لبنان يوقع اتفاق ترسيم الحدود ولابيد يعتبره اعترافا بإسرائيل

الوسيط الأميركي يعتبر أن اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل سيشكل نقطة تحول للاقتصاد اللبناني، ولا بنود في اتفاق الترسيم من شأنها تأخير تنقيب لبنان عن الطاقة.

بيروت – وقّع الرئيس اللبناني ميشال عون رسالة بالموافقة على اتفاق تاريخي توسطت فيه الولايات المتحدة يرسم الحدود البحرية لبلاده مع إسرائيل، بحسب ما قال إلياس بو صعب كبير المفاوضين اللبنانيين للصحفيين اليوم الخميس.

وأضاف متحدثا من القصر الرئاسي أن توقيع الرسالة يمثل "عهدا جديدا" وأن الرسالة ستسلم إلى المسؤولين الأميركيين عند نقطة حدودية في أقصى جنوب لبنان في الناقورة في وقت لاحق اليوم الخميس.

واعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد أن لبنان "اعترف" بدولة إسرائيل في الاتفاق على الحدود البحرية.

وقال لابيد إن الترسيم إنجاز سياسي لأننا لا نشهد كل يوم اعتراف دولة معادية (لبنان) بإسرائيل، من خلال اتفاق خطي. 

وعقد كبير المفاوضين اللبنانيين نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب الخميس مؤتمرا صحفيا مشتركا مع الوسيط الأميركي آموس هوكستين في قصر الرئاسة شرق العاصمة بيروت.

وقال بو صعب إن هوكستين سلّم الرئيس عون نصّ الاتفاق الرسمي لترسيم الحدود البحرية.

وأوضح أن الرئيس عون وقع رسالة تقول إن لبنان استلم الرسالة الأميركية ووافق على مضمونها، وكلف وفدا لتسليم الرسالة لهوكستين في الناقورة (مقر القوات الأممية جنوبي لبنان).

وأضاف أنه ستكون هناك رسالة ثانية من الخارجية اللبنانية تتوجه إلى الأمم المتحدة.

ولفت إلى أن الرسالة التي نُشرت سابقا هي نفسها التي سلّمها هوكستين الخميس، وتمّ توقيعها لتُصبح رسمية.

واعتبر آموس أن اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل سيشكل نقطة تحول للاقتصاد اللبناني، ولا بنود في اتفاق الترسيم من شأنها تأخير تنقيب لبنان عن الطاقة.

ومنذ عام 2019، يعيش لبنان أزمة اقتصادية حادة غير مسبوقة، مع انهيار عملته المحلية (الليرة) مقابل الدولار الأميركي، وشح في الأدوية والوقود وسلع أخرى، وهبوط حاد في قدرة المواطنين الشرائية. ورأى أن "توقيع الاتفاق من شأنه إحداث الاستقرار في المنطقة".

وتابع: "نعيش يوما تاريخيا بعد التوصل إلى اتفاق من شأنه توفير الاستقرار على جانبي الحدود".

وأكد الوسيط أن "الاتفاق يسمح ببدء العمل في حقل قانا وحق الشعب اللبناني مضمون ببنود الاتفاق".

وبحسب الأناضول، فإن الوفد اللبناني الذي كلفه الرئيس عون بالتوجه إلى الناقورة، حيث مراسم توقيع الاتفاق، يضم كلا من مدير عام رئاسة الجمهورية أنطوان شقير ومفوض الحكومة لدى القوات الدولية العميد الركن منير شحادة وعضو هيئة إدارة النفط وسام شباط ورئيس مركز الاستشارات القانونية أحمد العرفة.

وفي 13 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أعلن الرئيس عون موافقة بلاده لبنان على اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، فيما وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد الاتفاق بـ"التاريخي".

وخاض لبنان وإسرائيل مفاوضات غير مباشرة استمرّت عامين بوساطة أميركية حول ترسيم الحدود في منطقة غنية بالنفط والغاز الطبيعي بالبحر المتوسط تبلغ مساحتها 860 كم مربعًا.

يذكر أن عون وميقاتي ورئيس المجلس النيابي نبيه بري كانوا قد تسلموا في 11 تشرين الأول/ الجاري المسودة النهائية لاتفاق ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان وإسرائيل التي أعدها الوسيط الأميركي آموس هوكستين.

وأعلن عون في 13 من الشهر الجاري موافقة لبنان على الصيغة النهائية لاتفاق لترسيم الحدود البحرية الجنوبية.

لابيد يعتبر أن الترسيم إنجاز سياسي لإسرائيل
لابيد يعتبر أن الترسيم إنجاز سياسي لإسرائيل

ويأتي توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بعد أشهر من مفاوضات مضنية بوساطة أميركية، ما أتاح لإسرائيل البدء بإنتاج الغاز من منطقة كان متنازعاً عليها، فيما يأمل لبنان، الغارق في انهيار اقتصادي، التنقيب قريباً.

وعشية التوقيع، أعلنت شركة إنرجيان بدء إنتاج الغاز الأربعاء من حقل كاريش البحري الذي كان يقع في منطقة متنازع عليها وبات كاملاً من حصة إسرائيل بموجب الاتفاق.

وتسارعت منذ أشهر التطوّرات المرتبطة بملف ترسيم الحدود البحرية بعد توقف لأشهر جراء خلافات حول مساحة المنطقة المتنازع عليها. وبعد لقاءات واتصالات مكوكية، قدم الوسيط الأميركي آموس هوكستين، الذي تقود بلاده وساطة منذ عامين، بداية الشهر الحالي عرضه الأخير، وأعلن الطرفان موافقتهما عليه.

وكون لبنان وإسرائيل يُعدان في حالة حرب، من المفترض أن يسلم كلا من الطرفين في غرفتين منفصلتين رسالة تتضمن موافقتهما إلى الوسيط الأميركي.

وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إن الاتفاق "سيأخذ شكل تبادل رسالتين، واحدة بين لبنان والولايات المتحدة وأخرى بين إسرائيل والولايات المتحدة".

وستحضر المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونِتسك التوقيع، حيث سيتم تسليمها الإحداثيات الجغرافية المتعلقة بترسيم الخط البحري التي اتفق الطرفان على إرسالها للأمم المتحدة.

وستحل تلك الإحداثيات مكان تلك التي أرسلتها الدولتان إلى الأمم المتحدة في العام 2011.

وأوضح متحدث باسم الرئاسة اللبنانية أن مهمة الوفد اللبناني ستقتصر على "تسليم الرسالة فقط بحضور هوكستين وممثل الأمم المتحدة، ولن يلتقي مع الوفد الاسرائيلي إطلاقاً".

وقال الرئيس الأميركي جو بايدن إثر لقائه نظيره الإسرائيلي إسحق هرتسوغ الأربعاء إن من شأن الاتفاق أن "يخلق أملاً جديداً وفرصاً اقتصادية". ووصفه بـ"التاريخي".

وسيدخل الاتفاق حيز التنفيذ، وفق النص الذي اطلعت عليه وكالة فرانس برس، عندما ترسل الولايات المتحدة "إشعاراً يتضمن تأكيداً على موافقة كل من الطرفين على الأحكام المنصوص عليها في الاتفاق".

ولم يكن التوصل إلى اتفاق بالأمر السهل، إذ إن المفاوضات التي بدأت في العام 2020 تعثرت مرات عدة، قبل أن تتسارع منذ بداية حزيران/يونيو إثر وصول سفينة إنتاج وتخزين على مقربة من حقل كاريش، الذي كان لبنان يعتبر أنه يقع في منطقة متنازع عليها.

وبموجب الاتفاق الجديد، يصبح حقل كاريش بالكامل في الجانب الإسرائيلي، فيما يضمن الاتفاق للبنان حقل قانا الذي يتجاوز خط الترسيم الفاصل بين الطرفين.

وستشكل الرقعة رقم 9 حيث يقع حقل قانا منطقة رئيسية للتنقيب من قبل شركتي توتال الفرنسية وإيني الإيطالية اللتين حصلتا على عقود للتنقيب عن النفط والغاز.

وأعلنت شركة إنرجيان الأربعاء بدء إنتاج الغاز من حقل كاريش، وقالت إنها تأمل أن تتمكن في المدى القريب من إنتاج 6,5 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً، على أن ترتفع الكمية لاحقاً إلى ثمانية مليارات متر مكعب في السنة.

وقالت الشركة "يسرنا أن نعلن إنتاج أولى كميات الغاز من حقل كاريش قبالة سواحل إسرائيل بأمان... يتزايد تدفق الغاز باطراد".

أما لبنان، فقد أعلنت السلطات أنه تم الاتفاق مع شركة توتال الفرنسية على البدء بمراحل التنقيب فور الاتفاق النهائي.

وبرغم الاتفاق، يرى خبراء أن لبنان لا يزال بعيداً من استخراج موارد النفط والغاز، وقد يحتاج ذلك من خمس إلى ست سنوات.

وتعوّل السلطات اللبنانية على وجود ثروات طبيعية من شأنها أن تساعد على تخطي التداعيات الكارثية للانهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد منذ ثلاث سنوات، وصنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850. وقد بات أكثر من 80 في المئة من اللبنانيين تحت خط الفقر، وخسرت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المئة أمام الدولار.