لبنان يفكك شبكة تهريب أدوية بين أعضائها مسؤولون كبار

من بين الأدوية المغشوشة علاجات مخصصة لمرضى السرطان، كانت تُستبدل بأدوية وزارة الصحة ثم تُباع بأسعار مرتفعة، بينما تُسلّم للمريض أدوية مزورة.

بيروت – أوقفت السلطات اللبنانية متورطين في ملف تهريب أدوية سرطان مغشوشة وغيرها، ضمن شبكة منظمة من الفساد والإهمال تمتد من المعابر الحدودية إلى بعض الصيدليات والمرافق الرسمية، وتفيد المصادر بتورط مسؤولين بارزين في هذا الملف.

وتراجعت نشاطات الصيدليات بعد أن أدت السياسات المتبعة والاحتكار من قبل بعض الجهات إلى فرض ضغوط كبيرة على الصيدليات الصغيرة، التي تُجبر على صرف مخزونها بسرعة. وحتى الأدوية المهربة  يشتكي اللبنانيون من صعوبة الحصول عليها نظرا لسعرها المعقول، رغم أنها خطرة على الصحة لعدم خضوعها للفحوصات المخبرية اللازمة. وفي هذه الظروف ظهرت مافيا الأدوية الي ضمت شخصيات متنفذة مستفيدة من الأزمة في هذا القطاع وغياب المحاسبة في البلد.

وفتح القضاء اللبناني تحقيقات موسّعة في هذه القضية بعد تحقيق استقصائي عُرض على قناة "الجديد" منذ أسابيع قليلة، ذكر فيه عن وجود شبكات تهرّب أدوية مزوّرة لعلاج أمراض خطيرة، وقدّر المبلغ بحوالى 40 مليون دولار.

وكشفت التحقيقات الأولية أن المتورط الرئيسي في الملف ضابط في الأمن العام وهو شقيق النائب الحالي ووزير المالية السابق علي حسن خليل (محمد) وزوجته ماريا فواز التي غادرت إلى جورجيا، بعد أن كانت تدير صيدلية في منطقة حي الماضي في الضاحية الجنوبية.

وبرز اسم ماريا فواز، بعد اتهامها بحسب التقرير "بالاحتيال على مجموعة من رجال الأعمال بمبلغ يتخطى الـ30 مليون دولار في صفقات لأدوية مشبوهة وتهريبها عبر مطار رفيق الحريري الدولي".

وتسلمت المحامية العامة المالية القاضية دورا الخازن الملف القضائي والتي تلتزم الصمت حيال مجريات التحقيق، وسط معلومات عن تعرضها لضغوط مباشرة لمنع تسريب المعلومات إلى الإعلام.

على إثر ذلك، باشر مكتب الجرائم المالية وتبييض الأموال تحقيقات موسّعة في هذا الملف بإشارة من المدّعي العام المالي بالإنابة، القاضية دورا الخازن، وتبيّن حسب المعلومات الأولية أن فواز غادرت الأراضي اللبنانية، وأُلقي القبض على زوجها الذي يخضع لتحقيق حاليًا، كما أُقفلت صيدلية في الضاحية الجنوبية بالشمع الأحمر.

ونفى الوزير السابق، المحسوب على حركة أمل التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري، حليف حزب الله أي علاقة له بالقضية. وقال في بيان على حسابه في إكس الأربعاء " فيما يخصّ القضيّة المثارة مؤخرًا والمتعلّقة بطليقة شقيقي وعلاقته بها، نودّ التأكيد أنّ الموضوع قضائي يخصّهما ولا علاقة لنا لا من قريب أو بعيد بما يتمّ تداوله ولا تربطنا أي صلة عمل بالمذكورين".

وأضاف "كما ندعو أن يأخذ المسار القضائي مجراه الطبيعي والتشدّد بالإجراءات والقرارات القضائية بعيدًا عن أي تدخّل أو تأثير، وأي ترويج بأنّ هناك ضغوطات على القضاء من قبلنا هو كلام باطل ويهدف إلى التشويش والتشهير لأسباب لم تعد خافية على أحد".

وحسب مصادر قضائية، فإن هذا الملف في غاية الخطورة، وسيكشف عن أسماء كثيرة متورّطة بتهريب الأدوية المزوّرة، من ضمنهم ضباط وعناصر أمنية رفيعة. وأُعطيت إشارة قضائية لتوقيف نقيب في قوى الأمن الداخلي واثنين من تجار الأدوية بعد ثبوت تورّطهم في هذه القضية.

وأشارت مصادر خاصة أنه تم حتى الآن توقيف أربعة أشخاص، بينهم الضابط محمد حسن خليل ونقيب في قوى الأمن الداخلي، إلى جانب اثنين من تجار الأدوية، مع توقعات بارتفاع عدد الموقوفين خلال الأيام المقبلة، في ظل الاشتباه بتورط شركات أدوية خاصة أيضاً.

كما كشفت التحقيقات عن تورط سيدة أخرى إلى جانب زوجة خليل، في حين برزت أسماء ضباط آخرين أيضا من جهات أمنية أضمن شبكة تهريب الأدوية، تحديداً عبر مطار بيروت.

وشددت المصادر على أنه من أخطر ما تم كشفه في هذا الملف، أن بين الأدوية المغشوشة علاجات مخصصة لمرضى السرطان، كانت تُستبدل بأدوية وزارة الصحة ثم تُباع بأسعار مرتفعة، بينما تُسلّم للمريض أدوية مزورة لا تحتوي على المواد الفعالة.

وفي هذا السياق، أكد نقيب مستوردي الأدوية في لبنان جو غريّب أن الأزمة بدأت فعلياً عام 2019، تزامناً مع انقطاع الأدوية بسبب شح العملات الأجنبية، إلا أن النقابة لم ترصد في حينه حجم المشكلة، نظراً لعدم وضوح حركة السوق خلال فترة الانهيار.

بدوره، ذكر نقيب الصيادلة جو سلّوم أن قطاع الصيدلة اللبناني شهد موجة من التحديات المتعددة تتفاقم مع استمرار الأزمة الاقتصادية وتدهور قيمة الليرة، وأضاف "نقابة الصيادلة تتلقى يومياً رسائل من المنتسبين تُفيد بعرض صيدليات للبيع أو بتفكيك محتوياتها لصالح أخرى، فيما تحولت الصيدليات الكبرى إلى "مولات" مخالفة تبيع الدواء إلى جانب منتجات أخرى مثل مستحضرات التجميل ومستلزمات الأطفال.”

وأوضح سلّوم أن جزءاً من العارضين هم من المتضررين من آثار الحرب التي قضت على جزء كبير من صيدلياتهم، فيما أدت الأزمة المالية إلى انهيار الليرة وتراجع نشاط هذه الصيدليات بشكل ملحوظ.

وأكد نقيب الصيادلة أن إغلاق العديد من المعابر بين لبنان وسوريا وضبط عمليات التهريب قد قلّص من قدرة تجار الحدود وحتى المواطنين على إدخال الأدوية السورية إلى لبنان.