيث تحتل المرتبة التاسعة من حيث أعدادا الإصابات.
وعزز الرئيس التركي إجراءات الحد من انتشار الفيروس المتسارع في بلده، لكنه يثير انتقادات متزايدة لرفضه فرض إغلاق شامل من أجل حماية الاقتصاد.
وفرض أردوغان سلسلة إجراءات صارمة شملت حظر التجمّعات ووضع قيود على السفر بين المدن وإلزام السكان بارتداء الأقنعة الواقية في أنحاء البلاد، إلا أنه قاوم الدعوات إلى تطبيق عزل تام.
ولعل الأمر الأكثر إثارة للقلق في تركيا التي سجّلت أول إصابة قبل شهر واحد، هو سرعة انتشار المرض. ويتضاعف عدد الإصابات كل عدة أيام. فبعدما كان عدد الإصابات 7400 في 28 مارس/آذار، بلغ 15 ألفا في الأول من أبريل/نيسان، ليتجاوز 40 ألفا بحسب أخر الإحصائيات.
ويرجح تراخي السلطات التركية في فرض حجر صحي أكثر صرامة وغلق تام ووقف جميع الأنشطة التي تقوض التباعد الاجتماعي، ارتفاعا كبيرا في إصابات الوباء، في وقت تأخرت فيه تركيا بسبب مخاوفها من انهيار اقتصادها في فرض قيود تحول دون حصول الكارثة أمام تراجع القطاع الصحي متأثرا بالمعضلات الاقتصادية.
سيكون من المستحيل السيطرة على هذا الوباء إذا واصل ملايين الناس الذهاب إلى عملهم
ورغم إجراءات تركيا لا يزال عدد المصابين آخذا في الارتفاع، ما دفع خبراء للمناداة بوجوب فرض إغلاق شامل على غرار ما قامت به إيطاليا وفرنسا.
وقال طبيب يعالج مرضى مصابين بالفيروس في قسم العناية المشددة في أحد مستشفيات اسطنبول، "على الجميع البقاء في منازلهم. يجب أن يصبح ذلك إلزاميا". وأضاف "يصلنا المزيد من المرضى كل يوم. سنصل قريبا إلى الحد الأقصى لقدرتنا الاستيعابية".
وحضّت أحزاب المعارضة و"نقابة أطباء تركيا" وغيرها من النقابات الحكومة على تشديد الإجراءات لردع الناس عن مغادرة منازلهم.
وقال سنان أديامان رئيس نقابة أطباء تركيا التي تعد الرابطة الطبية الرئيسية في البلاد، لوسائل إعلام تركية هذا الأسبوع "سيكون من المستحيل السيطرة على هذا الوباء إذا واصل ملايين الناس الذهاب إلى عملهم".
وفي مقابلة مع فرانس برس الأسبوع الماضي، دعا رئيس بلدية اسطنبول المعارض أكرم إمام أوغلو إلى فرض عزل تام في عاصمة البلاد الاقتصادية حيث تم تسجيل أكثر من نصف الإصابات بكوفيد-19 على مستوى تركيا.
وقال "حتى إذا خرج 15 بالمئة فقط من السكان من منازلهم، فسنصل سريعا إلى عدد مليوني (مصاب) يمكن أن يز