للفساد في العراق اجنحة

لا إيران ولا الولايات المتحدة ولا السيستاني في إمكانهم أن يضاهوا الفساد في قوته.

حين قال خبراء أميركان في الجرائم الاقتصادية "إن الفساد الذي نخر جسم الدولة العراقية هو فساد لم تشهد البشرية مثيله منذ خلق آدم" فقد كانوا يشيرون إلى درجة ذلك الفساد ونوعه معا.

لقد احتل العراق من حيث الدرجة المرتبة الأولى في سلم الدول التي يهيمن عليها الفاسدون. أما من جهة النوع فإنه فساد غير مسبوق من خلال تعدد أشكاله وتنوع واجهاته وشمولية أضراره التي لم تترك فقيرا أو غنيا عراقيا إلا وضربته بأجنحة شياطينها التي صارت تمرح وتسرح في فضاء العراق الذي صار لها وطنا بديلا.

لا ينحصر الفساد العراقي وهو ماركة تجارية مسجلة في سرقة ونهب أموال الدولة بل تعدى ذلك إلى سرقة حقوق الفقراء والتفريط بها من خلال منحها لمَن لا يستحقها في ظل خطاب إسلامي متشدد.

وإذا ما نظرنا إلى عينات قليلة من ذلك الفساد يمكننا التحقق من أن ذلك الفساد الذي يرعاه المتشددون الإسلاميون قد وصل إلى مرحلة الكفر.

لا يسعني هنا سوى أن أعرض عينتين.

الأولى تتمثل في حرمان أمهات وأرامل وأبناء شهداء الحرب العراقية ــ الإيرانية من الرواتب التقاعدية التي جرى إعادة توزيعها على مجاهدي ومجاهدات حزب الدعوة ممَن لم يولدوا في العراق ولم تطأ أقدامهم أرضه إلا بعد أن صار بلدا محتلا عام 2003.

أما العينة الثانية فتتمثل في آلاف البيوت التي يقيم فيها المسؤولون العراقيون الذين قدموا إلى العراق بعد الاحتلال وكلها بيوت مغتصبة، صار أصحابها اما مشردين أو أنهم يقيمون في حزام الفقر. حسب الحكاية التي رويت أخيرا فإن حسن العلوي وهو صحفي مخضرم قد تم اسكانه بعد عودته إلى العراق نائبا في بيت، اكتشف أن ملكيته تعود إلى عائلة الفريق الأول الركن أياد فتيح الراوي الذي توفي مؤخرا في سجنه.

من خلال العينتين المذكورتين يمكننا الحكم على الفساد العراقي بخروجه عن منطق الفساد المتعارف عليه دوليا. فهو فساد من غير حدود وبعيون مغلقة عن رؤية النتائج المأساوية التي يمكن أن يؤدي إليها. وذلك كله مرتبط باطمئنان الفاسدين إلى أن لا عقاب ينتظرهم في ظل غياب القانون.

عام 2003 علق بول بريمر، رئيس سلطة الاحتلال الأميركي في العراق العمل بالقانون لمدة سنة ويبدو أن تلك السنة لم تنته حتى هذه اللحظة.

القانون لا يزال معلقا في العراق بقوة الفساد.

هناك اليوم آلاف من البشر سرقت حقوقهم في مقابل آلاف أخرى من البشر ممَن اكتسبوا حقوقا لا يستحقونها أو استولوا على أملاك سواهم.

أن يكون للفساد أجنحة فتلك ظاهرة عراقية خالصة.

عام 2014 بدأ رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي حملة على مَن سماهم بـ"الفضائيين" وهم جنود غير مرئيين لا صلة لهم بما ذُكر في النص الديني. كان العبادي في بداية حماسته للإصلاح يسع إلى الظهور بمظهر الرجل الذي ستحل على يده المعجزة معتقدا أن الفساد مجرد قناع، إذا ما نجح في إزاحته فإن الوجه النزيه للعراق سيظهر.

تدريجيا خفتت تلك الحماسة. لقد اتسعت الحملة المضادة للفساد ولم يكن مستغربا أن يتقدم الفاسدون الكبار صفوف الإصلاحيين ممَن انصب هدفهم في مقاومة الفساد في ظل دوي صفير أجنحة الفضائيين الذين كثرت أعدادهم وما من قوة في إمكانها أن تبطل سحرهم.

لم تكن الحرب على الفضائيين يسيرة كما توهم العبادي. فأولئك الجنود غير المرئيين منتشرون في كل مكان وصولا إلى فرق الحمايات الخاصة والشركات الأمنية التي تقوم بحماية المنشآت وغرف نوم المسؤولين الكبار بما فيهم الرؤساء الثلاث والعبادي واحد منهم.

لقد تسلل الفساد إلى جسم الدولة العراقية واستطاع بحالاته الثلاث، الصلبة والسائلة والغازية أن يحتل الأجزاء التي تهب ذلك الجسم القدرة على الاستمرار في الحياة.           

وكان الفضائيون هم جنود ذلك الاحتلال الذي لن يتمكن أحد من إفشال خططهم الحربية بالطرق التقليدية التي اعتمدها العبادي وفشل في الوصول إلى نتائج مرضية من خلالها.

لقد طور الفساد في العراق من تقنياته بحيث أصبح أقوى من كل الأطراف التي يُقال إنها تتحكم بالعراق. فلا إيران ولا الولايات المتحدة ولا السيستاني في إمكانهم أن يضاهوا الفساد في قوته.