كابي سارة يسرد سيرته الذاتية باللون

إبن ديريك المدينة يتألق في تمثيل الأشياء لا كما هي بل كما يراها هو فيملأ حقله البصري بإشراقات لونية تتخطى النص كموقف رافض لكل ما يحث على الفوضى ولكل تلك الحواجز المصطنعة بين العمل الفني ومتلقيه.

كابي سارة هو إبن ديريك المدينة التي تقع في الزاوية القصوى من يسار الرب حيث تلتقي سوريا وعراق وتركيا على نهر يدعى دجلة، هو إبن ديريك حيث لا طوائف إلا الإنسان، هو إبن ديريك التي قال عنها: " هي المخزون البصري والروحي والإجتماعي، هي قامات اللوحات والألوان، هي الكلمات والصور والإشارات التي تشكلت في روحي منذ تشكل الفنان، هي الحب والحياة، هي المحبة".

مدينة تجمع كل هذا الحضور لديه لا بد أن يشكل مهرجاناً من الجمال بين إبداعاته، فكابي يغوص كثيراً وبعمق جداً بالمكان حيث الجذور تمتد بشبكة من العلاقات تكون فيما بعد شكلاً آخر من الإبداع، فهو ينطلق من وجهة نظر مشبعة بالحنين والحب، فالمكان عنده من أهم وسائل التعبير وهذا حاله مع دمشق وحاراتها القديمة وكذلك مع معلولا وباب توما وكل مكان حلّ فيه لا بد أن يرافقه في حله وترحاله بل في أعماله الإبداعية أيضاً، ولهذا يحيط كابي إحاطة وافية بالمكان بكل إشكالياته وخصوصياته مع الإهتمام بالعوامل التي ترسل العبق في القلب، ورغم التناقضات الكثيرة وظهور مقولات جديدة في ضوء التحولات المجتمعية والسياسية على إمتداد البلاد إلا أن كابي ما زال يرى أن الأهم هو الإنسان فهو محور المكان وبالتالي مركز الإبداع حوله تدور كل المحاور، ولهذا نستطيع القول بأن أعمال كابي ما هي إلا سيرته الذاتية بمفهومها المعاصر، أي هي أوراق بصرية تحوي كل تجلياته السردية منها والتجريبية، إضافة إلى أنها مداخلات حياتية في مستوياتها المتعددة وفي أزمنة مختلفة، فهو يعمق الفهم والوعي بالأشياء ويحتفي بها مهما تعددت الطبائع وتهجنت الأحداث، وبذلك يدفع بفنه على نحو متتال سواء تحقق لديه الإنتشار المطلوب أم لا فالأهم عنده رائحة هذه الأوراق البصرية والتي ستكون هي المهيمنة على المصائر للوصول إلى جماليات الحياة أقصد جماليات المكان، فالأمر الذي يدفعنا إلى هذه القراءة هو يقيننا بأن العمل المبدع شيء وقراءته شيء آخر وكلما تعددت القراءات كلما ساهمت في إضفاء المزيد من الجدل والحيوية حول هذا العمل أو ذاك .

كابي سفر يتألق في تمثيل الأشياء لا كما هي بل كما يراها هو فيملأ حقله البصري بإشراقات لونية تتخطى النص كموقف رافض لكل ما يحث على الفوضى ولكل تلك الحواجز المصطنعة بين العمل الفني ومتلقيه، وبذلك يؤكد على إرتباطه بالإنفتاح على الآفاق بقوس وقزحيتها وبالتالي رسم نوافذ للإنفتاح على قراءات مختلفة ولعل المفارقة التي أراد كابي إبرازها هنا السعي نحو مفاهيم فنية تستدعي التواصل بين الفن والحياة والإنسان، بين آفاق جديدة لا تخلو من التأثر بأمكنة تحمل الحب والمعرفة في مدى الحضور المتصاعد في حدودها القصوى، وبين ترك الأصداء في هيمنة مدلول لوحي يضيف الروح المتوثب دون صدام مع دوافع الإنتقال نحو إطلاق الحركة في دوائرها المختزلة.